الحديث الذي يتكرر على ألسنة البعض بأن هناك مطالب اخرى لأعضاء البرلمان للحصول على علاوات ومزايا تفوق ما لديهم الآن (يحصلون حاليا على اكثر من ثلاثة آلاف دينار) أمر يثير التساؤل بشأن مفهوم العمل النيابي لدى البعض.
إن العالم انتقل من الفترة التي كان يحكمها الارستقراطيون إلى حكم يسيطر عليه ممثلو الشعب بغض النظر عما يحصلون عيه من اموال. بل إن رئيس وزراء ووزراء الدول المتقدمة يحصلون على اقل من موظفين لديهم، واعضاء المجالس المنتخبة لديهم معاشات ولكنها بصورة معتدلة تعادل الطبقة المتوسطة.
فوق هذا وذاك فإن دور النواب (وخصوصا المنتخبين منهم) هو محاسبة الوزراء وغيرهم، ولكن قبل ان يحاسبوا غيرهم عليهم محاسبة انفسهم.
وهناك ضوابط مهمة تحدد أمانة ونزاهة الاشخاص القائمين على مثل هذه الاعمال. فهم يجب ألا يجعلوا هدفهم التحصيل المادي المرتفع فوق مستوى معتدل، لان تحمّل المسئولية واجب وطني وليس شرفا وترفا وثروة. ولذلك فإن هناك عدة ضوابط لمن يقوم بمسئوليات عامة او يحاسب الآخرين. ومن هذه الضوابط ما يلي:
المبدأ الأول: هو انعدام المصلحة الشخصية، بمعنى ان الذي يتسلّم مسئولية عامة عليه ان يتخذ قرارات من اجل خدمة المجتمع وليس ذاته او اقاربه او اتباعه. ودليل ذلك ألا يستلم اي ربح مادي من اي قرار او نشاط يقوم به شخصيا.
والمبدأ الثاني: الاستقامة، بمعنى ألا يجعل الشخص نفسه عرضة لضغوط مادية من شخصيات وجماعات من شأنها أن تؤثر على قراراته ونشاطاته اثناء تأدية واجبه العام.
والمبدأ الثالث: الموضوعية، وهي التزام المسئول او عضو البرلمان اثناء قيامه بالتعيين او منح الصفقات لاشخاص ومنظمات بالخصائص والميزات المحايدة والموضوعية من دون أي اعتبار لمحسوبية او منسوبية.
والمبدأ الرابع: المحاسبة، وهذا يعني ان اي نشاط او قرار يقوم به المسئول او عضو البرلمان لابد وان يوثق بطريقة سليمة ويكون جاهزا للتدقيق والمحاسبة والمساءلة الدستورية.
والمبدأ الخامس: الانفتاح والشفافية، بمعنى ان على المسئول او عضو البرلمان ان يكون مستعدا لتوضيح الاسباب وتوفير المعلومات الكافية لتفسير خلفية القرار والنشاط وتبرير القيام به.
والمبدأ السادس: هو الامانة، ودليل ذلك قيام المسئول او عضو البرلمان بتمحيص قراراته وانشطته، وإبعادها عن مصالحه الخاصة عندما تتعارض مهماته العامة مع حياته الشخصية.
والمبدأ السابع: هو القيادة وتقديم المثال الحي من خلال ممارسة جميع الانشطة بريادية والتزام ذاتي واضح بالمبادئ المذكورة.
هذا الحديث ليس خاصا بمجتمع دون آخر، فالنوعية الانسانية هي ذاتها متوافرة في كل زمان ومكان. ويعتمد النشاط العام على الثقافة المتداولة والمسموح بها، والممارسة عمليا. وفوق ذلك الاستمرار في المحاسبة والصرامة تجاه الفساد الذي يحاول ان يدخل النفس البشرية متى ما تمكن من ذلك. إن أية دولة حديثة تعتمد على موظفين في الخدمة المدنية لتسيير شئون المجتمع. وهذه الخدمة المدنية تحميها الخدمة العسكرية التي توفر الأمن لحدود الدولة. وهناك جزء من الخدمة المدنية يتعلق برعاية الأمن الداخلي، ويعتمد على الاجهزة شبه العسكرية والسرية.
وفي المجتمعات المتحضرة انسانيا تكون جميع الخدمات المدنية والعسكرية وشبه العسكرية والسرية تحت إشراف نواب الشعب وتحت مسئولية الخاضعين للمحاسبة الشعبية والانتخاب الحر القائم على اساس دستوري. وعلى هذا الاساس فإن النواب الذين يعتمد عليهم الشعب في محاسبة المسئولين في الخدمات التابعة للدولة عليهم اولا ان يكونو قدوة حسنة لغيرهم وعليهم ألا ينشروا انطباعا عنهم يوحي بأنهم يلهثون وراء المال والمزايا التي لا تقدمهم نحو هدفهم الاسمى وهو مراقبة السلطة التنفيذية وسن القوانين لخدمة الصالح العام. فعليهم ان يحاسبوا انفسهم اولا قبل ان يحاسبوا غيرهم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 243 - الثلثاء 06 مايو 2003م الموافق 04 ربيع الاول 1424هـ