خلال ثمانينات القرن الماضي فُرِضت نزاعات عنفية بين جماعة الكونترا في نيكاراغوا وجماعات الساندينيستا على ضمير المجتمع الدولي وحفّزت منظمة الصحة عبر أميركا والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، للقيام بمبادرة «الصحة كجسر للسلام»، وهي خطة موجهة نحو توفير الرعاية الصحية لشعوب تعيش في مناطق مزقتها الحروب في أميركا اللاتينية.
ونتج عن عملها ما يسمى «أيام السكينة» في السلفادور والبيرو، التي تم خلالها تطعيم آلاف الأطفال ضد الشلل والدفتيريا والسعال الديكي والكزاز والحصبة.
والملفت للنظر أن نشاطات منظمة الصحة عبر أميركا حصلت على دعم المسئولين في كل من الحكومتين وقوات المتمردين. شكّل القلق على الوضع الصحي أرضية مشتركة.
استُخدِم التوجه نفسه فيما بعد في مناطق أخرى من العالم. أوجدت جمعية الأطباء الإسرائيليين الفلسطينيين من أجل حقوق الإنسان منذ تأسيسها صندوقين للتعامل مع الإهمال الطبي الذي أصبح عاديا في أوساط الفلسطينيين والعاملين المهاجرين الأطفال، هما صندوق الرعاية الطبية للأطفال الفلسطينيين والصندوق الطبي لأطفال العاملين الأجانب. وتُجري المنظمة كذلك نشاطات تدريبية للمهنيين الفلسطينيين في مجال الصحة، وأصبحت مدافعا رئيسيا عن الصحة وحقوق الإنسان في المنطقة.
بدأت الكثير من المجموعات الصحية تطوير وتوفير الخدمات الصحية للشعب الفلسطيني في السنوات التي تلت توقيع اسحق رابين وياسر عرفات معاهدات أوسلو العام 1993.
وفي العام 1995 دعا ملك الأردن الراحل الحسين مسئولين من برنامج كندا للتبادل العلمي الدولي لإجراء سلسلة من النشاطات لرعاية تعاون أفضل بين الأطباء العرب والإسرائيليين.
شكّلت نسبة فقدان حاسة السمع المشتركة بين الأردنيين والإسرائيليين أساس مشروع لتوفير فحوصات سمعية للأطفال الرضع، إذ تم حتى الآن فحص وإعادة تأهيل أكثر من 145،000 طفل. وتوسع البرنامج الآن لتشجيع الرعاية الصحية للشباب والتغذية الإنجابية وإدارة الأمراض السارية.
نتيجة لذلك تتمتع كندا والأردن و»إسرائيل» بنسبة جيدة من النشاط العلمي، وقد عمل الإسرائيليون والفلسطينيون معا على إصدار منشورات وتنظيم حلقات دراسية علمية.
وفي ديسمبر/ كانون الأول العام 2004 تم إصدار النسخة الأولى من «الجسور» (Bridges) برعاية منظمة الصحة العالمية. تنشر المجلة مقالات كتبها خبراء إسرائيليون وفلسطينيون في مجال الصحة تشكّل نماذجا للنجاح في بناء جسور التفاهم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. هذه مجرد أمثلة بسيطة عما كان حتى الآن تعاونا نشطا وملهما جدا بين العاملين في مجال الصحة من الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلى رغم قيمتها الواضحة فإن هذه النشاطات ليست مدعومة عالميا. في العام 2005 عارضت مجموعات طبية متنوعة ومهنيون يعملون في مجال الخدمات الطبية في المناطق الفلسطينية المحتلة ما يعتبرونه ضغطا لم يحن موعده بعد للدخول في تعاون فلسطيني إسرائيلي في مجال الرعاية الصحية.
وبحسب الذين رفضوا الاشتراك، هناك أجندة سياسية وراء «الخطة» لفرض التعاون على الإسرائيليين والفلسطينيين، إضافة إلى ذلك فهم لا يؤمنون أن التعاون المهني والأكاديمي يمكنه أن يساهم بحق في التسوية «إذ لم يتم تحقيق العدالة للفلسطينيين».
وعلى رغم وجود بعض الصدق في هذا الموقف، فإن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن يتحقق بين ليلة وضحاها.
لا يمكن للمصالحة بين الشعبين أن تتم إلا من خلال توجه تدريجي.
هل هناك أسلوب أفضل لبناء السلام بين العرب والإسرائيليين من الشهادة الحية لآلاف النساء والرجال والأطفال؟
بناء جسور الصحة هو أفضل لقاح ضد الحرب في أية منطقة يسودها انعدام الثقة والعنف.
*مستشار دولي في الصحة العامة على الصعيد العالمي، وفائز مشارك بجائزة نادي الصحافة عبر البحار لأميركا عن مقال عن حقوق الإنسان، وهو كذلك المراسل الخارجي لصحيفة «الميدل إيست تايمز» الدولية (أستراليا)، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ