العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ

عزفت لبنى الأمين موسيقاها في الشرفة فتصالحت وقاسم حداد

كمبريدج - أحمد العبيدلي 

تحديث: 12 مايو 2017

انتصفت لنفسي من قاسم حداد وانتصفت من نفسي له، حين مكنتني لبنى الأمين بدماثتها المعهودة من الاطلاع على ثلاثة نصوص كتبها الشاعر مقدما لأعمالها التي سنرى مجموعة جديدة منها يوم السبت في الثالث من الشهر حين افتتاح معرضها الخاص في جمعية البحرين للفنون التشكيلية.

قاسم حداد... هذا الذي تعرف البطحاء...

ما انفك يمسك بمغناطيس الإبداع والحداثة بيد، وبالإيغال في السري والمستغلق والنص العلوي، فلا هو يعفيني ولا هو براحمي، ولا هو بمحرري ولا بقادر على امتلاك ملكة التذوق لدي. وبينه وبين النفس حرب مديدة، مريرة، على أنها ليست مدمرة تستعر كلما أمسكت بأبيات له ويزداد شواظها ويضطرم أوراها بصدور كل ديوان ينظمه. أمسك به، اتبع النص، وأفتح المسجل وأستمع لها، في آخر روائعها والشيخ زكريا أحمد: يمني قلبي بالأفراح... والبقية تترى...

وهو لا يكل ولا يمل، مستمر في إذكاء نار حروبه، والتحويم علي من عل ومن كل الجوانب، يرميني بحمم الكلمات، ويمطرني بوابل من استعارات لا أجد لها في قاموس المتوارث ما يعين، ثم اني ما إن أركن إلى هدنة أعلنها من جانب واحد، حتى يؤلف لي من عباراته ما يقذف بي في أتون الوعي وحمى المتابعة، ثم يمسك بي ويلقي بي في منزلة بين المنزلتين: فلا أنا بالحي ولا بالذاهل.

وأنسحب طلبا لشيء من الراحة، واقتفاء لسراب حياة دعة وهدوء... ثم تلمع في النفس بقية من لقاء في بيروت رأيت فيه أدونيس قبل عقدين من الزمن... حينها قال لي:

«نحن قمنا بثورتنا في الشعر...».

فأرجع إلى ساحة الوغى مضطرا، مقبلا غير مدبر تعزوني رغبة البحث والتنقيب، متنكبا بأسلحة حب الاستطلاع، ممنيا النفس بلعل وعسى ولكن، ولنا وطيد الأمل، وإذا به في كامل عدته يلعب مع الغزلان ويمرح مع اللاقوافي، ويستبيح كل القواميس ولا يعبأ بعصماء ولا يبدي اهتماما بالإتيان بها، وإذ يستشعر مني توانيا يشحذ بيتا بهدوء وينخس به خاصرتي فأفيق من وقع الهوى وأهيم وقد سكرت بخمر كلمة واحدة وأقول لم أمسك بالأمر ولم أطلع على المكنون ولم تطب النفس ولا شفي الخاطر.

أما آن لي أن أترجل...

أقولها في السر وأبوح بها للنفس هامسا...

على أنه يسمعني بلا استراق، ويحس بالأمر بكل لباقة...

وتمضي الأيام...

حتى كان صباح الأربعاء في التاسع والعشرين من أبريل/ نيسان في القضيبية: مررت لي لبنى مجموعة الكتابات عنها. وسط ذلك عثرت على نصوص قاسم الثلاثة: نثر تألق فكان شعرا ولم يقل انه كذلك.

ماذا جرى حتى تم الصلح وساد الرضا وعمت البهجة؟

المحرق أودعت الكثير الكثير في بضعة ألواح فمهدت الطريق للبنى، والأخيرة وإذ وجدت في تلك القطع نصف المعنى وأكثر، وضعت ألوانها بهدوء عليها، فملأت كؤوسا وقدمتها إلى قاسم، الذي أخذها مجلية المعنى منتصبة بلا غموض ونثر فيها شيئا من الأدعية وضمنها تعاويذ لا تحتمل التأويل، ثم ناولني إياها... فشربتها: ثلاثة أقداح فثملت وأنا في كامل الوعي، وانبهرت وأنا في حال السيطرة القصوى على النفس. وقلت لقد وصلت إلى المشترك، وتقاسمت زاد حداثة مقبولة، ورنت النفس نحو القبول بالقليل المعقول والبعد عن هيولى التباعد السرمدي، فكان الصلح وكان اللقاء وقلت وإذ أمسكت بثلاثة نصوص من النثر له لقد انتصفت لنفسي من الرجل وانتصفت له مني





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً