العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ

الحزن امتياز عراقي

الكتابة عن العراق تشبه إلى حد بعيد استدعاء مآسيك وكوارثك دون أن تنسى معه استدعاء مآسي وكوارث العالم.

الكتابة عن العراق هرب من حال الفرح إلى حال الحزن الذي تراه ماثلا أمامك في صورة ضريح أو شاهد قبر أو مجزرة أنجزت للتو.

الكتابة عن العراق وقوف على كل كربلاءات الدنيا، وإن كان المسلمون وحدهم أصحاب الامتياز الفعلي والتاريخي لكل الكربلاءات التي عرفها التاريخ الإنساني.

الكتابة عن العراق وقوف على الجباه التي خلقها الله وهي تكتنز بالكرامة والعزة وكتمان السر والبكاء حين تخلو الأمكنة من الناس، بل والنحيب خلف الأبواب المغلقة التي لا يصل اليها سمع أي كائن، فيما الزمن الأميركي يجعلها عرضة للانكسار أمام شاشات التلفزة والموت البطيئ لقلة الحيلة وضيق ذات اليد وتراكم الآلام.

الكتابة عن العراق تعني القبض عليك في حال تلبس وأنت ترتكب جريرة الإعتراف بأن العرب في طريقهم إلى الانقراض، في ظل الحيف الأميركي وطالما ظل هذا الجزء المهم والعضلة الحيوية في قلب الأمة معرضا للمهانة والإبادة على مختلف الصعد، إذ لا فرق بين محاولات إبادة الكرامة وبين محاولات إبادة الوجود الإنساني في صورته المادية.

الكتابة عن العراق تعني تذكر الجثامين التي تحولت إلى أرقام في أرض تعج بالملح والرطوبة والخوف والحرس والاستجواب و إقامة مجالس العزاء بإذن خطي.

الكتابة عن العراق تعني تذكر (رزاق كاظم) والتوابيت التي توزعت في باحة بيته الشبيه بالمقبرة في انتظار قراءة صادقة للفاتحة من القلب والروح. تعني تذكر (علي عباس) الطفل الذي ظل يردد على زائريه ذات النص : اطلبوا منهم إرجاع يدي... في إشارة إلى فقدهما جراء القصف الأميركي الهمجي.

الكتابة عن العراق تعني انسلاخك من كل حال الترف لتمعن في الوجوه الكالحة والأعين التي جف فيها الدمع لفرط النكبات التي امتدت لأكثر من أربعة عشر قرنا، لتمعن في (الجدة) التي ترمق كاميرات التلفزة وهي تحمل زلزلتها لسكون العالم وهموده أمام هذه الإستباحة الكونية الشرسة، لتمعن في ممثلي الماكدونالد والكنتاكي والديري كوين والكوكاكولا وسجائر المارلبورو الB25 والتوماهوك، دون أن تنسى المايكروسوفت وهم يمعنون خرابا في جنة الله على الأرض.

الكتابة عن العراق تعني تأمل الحال التي وصل اليها العرب برضاهم عن تنصيب ممثل دولة فاجرة، خليفة للمسلمين رغما عن مليار مسلم أو يزيدون... وفي عاصمة المنصور والرشيد... عاصمة السحابة التي تمطر حيث تشاء... وحاضرة أبي نواس والمتنبي ومن بعدهما الجواهري والسياب والبياتي ونازك الملائكة ومظفر النواب وحسين مردان والبريكان وجميل - منير بشير وحديثا شاعر ومفكر العود الأول نصير شمة.

الكتابة عن العراق تعني تمعنا في الحال التي وصل اليها قلب هذه الأمة في ظل سيادة الرعب وتمركز الإرهاب وريادة السطوة وهيمنة العدة والعتاد، فيما جباة الضرائب وسراق المال العام والمراهنون في أندية القمار في لاس فيجاس وموهوبو شارع الهرم وحي سوهو وغيرهما من مدن وأحياء العالم يحررون شيكات على بياض تكفي لإتخام صناديق الزكاة وتفريخ لصوص جدد في ظل بطالة الحاجة.

الكتابة عن العراق تعني ضرورة نهوض الخجل من نومه العميق واستئناف عمل الضمير المعطل وصحوة الأنظمة من النوم في العسل واستنفار الإرادة المغيبة والتحريض على نسف واقع لا يبشر إلا بالخسارات واستفحال الكوارث وتكدس الإهانات وتراكم العري.

العراق دمعة مسفوحة ترفع حرقتها الناصرية والسماوة والأعظمية ومدن هي في الصميم من الوجع والحرقة وأبجدية الحزن وفاتحة الوجع واستهلال المرارات وأول الصدمة.

العراق محاولة لاكتشاف الفارق بين المستنقع والفرات... بين الثورة والإغراء الأسود... بين العقل والدرك الأسفل من الجنون... بين الرماد والوردة... بين الحسن البصري والجلبي... بين مسجد الأعظمية ومبنى البنتاغون... بين امرأة عراقية عزيزة في ظل ذل مؤقت وكوندليزا رايس في عزتها الطارئة... بين ناظم الغزالي وصاحب الأنف الجيري مايكل جاكسون... بين عدنان الصايغ وريتشارد باوتشر... بين زهرة الخزرجي ومارلين مونرو.

الكتابة عن العراق تعني تذكر أن الحزن عراقي وبامتياز دونما جدال... وخائن... خائن... خائن لفرحه وحزنه وضميره من يقول خلاف ذلك





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً