ان العاطفة وحدها لا يمكن ان تنشىء جيلا سويا من دون أمراض نفسية أو جسدية، وخصوصا اذا انقادت الأم لها وجعلتها تتحكم في توجيه مسارها التربوي وتسيطر على تصرفاتها وإدارتها لشئون أبنائها مع إلغاء دور العقل والحكمة والتفكير الموجه السليم، فيما تسمع وترى. سيدتي ان أي داء مهما كان خطيرا اذا عولج منذ بداياته فإن نسبة الشفاء التام منه كبيرة جدا ما بالك وطفلك المدلل الصغير يعاني من داء قد يكون نفسيا وعليك وحدك تحديد نسبة الشفاء التام منه قبل ان يزمن ويستشرى وتصبح فرصة الشفاء مستحيلة.
قد تفاجأ أي أم يوما بمن يخبرها ان ابنها سرق فتضطرب وتغضب وتثور وترفض وتتهم الآخرين بالنيل من كرامة ابنها لالحاق الضرر به بدافع غيرتهم منها ومن ابنائها ويتحول الناصح الى فاضح والصديق إلى عدو، وتتأزم الأمور بين الطرفين... وبعد كل هذا تصم اذنيها وتلتزم الصمت وتهمل المعالجة بحجة انها لا تصدق على ابنها، وان هذا مستحيل، بل قد تتجاوز ذلك الى مرافقته الى اي مكان ترفيهي ناصحة اياه بالابتعاد عن هذا الصديق الذي اتهمه بالسرقة. معذرة سيدتي الأم ان رفضك التسليم بالأمر، وعدم اكتراثك بالشكوى وإن تكررت من الاصدقاء والأهل والجيران وتنزيه ابنك عن هذا الفعل مع عدم مناقشته... ثم صيحتك المدافعة الغاضبة واصرارك على ان ما يفعله مجرد شقاوة ولعب لعدم حاجته إلى فعل كهذا مع توافر الالعاب والنقود وما شابه لديه وبكثرة فيخرس بذلك الآخرون وينسحب الناصحون والنتيجة ان الطفل يتمادى وتمتد شقاوته - على حد تعبيرك - إلى ما هو ابعد من ذلك، وانت مازلت تحت سيطرة عاطفتك الرافضة للاعتراف والاذعان لما هو أمر واقع وبالتالي يتجاوز الطفل محيطه الصغير الى محيط أوسع وأشمل. وهنا يكمن الخطر التربوي الحقيقي.. سيدتي كان عليك ان تحكمي عقلك وتتفهمي الامر بانه مشكلة تربوية عارضة وتحاولي معرفة دوافع طفلك واسباب تماديه فيما اقدم عليه من سرقات لألعاب أخوته ثم اصدقائه ثم جيرانه وهكذا في كل مرة تكبر اللعبة وتتسع الدائرة وتصبح اخطر... فقد تكون الاسباب مادية كأن تعرضيه لحرمان طويل من المصروف او من الالعاب إلى غير ذلك ثم ان الضغوط التي يواجهها في البيت وعدم تمكنه من الاستمتاع بلعبه بحجة اتلافها وهي غالية الثمن في وقت يرى صديقه يتمتع ويلعب بما لديه من ألعاب.. فهل نتوقع منه ان يقف متفرجا محروما مقهورا.. لا، طبعا سيختلس ليتساوى مع صديقه والمحاورة التربوية في هذه الحالة انسب الطرق لتعرفي مدى ما يعانيه ابنك من مرارة الحرمان مما يجب ان يقتنيه فاذا كان بإمكانك توفيره له «وليس كل ما يطلبه الطفل عليك توفيره اذا تجاوز حدود امكاناتك» وهنا يبرز دورك التربوي في قدرتك على اقناع طفلك بقبول ما لديه وعدم التجاوز بالنظر إلى ما يملك غيره وان السعادة من القناعة... الخ.
ولا يفوتك سيدتي ان الغيرة البغيضة تلعب دورا مهما في ادمان الطفل على السرقة وخصوصا اذا تولد لديه شعور بأن فلانا افضل منه وهو محبوب أكثر منه وله اصدقاء كثيرون فيعمد الى السرقة، ومن ثم يوزع مسروقاته على الاصدقاء ليكسب حبهم واحترامهم كغيره ثم وان الحرمان العاطفي الذي يعاني منه الطفل بفراق انسان عزيز لديه قد يدفعه إلى سلوك كهذا فاذا كان الطفل لا يعي ولا يدرك ما يفعل فدورك يتركز باعتبارك أما مرشدة ناصحة على توضيح الخلل ودفعه إلى التراجع عما يفعل. اما اذا كان يتعمد ويدرك ما يقوم به حتى بعد تعرضه للعقاب، فإن هذا يشكل خطرا كبيرا في حياته. فالصراع بينه وبين ضميره وقيمه وبين رغبته الملحة فيما يقدم عليه من سرقات، قد يعرضه لأمراض نفسية أكثر خطورة وإيلاما في حياته والسبب الرئيسي فيما وصل إليه حبك وعاطفتك الرافضة للغلطة الاولى...
فكبر الداء وتلاشت فرصة الشفاء
العدد 243 - الثلثاء 06 مايو 2003م الموافق 04 ربيع الاول 1424هـ