العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ

مأزومية الآخر

الأحساء - أمين الغافلي 

تحديث: 12 مايو 2017

على عكس ما توصل إليه جورج طرابيشي من اعتبار أن الحركة السلفية الإسلامية تعتقد بمأزومية العالم، يرى رضوان السيد، وحيدر إبراهيم أن فكر الحركة السلفية الإسلامية فكر مأزوم، فما المعيار الذي استند إليه كل باحث لاستنباط تلك النتيجة؟

لعل منهجية قراءة المشهد السياسي والثقافي وأدبيات الحركة السلفية الإسلامية حتمت تباين وجهة نظر الباحثين وهذا شيء طبيعي، فطرابيشي يرى أن الحركة السلفية وبسبب حال الطمأنينة الأيديولوجية الكاملة التي تعيشها أيقنت بفساد العالم وتخبطه، فساد العالم وغيه أوقعه في أزمة، لذلك فهي - أي الحركة السلفية - غير مضطره إلى مسايرته.

ويرى السيد ان مأزومية الفكر السلفي مردها إلى الطابع التحشيدي الذي ينتهجه الفكر السلفي، هذا الطابع التحشيدي المرتكز على الايديولوجية أكثر منه مرتكزا على العقل والعلم عرفه الجانبان السياسي والاجتماعي. هذان الجانبان لشدة التصاقهما بالواقع المعاش يسعى الفكر السلفي إلى تفكيكهما وإعادة صوغها من جديد وفق رؤيته الدينية الايديولوجية. وأخيرا يرجع ابراهيم سبب مأزومية الفكر السلفي إلى محاولة ذلك الفكر التوفيق بين المثال والواقع، النسبي والمطلق، الذات في مواجهة الآخر.

هنا يتبادر إلى الذهن سؤال: هل بإمكان الفكر السلفي أن يساعد في إنهاء مأزومية العالم؟ وهل بإمكان العالم أن يساعد في إنهاء مأزومية الفكر السلفي؟ وإذا الامكان جاز تحققه فكيف ذلك؟

إنهاء مأزومية الآخر لا تتم وفق المعطيات السسيولوجية القائمة، فمن وجهة النظر الايديولوجية: الآخر المأزوم لا ينتج إلا ثقافة مأزومة، معرفة قاصرة، قوانين دونية تجمد حركة الانسان، وتعطل مشروعاته لبناء عالم نقي، وبالتالي يصعب بل يستحيل على الآخر قبولها وتطبيقها. لا يكفي أن يقدم الفكر السلفي الصورة النمطية الجاهزة (التمسك بالكتاب والسنة تمسكا حرفيا) لحل معضلة مأزومية العالم، ولا يكفي أيضا أن يدعي العالم المتحضر أن قبول ما دشنته الحداثة الغربية المعاصرة من مبادئ ديمقراطية وعلمانية وليبرالية ورأسمالية اقتصادية أحد أسباب إنهاء مأزومية الفكر السلفي. فما قدمه كل طرف لا يخرج عن كونه دعوة إلى المماهاة والتطابق مع الآخر، حضور - المماهاة والتطابق - يستتبعه غياب التنوع والتعدد الثقافي. فما الحل؟

إن رؤية الفكر السلفي لمأزومية العالم نابعة من المنظومة الاستمولوجية التي يعتنقها ذلك الفكر، وهذه المنظومة الابستمولوجية أوقعت الفكر السلفي في أزمة كما يرى طرابيشي، ولكن الاشكالية التي يقع فيها طرابيشي أنه حصرها في الجانب السلفي، أي أنه أوحى أن العالم المتحضر لا يعاني من أزمة أبستمولوجية كالتي يعانيها الفكر السلفي.

وأظن أن الفكر السلفي والعالم المتحضر في رؤية كل منهما لذاته وللآخر ولواقعه ولتاريخه يعاني من أزمة ابستمولوجية قد تختلف درجتها أو نوعها بين المنظومتين. والسؤال هو كيف تحل الإشكالية الابستمولوجية؟

الحل في تصوري يكمن في تفكيك المنظومة الابستمولوجية وإعادة صوغها عقليا وقولبتها في اطار حضاري يتيح لها مراجعة ذاتها وواقعها وتاريخها، وعقلنة ما قامت به الايديولوجية البغيضة من تزييف صورة الآخر وتبخيسه.

قد يكون هذا الحل صالحا قبل أزمة سبتمبر/ أيلول الماضية ولكن يظهر لي أن العالم المتحضر بات مقتنعا أكثر مما مضى برقي حضارته وسموها، وأصبح على استعداد تام لتوسيع اطار القطيعة مع الفكر السلفي فارضا عليه خيارين قاسيين، إما الإندماج الكلي في حضارته وثقافته المعولمة أو الانكفاء على الذات والخروج من المعادلة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً