العدد 244 - الأربعاء 07 مايو 2003م الموافق 05 ربيع الاول 1424هـ

الثقافة العربية لا يمكن أن تكون اسما مكتوبا على يافطة تعلق هنا وهناك

أجرى الحوار: عدنان الموسوي 

تحديث: 12 مايو 2017

حتى وقت قريب لم أكن أتصور أن رجل الاعمال تقي البحارنة يمكن أن يكون شاعرا ينظم الشعر فقد عرفته شخصا يتمتع بقسط وافر من الثقافة السياسية التي لمستها فيه من خلال بعض اللقاءات القليلة جدا التي التقيته فيها وقد يكون هذا الفهم غير المقصود لقصور في متابعاتي الثقافية والشعرية ولربما لعدم الاحاطة الاعلامية بشخصيته الشعرية التي عرفت في الوعي العام على أنه رجل أعمال ونتيجة هذا الشح الاعلامي في تسليط الضوء على شخصيته الشعرية لم استطع ان اتعرف عليه كشاعر أما وقد اطلعت على بعض ما نظمه من شعر في ديوانه الاول والثاني فلا بد أن اعترف بأنه يملك رصيدا من ملكات الشعر ولكن أي شعر؟

وهل هو الشعر في التقليدي المسجون بنص الحنين أم الشعر الذي تتوارى في صوره بعض الثنايا اليومية المتناوبة التي عشناها والتي تتحدث عن حوادث صغار وكبار ولكن وفق منتج الكلمة وادواتها التي يتحدد من خلالها الفضاء العام وتاريخ المكان ومفهوم الحوادث؟

و... و... وبعيدا عن الاطالة تعالوا نتصفح سويا ما أنبرت عليه مداخل ومخارج هذه الدردشة السريعة التي اقمناها معه عن الفضاء الداخلي والخارجي:

بنات الشعر في خواطرك هل ابقاهن الحنين إلى الصبا وتلك الأيام الخوالي أم محطات تدخل نطاق دائرة السرية المغلقة أم هذا الوطن الجميل والصغير في حجمه الكبير في امانيه؟

- بنات شعري هي التي تبكي... وهي الحنين الذي يشمل حنين المسافر إلى أهله ووطنه وهذا الحنين يشعر به كل مسافر أو غريب قست عليه صروف الزمان ولكن هناك مسافر يعود بعد حين ويطفئ هذا الحنين»، وهناك مسافر لا يستطيع العودة لاسباب كثيرة ولذلك يلح عليه الحنين حتى يبكي من هذا الحنين، ولذلك من هذا الخاطر استهويت عنوان ديواني الشعري الثاني «في خاطري... يبكي الحنين» ولعلك في مقدمة الديوان تجد الاجابة على سؤالك المخاتل الذي حاولت ان تبدأ به هذا الحوار، ففي الاهداء تجد كل ما اردت معرفته حينما اقول:

إلى بحرين المستقبل...

في عهد التلاحم بين القيادة والشعب...

في نواصي الجيل الجديد

أمانات مصير... همومهن كبار...

ولو تمعنت ستجد حتى في ديواني الاول «بنات الشعر» حنينا جارفا حينما اقول:

من للغريب اذا نأى

عن داره ونأت «أوال»

يغفو على طيف الخيال

فيستبد به الخيال

واذا صحا فهو المعنى

ليس يشفيه السؤال

يا دار بعد المزار

وبرح الشوق العضال

وهواك زادي في البعاد

وحبك الماء الزلال

طفت البلاد فلم أهم

بسواك والدنيا ارتحال

وهل تعتقد ان الغربة... وان الحنين اعاد ذلك الحامل حقائب الترحال إلى داخله النفسي أم انه لايزال يعيش الغربة النفسية؟

- هناك غربة الجسد والنفس وقد يعود الجسد من غربته ولكنه يعيش أجواء مغرقة في الغربة فتولد لديه غربة النفس وهنا يأتي دور العمل والجد والانجاز لحوادث التغيير المطلوب لان التغيير الحقيقي هو الذي يأتي من الداخل وليس من الخارج وهو الذي تصنعه أنت ولا تصنعه لك شخص آخر من الخارج...

وهل تعتقد ان الغربة السياسية كان لها حضورها الفاعل في مثل هذا الشعر الوجداني المغرق وخصوصا اننا في العالم العربي لدينا مسحة من الغربة ندوبها لم تندمل بفعل افاعيل السجن والسجان والعقرب والثعبان؟

- وهل تعني الغربة في الوطن العربي أم البحرين؟

تحدث عن الغربة كيفما اتفق فالبحرين ما هي الا قاطرة متطورة في قطار اسمه العالم العربي...

- الغرباء من الشعراء وغيرهم في العالم العربي الذين غادروا وآثروا الرحيل في المكان والزمان بالابتعاد النفسي أو الجسدي بعضهم استطاع ان يفيض عن غربته في الداخل فيما لم يستيطع البعض الآخر البوح، واما فيما يتعلق بموضوع الغربة والحنين فهو موضوع طارئ بالنسبة إلى الديوان وهذا ما حدث عندي، فقد عشت بعضا من هذه الغربة الداخلية حينما تبدلت الاحوال في زمان ما... واعفنى ان اتحدث عن تفاصيل هذا الزمان لانك اذا استطعت ان تمعن النظر في ديواني ستجد ما ترمي اليه ففي اجزاء الديوان الثمانية كثير من الصور التي تبوح عن ذلك الزمان...

ومن منظورك الشخصي هل تعتقد ان شعر الايماءة يمكن ان يؤدي الغرض لدى الشاعر والمتتبع والمهتم؟

- اذا تحدثنا عن الشعر فنحن نتكلم عن تعبير فني وهذا التعبير الفني لا يمكن ان نحدد صفته سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة لانه اسلوب الشاعر في التعبير الفني بالشكل الذي يرتاح اليه ولكن هناك معلومة بل ما هو متعارف عليه «ان الاديب إذا أراد ان يعبر عن موضوعاته لا يستطيع ان يستخدم التعبير المباشر لانه في ذلك الوقت يكون خاليا من عنصر الجمال... وكلما كان التعبير له صفة العمومية وليس الخصوصية تتعدد تعبيراته بصورة اكبر واما النقد المباشر فهذا الحال له الحديث والمقال والنثر وليس الشعر - فمثلا - تجدني حينما اتحدث بالشعر عن اميركا في احدى قصائدي لا اعتمد التشنج في تحديد موقفي وانما اعتمد على المخاطبة الاخلاقية ولذلك نظمت قصيدة من ابياتها:

ياليتها رجعت إلى نظامها

فمن نظامها تعلمت الشعوب...

وما اريد ان اصل إليه واحدده في قصيدتي هو طرح السؤال الآتي: لماذا تنكر علينا أميركا النظال ضد الاحتلال وهي التي اعتمدت هذا النظال في مقاومتها للاحتلال وقد صدرته إلى بعض دول الجوار وخذ على ذلك قصيدة أخرى:

قل لجنبولا اذا عاتبته

سوف تدعونا ولكن لن تراني

وهذه إحدى صور التعبير الشعري المباشر ولكنه لا يحمل صفات فردية!

وهل يمكن للشعر، الشعر الوجداني ذي الحنين الخاص أن يؤدي دوره ووظائفه في ظل هذا التغريب الثقافي الممتد؟

- في ردي على سواكم دعني استدعي قصة ابليس حينما اتضحت امام مريديه الحقيقة الكبرى «فلا تلوموني ولوموا انفسكم» إبراهيم/22. وكما تعلم عالمنا اليوم عبارة عن قرية، واذا اردنا الانفتاح فيجب ان نؤمن انفسنا، بمعنى أنه يجب ان يتساير مع هذا الانفتاح تأصيل ثقافتنا، فالثقافة العربية لا يمكن ان تكون اسما مكتوبا على يافطة تعلق هنا وهنا ولابد من اعتماد أساليب واستراتيجيات لتأصيل هذه الثقافة لحماية الاجيال المعاصرة والمقبلة، فالشباب اليوم يعزفون عن الثقافة العربية ويجدون في الثقافة الغربية ضالتهم - لماذا؟- لانهم في بحثهم الثقافي لم يجدوا منذ تلقيهم اولى الدروس الثقافية في مدارسهم وجامعاتهم ما يريدون في هذه الثقافة، والعيب ليس في ثقافتنا وشبابنا وانما فينا نحن، فاذا كان الطالب يتلقى ثقافته الغربية في الشارع والمدرسة والمنزل وعبر وسائل الاعلام، حتى حين بحثه عن عمل لا يمكن له العمل الا اذا كانت لديه مفردات معينته من هذه الثقافة فلا شك في انه سيتنامى لديه الشعور بالانحياز للثقافة الغربية وبذلك تصبح ثقافته غريبة عليه وبالتالي فهو يتعايش معها كغريب عنها، بينما في المقابل لو استعرضنا النقاط المضيئة في الانفتاح الياباني والصيني على العالم سنجد انه وعلى رغم انفتاح الصين واليابان على الغرب، الا انهم حافظوا على خصوصيتهم الثقافية من خلال مناهج المدارس والجامعات والقيم الاجتماعية السائدة...

ولماذا هذا الولاء الغبي لثقافة وعقدة الاجنبي؟ ولماذا يصمت المثقفون، فالاجيال المقبلة حينما تتساءل: لن تقول لماذا اصبحت الازمنة رديئة بل لماذا صمت المثقفون والشعراء؟

- اذا اخذنا في معايشتنا الامثلة سنجد ان حكوماتنا في العالم العربي هي من أسست مثل هذا الانعقاد الاعمى لانها اعتبرت الثقافة اشبه بقطاع خاص أو عام، ودعنا نتحدث بصراحة عن الخليج. حينما باشرنا تحديد مفهوم الدولة الخليجية العصرية استعنا بالخبراء الاجانب لعدم توافر الخبراء المختصين ونظرا إلى اعتمادنا على الخبراء الاجانب في تحديد مفهوم الدولة العصرية فكان هذا الذي كان وزد على ذلك اذا اخذنا مشروعات. التنمية في مشروعات النفط والاقتصاد فحكوماتنا استعانت بالمعايير الغربية عندما اوكلت الخبرائهم ادارة هذه المشروعات. وحتى لا اطيل اقول ان الانسان عبد لما اعتاد عليه وحتى وعي الدولة لعصرية فهي تختار التجهيزات من دون النظر إلى اسعارها وعما اذا كانت متوافرة أم لا لأن من يضع مواصفاتها هو الخبير الاجنبي وعلى رغم توافر بعض العقول الا ان إلى ان استمرارية عقدة الولاء للأجنبي امتدت إلى وقت طويل وغالبيا ما يصور الخبير الاجنبي ان العقول الوطنية المؤهلة غير قادرة على ملء الفراغ وبذلك يصبح الخبير صانع قرارات لأن قرارات الوزراء غالبا ما تركز على ضرورة التقيد بما نص عليه رأي الخبير المختص.

هو يقول ودعني اقولها بصراحة فقبل وداعي لمصر العام 1974 التقيت مستشار الرئيس السادات محمود فوزي، وفي اثناء حديثي معه سألته انت كمستشار ما هو مشروعك الوطني والقومي؟

فقال: انني قد تعقدمت بمشروع طموح وبعيد المدى وقلت في مشروعي ان الاستعمار- القديم بدأ عسكريا وانتهى ثم بدأ سياسيا إذ كان السفراء يصدرون اوامرهم إلى القيادة والان نحن في عهد الاستعمار الاقتصادي فاذا سيطرت على اقتصادات اية دولة فبامكانك التحكم في قراراتها الاستراتيجية فالاستعمار بالنسبة إلى القوى دائما يتلون مع الزمن... واما الاستعمار المقبل فهو الاستعمار التكنولوجي إذ ستسيطر الدول المستعمرة عن طريق التكنولوجيا فمثلا حين يستورد الجيش اسلحة متطورة تكنولوجيا لابد انه سيحتاج إلى خبراء لتدريب الجيوش على استخدام هذه الاسلحة التكنولوجية وهؤلاء الخبراء سيصبحون ركيزة الاستعمار الجديد، وما ينسحب على هذه القطاعات يمكن ان ينسحب على الثقافة فهي المستهدفة بالذات في يومنا هذا.

ما يلحظه عن الاطلاع على الدواوين الخاصة بالشاعر تقي البحارنة ان معظم شعره يمس بعض المناسبات ولعل ما بين دفتيه من بنوراما مناسباتيه يغني قول الكثير فهل أنت شاعر مناسبات أم ان الشعر يسقط كما يسقط المطر؟

- الشعر لايسقط بل مصدره العاطفة في نفسك، مادمت تشيع هذه العاطفة وقد تكون معظم القصائد جاءت في مناسبات. لكنني لم انظمها من اجل المناسبات وانما بعدها اي بعد ان تتفاعل هذه المناسبات مع نفسي وتخلف الآثار وحتى ابيات الرثاء لم ارثي الا الشخص العزيز على نفسي الذي يثير رحيله المشاعر الفياضة في نفسي.

وما هي القصيدة القريبة إلى نفسك؟ وهل توجد هذه القصيدة أم ان القصيدة في ثقافتك قطاع خاص؟

-- الشاعر حينما ينظم قصيدة شعرية لا يتعامل معها وفق المفهوم المادي فهي كالاولاد، وقد يكون حكم القارئ افضل لأعز القصائد، وهذه القصائد هي كولدي ياسر وأيمن لكن مع هذا لدي قصيدة اعتز بها كثيرا وهي التي نظمتها في متحف الانسان في باريس العام 1997 إذ كانت الهموم الوطنية كبيرة ونتيجة قسوة هذه الهموم نظمتها من خلال ما دار من حوار مع إحدى السيدات الزائرات للمتحف وفي هذه القصيدة ستجد ما كنت اعانيه من هموم مطبوعة بين مضامين ابياتها وتحديدا حين اقول فيها:

اتيت يا سيدتي أسال عن مكان

ابحث عن عينين في دفئهما حنان

اسأل عن درب وراء الناصية

عن إذن لوشوشاني صاغيه

قالت انا اسمي نادية

عصفورة... جاءت بها للغرب ريح سارية

حطت على فرع جميل ذي قطوف دانية

حتى ذوى الغصن الرطيب وجف ماء الساقية

أجتر في هذا المكان رؤى وذكرى باقية

لا شأن لي بالناس تشرح رائحات غادية

الجميع حشد... والنفوس على هواها لاهية

بعضهم يقتل ضائعا وبعضهم يبحث عن أمان

وبعضهم ينثر حبا للعصافير التي تحوم في المكان

وبعضهم تخاله محنطا... في متحق الانسان

يعيش في الحاضر لا يعبأ بالزمان

وبعضهم فوق حصان طائش جرى بلا عنان

الكل مرتاح... فلا حرب ولا طعان

من اين أنت؟ فقلت من ارض الجياد العادية

من ضرعها شرب الخلود ودر نبع العافية

اغوارها بمناهل العسل المصفى زاهية

تشتاز منه الكاسرات عن النسور الضارية

تحمي العرين ولم تكن لسوى المنافع حامية

عصفت بقلبي الذكريات وارهقت أعصابيه

لا الدمع يسعفني ولا شعري ولا ملكاتية

ومشاعري صور والغاز رؤاها خافية

فمرة في رغبة ضاق بها الجنان

ومرة في خطبة شآبها اللسان

وفي يد طائشة تعصف بالكيان

وفي فم ألجمه عن منطق سنان

وفي ضمير مثقل لا يعرف الحنان

ومرة مثل سوال ما له بيان

قالت غريب الدار اغمض ثم ابصر ثانية

سترى الفراشة وهي تحكم بالسعادة غافية

كن مثلها سرح هموك جهرة وعلانية

رفرف باجنحة محلقة ونفس راضية

واذرع برفقتها الحقول قريبها والنائية

والزاهرات من الغصون تطل فوق الزابية

قد كنت مثلك في الشجون ففرجت اشجانيه

حاذر... فإن رمت اصطيادا... لن تراها ثانية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً