في هذه الليلة نؤبّن علما من أعلام البحرين، ورمزا بارزا من رموزها، طويت صفحته الناصعة ووفد على ربه كريما، في وقت عصيب تحتاج الأمة إلى مثله. ألا وهو العلامة الشيخ سليمان المدني (طاب ثراه).
وبهذه المناسبة الحزينة يبرز أمامنا سؤال جاد ومتشعب: ما الذي ننشده ونتوخاه من هذا التأبين؟ وماذا يستفيد فقيدنا من هذا الاجتماع؟ هل نهدف من هذا التجمع الحاشد إلى سرد مناقبه وتعداد مزاياه فحسب؟ أم نهدف إلى ما هو أكبر من ذلك وأكثر جدوى، وهو السير على نهجه واقتفاء أثره في الدعوة إلى الله والحث على لمّ الصف المؤمن لمواجهة التحديات التي تحاصر الأمة من داخلها وخارجها ومن جميع جوانبها، مستهدفة إذابتها وإبادتها والقضاء على دينها ومعتقداتها ومقدساتها؟
أجل، إننا لكي ندخل السرور على روح فقيدنا العزيز، يجب علينا أن نكون دعاة عاملين مخلصين من أجل الوئام، حتى نعيد إلى هذا البلد تاريخه الناصع، حين كنا أسرة واحدة قائمة على دعائم من المحبة والإخاء والتشاور في الأمور كافة، وحل المشكلات انطلاقا من الروح الإسلامية الحقة التي يغبطنا عليها الآخرون.
هكذا مضت السنون ونحن متمسكون بهذا النهج العملي القويم، هكذا كنا طيلة تاريخنا السالف، حتى جاءت سنوات عشر عجاف، سلبت منا ذلك الشعور الأخوي والتماسك المجتمعي، فأصبحنا مجتمعا آخر، يعاني من التمزق والفرقة والاختلاف بين الأخ وأخيه، والأب وبنيه، وبين أفراد البيت الواحد، وصرنا بين مشرق ومغرب، تتقاذفنا الأمواج من كل جانب، حتى تقطعت الأرحام وانفصمت العلاقات بشكل رهيب، على رغم الجهود المشكورة التي بذلها شيخنا الراحل (طيب الله ثراه)، وغيره من العلماء والخطباء والمفكرين والمثقفين، هذه الجهود التي تصب في تفعيل وتجسيد الاخوة الصادقة والوحدة القائمة على الدين والخلق الأصيل والإنسانية الواسعة الشاملة.
إنه ليحز في نفس كل غيور أن يرى هذا كله من دون أن يحرك ساكنا ليغير الواقع المرير الذي نعيشه، انطلاقا من تغيير ما في داخلنا، كما صرح بذلك قرآننا العظيم في قوله تعالى: «إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم» (الرعد، 11).
إن جروح الماضي مازالت تنزف، وتلقي بظلالها على الجو العام لمحيطنا الداخلي، وهذه الجروح تحتاج إلى أكثر من طبيب حاذق كي تلتئم ويستعيد جسم مجتمعنا عافيته، ويسترجع بسمته وسعادته.
فليكن كل واحد منا ذلك الطبيب، بحسب إمكاناته واستعداداته وموقعه الاجتماعي، وإن كان المطلوب من قادتنا الدينيين والاجتماعيين أكثر مما هو مطلوب من غيرهم، فكلنا مسئولون عن عملية الترميم والبناء، وكلنا مكلفون بدور التصحيح، فلنصلح ـ أيها الاخوة المؤمنون ـ بعض ما أفسده الدهر، خدمة لديننا ومجتمعنا وأمتنا.
وإنني من هذا المنبر المبارك أجدد وأكرر دعوتي إلى الوئام، مناشدا المخلصين كافة داخل جدحفص وخارجها، أن يبذلوا ما في وسعهم لمعالجة هذا العضو العزيز، لكي يتمكن من الالتحام بجسم الأمة قويا معافى، وليس هذا بالأمر المستحيل، وخصوصا إذا صدقت النوايا وتصافت النفوس، وخلص العمل لله تعالى.
بهذا نكون قد اقتفينا أثر فقيدنا المبجل، وأدخلنا السعادة على روحه الزكية
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 242 - الإثنين 05 مايو 2003م الموافق 03 ربيع الاول 1424هـ