العدد 243 - الثلثاء 06 مايو 2003م الموافق 04 ربيع الاول 1424هـ

«إسرائيل» الفائز الوحيد في عملية بناء نظام جديد في «الشرق الأوسط»

سورية ستكون الدولة الأولى على القائمة الأميركية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

إن تصعيد اللهجة ضد سورية وتهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية عليها، أثارت مخاوف كبيرة في دمشق التي تحاول منذ سنتين إدخال إصلاحات اقتصادية. وفيما يبدو أن تحركا عسكريا ضد سورية غير مرجح، على الأقل في المرحلة الحالية، فإن فرض عقوبات اقتصادية قد يعرقل الجهود التي تبذلها السلطات السورية لتحديث اقتصادها. وفي الوقت ذاته، يبدو أن الدول التي كانت مؤيدة للحرب وخشيت أضرارها، تلقى دعما في وقت تشهد فيه المنطقة خلطا جديدا للأوراق.

في بداية الحرب على العراق واجتياح جنوبه، وكانت أول خطوة اتخذتها قوات التحالف، هي إغلاق خط أنابيب النفط في حقول الرميلة التي تصب في سورية. وعاد هذا الخط إلى العمل في نوفمبر/تشرين الثاني العام 2000، كانت سورية تتلقى يوميا من العراق حوالي 200 ألف برميل بسعر 14 دولارا للبرميل، ما كان يسمح لها بتحقيق ربح قدره 600 مليون دولار كل عام، نظرا إلى الفارق بين السعر الخاص وسعر برميل النفط في السوق العالمية. كما كانت سورية تصدر أو تعيد تصدير سلع مختلفة إلى العراق بقيمة حوالي 600 مليون دولار. ومع انهيار نظام صدام حسين، فقدت سورية هذه الهبة النفطية كما توقفت عمليات التصدير.

لم تؤكد سورية صحة هذه الأنباء لكنها قامت بإبلاغ زبائنها الذين يستوردون النفط منها أنه ينبغي من اليوم وحتى إشعار آخر أن يتوقعوا تراجعا في حجم الصادرات النفطية يصل حجمه إلى 40 في المئة. وهذه إشارة واضحة إلى أثر توقف ضخ النفط العراقي على حجم صادرات النفط السورية. وستزداد الصورة كآبة من وجهة النظر السورية إذا تراجع سعر النفط في القريب حين يستأنف العراق ضخ نفطه من جديد.

بهذا تبدو سورية وكأنها الدولة الأكثر تضررا في المنطقة، من الحرب التي شنتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على العراق وأطاحت بنظامه وبنيته السياسية من دون أن تكون هناك استراتيجية واضحة لمرحلة ما بعد الحرب. يضاف إلى ذلك أن سورية، خلافا لدول الخليج العربية وكذلك إيران التي باشرت تحديث اقتصادها، بقيت تعمل بنظام «الاشتراكية» وتكاد أن تكون الدولة الوحيدة في منطقة «الشرق الأوسط» التي تعمل بهذا النظام. كما لم تنته سورية بعد من اعتماد نظام مالي حديث بينما تعاني من عجز كبير في القطاع العام، كما تبلغ نسبة البطالة فيها 25 في المئة. وهذه الآفة متفشية بصورة خاصة في صفوف الشباب. ولم تفلح سورية في تنويع مصادر عائداتها التي لاتزال تعتمد على إنتاج النفط وعلى السياحة التي تضررت بصورة خاصة في السنتين الماضيتين.

ويشير الخبراء إلى أن عقوبات أميركية محتملة على سورية لن تؤثر بحد ذاتها على الوضع المالي فيها، لأن الولايات المتحدة ليست شريكا اقتصاديا مهما بالنسبة إلى سورية. والعكس كذلك ومنذ عشرين سنة لا تحصل سورية على مساعدات مالية من واشنطن. إلا أن هذه التهديدات تأتي في إطار جو سياسي واقتصادي سلبي تطغى عليه خسارة السوق العراقية. وعلى رغم الاحتياط الكبير من العملات الصعبة ومحاصيل يتوقع أن تكون استثنائية هذا العام، وقوى اقتصادية لديها مؤهلات ووسائل مالية كافية، فإن الوضع الاقتصادي السوري لايزال هشا.

أما الأردن، البلد الآخر الذي تضرر من الحرب، اذ كان يعتمد كليا على العراق للتزود بالنفط، فقد أمن احتياجاته من النفط عندما طالب السعودية ودول الخليج قبل بدء الحرب بالعمل في تزويده بالكمية التي كان يزوده بها العراق بأسعار بخسة. وفعلا وللمرة الأولى منذ نحو عشر سنوات، سلمت السعودية شحنتين من النفط الخام للأردن خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، في إطار اتفاق بين الحكومتين على توريد النفط السعودي للأردن مدة ثلاثة أشهر، بعد توقف الشحنات العراقية. ولم تعرف شروط الصفقة أو سعر النفط إلا أن واشنطن وعدت بسداد فاتورة الكميات التي ستورد من الدول الخليجية وذلك في إطار مساعدات اقتصادية وعسكرية تتجاوز مليار دولار لتعويض الآثار السلبية للحرب على اقتصاد الأردن. علما بأن مصادر إعلامية أوروبية ذكرت أن السعودية تقوم بتقديم كميات النفط من دون مقابل إلى الأردن.

إن الأردن، الذي حصل على 35 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي مساعدة طارئة بهدف تخفيف الانعكاسات الاقتصادية للحرب، بحث مع «إسرائيل» إمكانات تشغيل خط أنابيب نفط، يمتد من العراق إلى «إسرائيل» عبر الأردن، اغلق في العام 1948 أي قبل 55 عاما، مباشرة بعد إعلان قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين. وكان هذا الخط ينقل النفط العراقي من الموصل إلى ميناء حيفا أثناء الانتداب البريطاني. وفتح هذا الخط سيفيد الاقتصاد الإسرائيلي من خلال خفض كلف استيراد النفط التي تتكبدها «إسرائيل» بنحو 25 في المئة. إلا أن ضخ النفط العراقي لـ «اسرائيل» يعتمد إلى حد كبير على نوع الحكومة التي ستتولى السلطة في بغداد. وتمت مباحثات بالخصوص في واشنطن ولندن بين مسئولين أميركيين وممثلي المجلس الوطني العراقي المعارض الذي يتزعمه أحمد الجلبي، الرجل المثير للجدل بسبب ماضيه، وقد عرض الجانب الأميركي مصلحة «إسرائيل» وأيدها. وفي حال أعلن قيام علاقات دبلوماسية بين العراق، تحت ضغط الولايات المتحدة، و«إسرائيل»، فإن الدولة العبرية تكون من أبرز المستفيدين من الحرب سياسيا واقتصاديا بينما البلدان العربية المجاورة ومنها لبنان أيضا الذي كان قبل حرب الخليج الثانية شريكا تجاريا مهما للعراق والعكس، في صف الخاسرين.

وعلى رغم محاولات التعويض عن الانعكاسات السلبية للحرب بالنسبة إلى الأردن، فإن العلاقات التجارية الوثيقة التي كانت قائمة بين البلدين منذ عقود، لا يمكن التعويض عنها بسرعة وسهولة. أما بالنسبة الى سورية، فإن الولايات المتحدة، بتحريض من «إسرائيل»، عازمة على استخدام الحوار الحازم مع النظام ومحاسبته على موقف بلاده المناهض للحل المطروح للقضية الفلسطينية الذي يعرف باسم (خريطة الطريق) ولم تنس واشنطن بعد موقف سورية من الحرب حين كانت تتمنى أن تسقط أميركا في المستنقع وتتكبد خسائر كبيرة في الأرواح.

كانت تقارير نشرت في أوروبا الغربية عقب التصريحات الاستفزازية التي صدرت عن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد حين اتهم سورية بحيازة «أسلحة الدمار الشامل» العراقية ثم أضاف بالزعم أن سورية ساعدت مجموعة من قادة العراق في اللجوء الى اراضيها، ذكرت أن واشنطن نصحت شركاءها بعدم الموافقة على حصول سورية على قروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ويقول محللون ان واشنطن ستتفرغ لسورية بعد أن يجري تشكيل حكومة مناوئة لها في العراق ولن يظل مكان العراق في قائمة الدول المارقة شاغرا لفترة طويلة، وسورية البلد المرشح ليحل مكان العراق ضمن الأهداف الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية في منطقة «الشرق الأوسط». ففي خطة واشنطن لبناء نظام جديد في المنطقة العربية، ليس هناك مكان لأنظمة تستخدم لهجة حادة ضد القوة العظمى الوحيدة في العالم

العدد 243 - الثلثاء 06 مايو 2003م الموافق 04 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً