بات من الواضح ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، أو «نفوذ أبوعمار» أو ما تبقى من صلاحياته، محور تحرك إسرائيلي أميركي، يستهدف إتمام مراسيم ما تصفه الدولتان الحليفتان بأنه «غير ذي صلة» وعلى رغم التباين الملموس بين «الأجندة» الأميركية لتطبيق «خريطة الطريق» الهادفة إلى حل النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وإعلان الدولة الفلسطينية في العام 2005، والمشروع الإسرائيلي الذي يعمل بطريقة «التفافية» للإطاحة بالخريطة والطريق إلى السلام على حد سواء... فإن القاسم المشترك الآن هو الإيحاء بأن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات يعرقل جهود رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) ويقف حجر عثرة في وجه أية خطوة ليتسلم زمام أمور الفلسطينيين. مع ان الأخير أي أبومازن لم يسلم أيضا من بداية تشكيك إسرائيلي بقدراته. وفي هذا السياق كتب ألوف بن في «هآرتس»، أنه في الوقت الذي يطالب فيه أبومازن بالانسحاب وتجميد المستوطنات تطالب «إسرائيل» بمواجهة عنيفة بين أبومازن ومحمد دحلان من جهة، و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«كتائب شهداء الأقصى» من جهة ثانية. وأوضح أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي منح أبومازن علامة أقل من كاف. لكن من الواضح على الأقل على المستوى الإسرائيلي، ان حملة إسرائيلية يقودها معسكر اليمين الإسرائيلي لإحباط أي تقدم في «خريطة الطريق» بإنشاء مجموعة ضغط أطلق عليها «لوبي يشع» (لوبي الضفة الغربية) لمنع رئيس الوزراء آرييل شارون من السير بالخطة. وانضم حتى الآن إلى هذا اللوبي 22 عضوا في الكنيست، ويتوقع مؤسسه النائب الليكودي يحيئيل حزان انضمام ثلث الأعضاء مع بداية الدورة الصيفية للكنيست. وقال ان «خريطة الطريق بصيغتها الحالية غير مقبولة وإذا نفذت فسيكون ذلك بمثابة خراب دولة إسرائيل». وأضاف: «هناك جهل كبير لدى أعضاء الكنيست والجمهور عموما بكل ما يتعلق بمكانة الضفة الغربية. ان هدف إقامة اللوبي هو تزويد أعضاء الكنيست أدوات دعائية كي يدركوا ان كل ما نقوم به في الضفة الغربية هو قانوني». وقدم عضو اللوبي النائب الليكودي جلعاد أردان مشروع اقتراح إلى الكنيست لإجراء «استفتاء شعبي على خريطة الطريق أو على الحل الدائم مع السلطة الفلسطينية». علما ان مبعوثا شخصيا للرئيس الأميركي جورج بوش، وهو إليوت أبرامز كان قد وصل إلى «إسرائيل» سرا لطمأنتها إلى عدم وجود نية لممارسة أي ضغوط عليها. ومن المقرر أن يصل غدا أو بعد غد مساعد وزير الخارجية الأميركية لشئون الشرق الأوسط، وليام بيرنز. وتعمل «إسرائيل» عبر اللوبي الصهيوني وكثير من المراكز ذات النفوذ لإحباط أي محاولة للضغط عليها من جانب إدارة بوش. وبعد دخول وزير الخارجية الأميركي كولن باول إلى رام الله وتل أبيب سيتوجه مدير عام ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية دوف فانسغيلاس إلى واشنطن للبحث في مطالب «إسرائيل» بتعديل خريطة الطريق.
في أي حال، اللافت في قضية إلغاء أو شطب «أبوعمار» من المفكرة الفلسطينية حاليا هو ما يصدر عن مراكز دراسات وأبحاث أميركية، وما يعلنه دبلوماسيون، ففي تقرير أميركي عن مداولات في لقاء سياسي جرى في معهد واشنطن يؤكد على دور لأبومازن وضرورة كف يد عرفات، عرض موقف للسفير الأميركي دنيس روس، والمنسق الأميركي الخاص في الشرق الأوسط لمسيرة السلام السابق ديفيد ماكوفسكي.
فقال ماكوفسكي، ان رئيس الوزراء الفلسطيني أبومازن، هو شخص معتدل في السياسة الفلسطينية وهو بعيد عن سياسة الازدواجية والعناد التي كان ينتهجها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وأضاف انه على رغم ان نوايا أبومازن واضحة فإن الطريق لتحقيق أهدافه ليست واضحة أبدا. معتبرا ان الرئيس عرفات، هو عقبة في وجه أبومازن. وهو إذ ما زال يملك أوراقا كثيرة في يده فقد يحاول تقويض مهمة أبومازن، عبر إظهاره كما لو انه ألعوبة في يد الأميركيين والإسرائيليين. ورأى ماكوفسكي، ان على الدول العربية والأوروبية، أن تسعى إلى تقليص قدرة عرفات، على التأثير على أبومازن. موضحا انه لابد من أن يكون أبومازن الناطق الرسمي الفلسطيني. مضيفا ان على القادة الأوروبيين أن يعوا ان نجاح أبومازن في مهماته، ليس أمرا بسيطا بل ان هذا الأمر يؤثر على الشرعية الدولية بأسرها. وختم بالقول انه في حال فشل العرب والأوروبيون في الابتعاد عن عرفات، فمن المرجح أن يجد أبو مازن، نفسه في موقف ضعيف، وسيظهر كما لو انه أداة في يد الأميركيين والإسرائيليين.
أما روس، فقد رأى ان أمام أبو مازن تحديين رئيسيين. موضحا انه سيضطر إلى إزاحة عرفات، ومواجهة المتطرفين في الوقت عينه. وأضاف ان على الفلسطينيين أن يفهموا انهم لن يحصلوا على دولة إذا استمر العنف. لكن روس، شدد على انه أيا كانت المستجدات فثمة مجال للتفاؤل. معتبرا ان على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء أن يسعوا إلى إنهاء الحرب كما ان عليهم أن يعرفوا انه على رغم ان إنشاء منصب رئاسة الوزراء الفلسطينيين قد حصل بضغط خارجي فإن الإصلاحات قد حصلت من داخل السلطة الفلسطينية. وختم بالقول ان أمام الولايات المتحدة دورا رئيسيا لتلعبه في الأشهر المقبلة. مضيفا انه على رغم ان «خريطة الطريق» هي خطوة مهمة لإعادة إحياء الحوار الفلسطيني الإسرائيلي فإنها ليست بديلا عن المفاوضات المباشرة. واعتبر انه بمقدور الولايات المتحدة، أن تشجع الفلسطينيين والإسرائيليين على التوصل إلى تطبيق المبادئ التي تنص عليها خريطة الطريق، كما انه بمقدورها أن تحاسب الطرفين، في حال تخلفا عن تنفيذ التزاماتهما.
واللافت في سياق الموقف من الرئيس الفلسطيني، ان الرئيس المصري حسني مبارك، قد اعتبر ان من يتجاهل عرفات مخطئ. وقال في تصريحات نقلتها وكالة «أنباء الشرق الأوسط» المصرية انه «من الخطأ الشديد مساندة الدعوة إلى عدم الاتصال أو اللقاء بأبوعمار، فياسر عرفات هو زعيم الفلسطينيين وهو أبو منظمة فتح وله مكانته بين الشعب الفلسطيني. ولذلك فمن يريد ان يفشل الجهود الرامية إلى حل المشكلة عليه أن يبعد أبو عمار عن القضية وإنني على اقتناع بأن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل أبوعمار ويخطئ من يفعل ذلك».
وسئل هل تغير زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لواشنطن في تنفيذ «خريطة الطريق»، فأجاب: «أرى انه لا يجب التعجل من جانب رئيس الوزراء الفلسطيني في زيارة الولايات المتحدة حتى لا يحرق أوراقه. وعليه أن يثبت قواعده في الداخل أولا ويكسب ثقة شعبه ثم بعد ذلك يبدأ تحركه»
العدد 243 - الثلثاء 06 مايو 2003م الموافق 04 ربيع الاول 1424هـ