كثير من التنظيرات المطروحة على مستوى الحكومة والجمعيات الأهلية تتحرك وكأنما لا توجد امرأة. الحلول المطروحة لمشكلات الاقتصاد والاجتماع والثقافة والسياسة تتحرك وكأنما المستهدف هو الرجل بالأساس. والمرأة يستفاد منها في الحشد للتصويت مثلا، او في الاستعراضات والشعارات. لكن مازالت المرأة على أرض الواقع لا تعتبر محورا لما يطبخ من قرارات على مختلف المستويات.
غير أن الأمور تتغير على الأرض فبعيدا عن اي من تلك النظرات فإن البنات اكثر من الأولاد في الجامعات، والتحصيل العلمي للبنات يتفوق عادة على الأولاد، وسرعان ما ستتكون لدينا طبقة نسائية متعلمة اكثر من الرجل.
فمع ازدياد نسبة البنات على الأولاد في مجالات التعليم ومع ازدياد تفوقهن بدأت بالفعل ظواهر يقبلها المجتمع، فهناك الآن المرأة التي تحصل على معاش اكثر من زوجها، والزوجان يقبلان بذلك ولا يؤثر على علاقاتهما. وهناك المرأة التي تقود العمل التجاري او الاداري، وهناك أخيرا دخول المرأة، ولأول مرة في تاريخ القرى، ادارة نادي السنابس بعد ان تغير اسمه الى مركز شبابي ثقافي.
على أن المرأة، ومع كل ما حققت، فشلت في الوصول إلى البلدية او البرلمان عبر الانتخاب. وهذا ربما يعود إلى ان التوجه السياسي للمرأة ليس نسويا بالاساس، بمعنى ان المرأة لا تتحرك في الانتخابات على اساس التصويت للمرأة، وانما تتحرك على اساس اعتبارات اخرى مازالت هي الغالبة في المعادلة السياسية والاجتماعية. غير أن الجمعيات السياسية الاسلامية افتقدت وجود عناصر نسوية قيادية على رغم ان اصوات النساء في الانتخابات البحرينية وغير البحرينية تمثل احد اهم مخزون من الدعم الجماهيري الذي تمتلكه الحركات الاسلامية.
المرأة امامها حواجز كثيرة فيما لو ارادت العمل في الدائرة العامة. فالرجل يمكنه الذهاب إلى المسجد والنادي للخطابة أمام الجمهور ويمكنه ان يطرق الابواب ويدخل المجالس للتحدث الى من أراد، وهذا كله ليس متوافرا للمرأة في مجتمعاتنا العربية والاسلامية.
ولكن هذا الدور يمكن تنظيمه بصورة افضل لو وجدت الارادة الواضحة. فالعمل التنظيمي أساسا يتمحور حول تنظيم الصفوف خلف أحد الاشخاص الذي سيتم طرحه للانتخابات. وبالتالي فإن العمل المنظم يتكفل باجراءات مناسبة لعرض الشخص الذي يتم تقديمه للشعب، وقد يتطلب الأمر بعض الابداعات التي تتلاءم مع المجتمع، ولكن الأمر ليس مستحيلا.
التوجه الاسلامي عادة ينظر إلى المرأة في دائرة العائلة، وليس في دائرة المجتمع، وربما هذا صحيح بصورة عامة إلا ان التوجهات المعاصرة تدعو الى اشراك المرأة التي استطاعت -من خلال قدراتها - الوصول الى أعلى المستويات في مجتمعات أخرى.
ولعل احدى المظاهر التي هزت المجتمع الخليجي في العام 1990 و1991 وتم في الشهر الماضي هي رؤية الجنديات الأميركيات يقاتلن جنبا إلى جنب في حروب شرسة يتعرض فيها المقاتل الى الجرح او القتل أو الأسر. والمرأة الأميركية، التي تأتي الى الخليج بسلاحها وعتادها وتسوق السيارة وتركب الطائرة المقاتلة والمروحية والدبابة وتقوم بالأعمال التي اعتدنا على اعتبارها أعمالا رجالية فقط، خلقت ومازالت احدى الهزات داخل الأوساط الاسلامية والعربية التي لاتزال تتحاور فيما بينها في دور المرأة في الحياة العامة.
والدعوة ليست لتقليد الاميركان او غير الأميركان، ولكن الدعوة هي للاعتراف بما يحصل على الارض من وجود نسوي قوي في ساحات العمل والجامعات وغيرها، وان هؤلاء اصبحن قوة لا يستهان بها ولا يمكن الاستمرار في التعامل معها كأنها غير موجودة، او ان وجودها فقط لمساندة دور الرجل.
ومن الظواهر الجديدة في المجتمع هي اشهار جمعيات نسائية بحرينية، اذ لدينا اكثر من عشر، وهذه الجمعيات في ازدياد. ولكن نظرة متفحصة لهذه الجمعيات تبين ان اكثر الجمعيات النسوية انما هي فروع لجمعيات سياسية، وكأنما هناك من يود القول إن الجمعية السياسية هي للرجال بينما النساء تخصص لهن مساحة باسم جمعية نسائية. ولذا فإن الامور متضاربة. فما فائدة وجود لجنة نسائية في هذه الجمعية او تلك اذا كانت لدى الجمعية السياسية جمعية نسائية تسير على الخط نفسه وتتبع السياسات نفسها؟ ثم ما هو الدور المناط بهذه الجمعية النسائية؟ وكيف يختلف عن الجمعية النسائية الأخرى؟
حاليا قد لا تبدو الحاجة الى وجود جمعيات نسائية متخصصة اذا كان وجودها مجرد فرع لجمعية سياسية، لانها لن تخدم القضية النسائية بالاساس بل انها ستحشد طاقاتها لمناصرة الجمعية السياسية فيما يخص الشأن العام، وبما ان الجمعية السياسية تتصدر الساحة فإن المرأة تبقى في الخلف لانها مشغولة بالفرع (الجمعية النسائية) التي لا يربطها الكثير بجمعية نسائية اخرى، لان تلك ايضا فرع لجمعية سياسية تعمل في اتجاه آخر.
وعلى هذا الاساس فإن القوة المتزايدة لدى المرأة البحرينية ستبقى كامنة وغير متساوية لدور الرجل مادامت المرأة ذاتها وافقت على ان تلعب دور «الفرع» للجمعية السياسية ومادامت الجمعية السياسية هي ميدان الرجل بصورة اساسية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 242 - الإثنين 05 مايو 2003م الموافق 03 ربيع الاول 1424هـ