عندما زرت جامعة البحرين قبل فترة وجيزة كانت جدران الجامعة مغطاة بصور واعلانات المترشحين لمجلس الطلبة. وبدا ان الأجواء التنافسية قد اضافت على الحياة الجامعية ديناميكية كانت تفتقدها لفترة طويلة. وافضل اعلان شاهدته لإحدى المترشحات رفعت شعار 70 في المئة اشارة الى ان نسبة البنات في الجامعة سبعين في المئة وينبغي ان ينعكس ذلك على التصويت. وفي المقابل رد عليها احد المترشحين بكتابة 70 في المئة + 30 في المئة جميعهم طلبة جامعيون وجميعهم بحاجة الى من يمثلهم.
التحركات بين الطلبة كانت محترفة قائمة على اساس برامج ومبادىء وتحالفات وطرح أولويات. وهكذا جاءت نتائج الانتخابات بحصول قائمة «الطالب أولا» على تسعة مقاعد، بينما حصلت قائمة أخرى قريبة من جمعية الاصلاح على ثلاثة مقاعد ومقعد واحد فاز به احد الطلاب القريبين من اتجاه جمعية العمل. وهنا تقع المشكلة في تحديد اتجاهات الطلبة. فقائمة «الطالب اولا» رفضت حصر وصفها بأن افرادها ينتمون إلى خط «جمعية الوفاق» لانهم يقولون ان الداخلين في القائمة والمصوتين لصالحها كانوا من اتجاهات متنوعة من بينها جمعية الوفاق، وايضا هناك من هو قريب للجمعية البحرينية للجامعيين واخرون مستقلون.
رئيس جمعية الشفافية جاسم العجمي كان من المشرفين على الانتخابات للتأكد من سلامتها وسلامة ممارسات أنشطة الطلاب. والبرامج الطلابية طرحت نفسها على أساس خدمة مصالح الطلاب، ودعم العملية التعليمية في الجامعة. ولكن الجامعة ما هي إلا انعكاس لما يجري في المجتمع، وهي إلى حد الآن لم تتسلم قيادة مشروعات مستقبلية.
هذا الحوار طرح اثناء اللقاء الذي دار مع عدد من الاساتذة والطلاب في محاولة لفهم الاسباب التي حولت الجامعة الى مرآة عاكسة لواقع المجتمع الحالي وليست مرآة تعكس مستقبل المجتمع البحريني. ولعل الاوضاع التي مرت بها الجامعة خلال السنوات الماضية دفعت بهذا الاتجاه، إذ كانت حراسة الجامعة بيد وزارة الداخلية ويعامل الداخل الى والخارج من الجامعة وكأنه يحاول الدخول والخروج من ثكنة عسكرية. وبالتالي فإن الطالب كان يعيش حالة الحصار الفعلي والفكري ولا يستطيع ان يتطلع الى الإمام. والطالب الذي لا يستطيع التطلع الى المستقبل يعتبر طاقة مضيعة فالمهم في الحياة الجامعية هو التفكير والتجديد في التفكير على اساس علمي متطلع الى الافضل.
ولذلك فإننا لا نستطيع إلقاء اللوم حاليا على الطلاب اذا لم يستطيعوا تسلم دور قيادي وعلينا ان نشجع باتجاه إقامة اتحاد طلابي يمتلك مقومات العمل الطلابي الحقيقي.
فالمجلس الطلابي قاصر عن مفاهيم الاتحاد الطلابي المستقل عن سياسة وادارة الجامعة والقادر على التحدث باسم الطلاب وتمثيلهم في مختلف المجالات مع ادارة الجامعة.
لقد حاول الطلاب كما اخبروني الابتعاد عن مشكلات التحالفات السياسية خارج الجامعة، ولكنهم جزء لا يتجزأ من الجو العام وما يثقل الساحة السياسية العامة يثقل الساحة الجامعية.
على ان مشكلات العمل الطلابي يبدو انها مزمنة. ففي السبعينات نشط الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الكويت ومصر والعراق وبريطانيا وتعرض اعضاؤه ومعظمهم من أنصار الحركة اليسارية الى القمع والمطاردة. بل ان الحكومة آنذاك ضيقت على الطلاب الى درجة ان جوازاتهم فرض عليها التجديد السنوي وكل سنة تتم محاسبتهم على ما قاموا به وتعرضوا للفصل من البعثات والمنع من السفر والحرمان من الحقوق واستمر هذا الوضع حتى مطلع الثمانينات.
في مطلع الثمانينات تسلم الاسلاميون قيادة التحرك السياسي وازداد عدد الطلاب المؤيدين للاتجاهات الاسلامية. ولكن القمع السياسي منعهم من أي نشاط علني ما دفع أكثرهم للنشاط السري. وتعرضوا الى قمع شرس ايضا واصبح الكثير من الطلاب يبتعدون عن اي نشاط اجتماعي او سياسي خوفا على دراستهم وعلى مستقبلهم، ثم جاءت فترة الانفتاح السياسي وبدأت الجمعيات الاهلية تتشكل وسمح بالنقابات العمالية في القطاع الخاص (مازال العمل النقابي ممنوعا في القطاع الحكومي ولم يتقدم في الجانب المهني) ولكن الطلاب لم يتغير وضعهم ولم تسمح لهم وزارة التربية أو جامعة البحرين بتشكيل اتحادهم الطلابي ولذلك فإنهم قبلوا بصورة أولية الدخول في مجلس الطلبة على أمل تطويره الى اتحاد طلابي حقيقي يمتلك استقلالية عن ادارة الجامعة وصلاحيات واضحة لتمثيل مصالح الطلاب.
الانتخابات الأخيرة فتحت ملف العمل الطلابي الذي ينبغي له ان ينتهج نهجا وطنيا بعيدا عن مشكلات المجتمع. فالطالب طالب، بغض النظر عن كونه ذكرا أم انثى، سنيا أم شيعيا مواطنا أم غير مواطن. الطالب الجامعي في أية جامعة كانت في البحرين طالب جامعي أولا وثانيا وثالثا وهذا ما نفتقده إلى حد الأن.
ففي السبعينات الطالب الذي يشترك في الاتحاد الوطني لطلبة البحرين تشك فيه الحكومة انه سينتمي مباشرة بعد ذلك الى الجبهة الشعبية او جبهة التحرير أو حزب البعث، وفي الثمانينات لم يكن لدينا اتحاد طلابي بل كانت هناك انشطة طلابية ولكن الاجهزة الأمنية اعتبرت اي تجمع انما هو «تنظيم محضور يسعى لقلب النظـام» وبالتالي لم يستهدف الطلبة لا لانهم طلبة وانما استهدفو لانهم متهمون حتى تثبث براءتهم، شأنهم في ذلك شأن المواطنين الآخرين.
لدى الطلاب فرصة لخلق اجواء افضل بعيدة عن ممارسات العمل الطلابي في الماضي، كما ان لدى السلطات التعليمية فرصة لبدء صفحة جديدة قائمة على الثقة المتبادلة، وحريّ بالسلطات ان تبدأ بالمبادرة لأن الاتجاهات السياسية في المنطقة تتجه باتجاه السماح للتنظيمات الاهلية، وهذا ليس في البحرين فقط، فالسعودية وقطر اعلنتا تشكيل جمعيات اهلية لحقوق الانسان ولا يستبعد قيام نقابات واتحادات بصورة سريعة في مختلف البلدان الخليجية والبحرين سمحت بما هو اكبر من الاتحاد الطلابي (الاتحاد العام لعمال البحرين) ولذلك فلن يضيرها شيء ان تسمح بإنشاء الاتحاد الطلابي البحريني الذي يمثل طلبة البحرين (كل الطلاب من دون تفريق) وتكون له هيئة مستقلة خارج اطار جامعة البحرين لكي يستطيع تمثيل طلاب الجامعات الاخرى داخل وخارج البحرين. فهل يرى الاتحاد الطلابي النور؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ