العدد 240 - السبت 03 مايو 2003م الموافق 01 ربيع الاول 1424هـ

بين المكابرة والتجاهل عن مشهد المجالس البلدية وحوله

سلمان عبدالحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب

يبدو مشهد المجالس البلدية هذه الأيام مختلفا تماما عنه في أيام الانتخابات في 9 مايو/ آيار من العام الماضي، بعد مرور قرابة سنة على هذه التجربة الديمقراطية الأولى في البحرين، بعد سنين طويلة من غياب الحريات والممارسات الديمقراطية بأشكالها المختلفة، إلا أننا لن نفتش في «البوسترات» التي كانت تروج لحملات المترشحين لهذه المجالس، وفيما يبدو أننا نسيناها كعادتنا في نسيان الوعود الكثيرة التي وعدنا بها، كما أن أصحابها نسوها أيضا بعد أن أفرزت التجربة واقعا مغايرا للأحلام والطموحات.

لكن ما ينبغي تسليط الضوء عليه، هو ذلك القدر المرعب من التهميش لهذه المجالس، إذ تمكنت السلطة التنفيذية بقدرتها القادرة على خفض سقف هذه المجلس إلى أدنى حد، بحيث إن الناس ـ كما عبّر أحد أعضاء هذه المجالس ـ لا يترجون منها فعل شيء، ويذهبون في جميع معاملاتهم إلى الوزارة أو المحافظين، ما جعل رئيس مجلس بلدي العاصمة مرتضى بدر يقول: «إننا لا نتوقع أن يصوت الناس لهذه المجالس في الدورات الانتخابية المقبلة».

إذا كان هذا حال المجالس البلدية في سنتها الأولى، في أولى التجارب الديمقراطية في البحرين، فما هو المتوقع لها في السنة الرابعة، أي في «سنة التخرج»، هل سينتظر الأعضاء حتى يخرج الناس ضدهم في مظاهرات ليطالبوهم بالاستقالة، كما صرح بذلك بعض المواطنين في محافظة المحرق؟

ما يزيد الطين بلة، هو التصريح الأخير للمدير العام للخدمات البلدية المشتركة جمعة الكعبي، إذ اعتبر فيه أن المجالس البلدية تعرقل مشروعات المواطنين، في إشارة خفية إلى أن المعينين يخدمون أكثر من المنتخبين، ما يعزز توجه التهميش الحاصل لهذه المجالس، وإفشال التجربة في «سنة أولى عمل» قبل سنة التخرج الحاسمة.

لكن المشهد بعد لم يكتمل، والصورة مازالت ناقصة، إذ يتوجب معرفة دوافع هذا التهميش الحاد، وهذه الحملة المنظمة من قبل السلطة التنفيذية لإسقاط هذا المشروع، كما يقرأ في كل المساجلات بين السلطة التنفيذية ورؤساء المجالس البلدية عن طبيعة اختصاصات كل منهما، لمعرفة هذا الشق الخفي الذي يحتاج إلى المزيد من التأمل، ينبغي تسليط الضوء على دائرة الحدث بصورة مختلفة.

ويذكر أن جمعية «الوفاق الوطني الإسلامية» دخلت معترك الانتخابات البلدية، وأحرزت 22 مقعدا ثم قاطعت الانتخابات النيابية، وأحرز أعضاؤها ثلاثة مناصب رئاسية من المجالس الخمسة، ما يعني تفوقا نوعيا وكميا على كل التيارات والجمعيات السياسية الموجودة في البلد، وهذه سيمفونية سمعناها كثيرا من أعضاء مجلس الإدارة، في إشارة إلى الإنجازات التي حققتها الجمعية، لكن ليس هنا مربط الفرس، فمن الواضح جدا أن «الوفاق» لا تُسَّيِر هذه المجالس ولا يمكن لها أن تدّعي ذلك، فليس لها إلا شرف وجود أعضائها فيها، وكل ما يُثار في الصحافة هو جهد شخصي لا مركزي يقوم به أعضاؤها في عناء واضح مع قانون البلديات السيئ. وقد صرح الكثير ممن فازوا بمقاعد في هذه المجالس، بأنهم وقعوا في «ورطة» نتيجة إهمال «الوفاق» لهذه المجالس، وتفرغها لهموم أخرى. وعلى رغم الوعد الذي أطلقته على نفسها بعد مؤتمرها الأول بتشكيل لجنة تنسيق ومتابعة لهذه المجالس، فإن هذا الوعد لم يتحقق بعد أربعة أشهر من إطلاقه.

مع كل هذا الخلل الواضح في أداء «الوفاق» إلا أنه ليس العلة الوحيدة، إذ يبدو أن المناكفة والتحدي اللذين أبداهما أعضاء المجالس البلدية من أعضاء «الوفاق» بوجه خاص نتيجة إهمال «الوفاق» لهذه المجالس، جاءا كرد فعل عكسي على هذا الإهمال (أي باتجاه السلطة التنفيذية)، وقد بدأ يتحول إلى حال من القفز والتعالي على هذا الواقع، في ظل عدم وجود أرضية صلبة لذلك، والأفضل لهم ألا يتكلموا عن الإنجازات كصورة أخرى من صور المناكفة والتحدي، مع وجودها على أرض الواقع، ووجود الصد العنيف من السلطة التنفيذية لها، الأفضل هو الحديث عن الآليات، والبحث عن المخارج الواقعية التي تعزز حالات الصمود والمناكفة التي يبديها أعضاء المجالس البلدية، وربما ما قام به رئيس مجلس بلدي العاصمة مرتضى بدر، من اقتراح لتعديل قانون البلديات خطوة بالاتجاه الصحيح، لكنه يفتقد الجهة الحاضنة، وبالتالي آليات التنفيذ.

وقبل أن نسلط الضوء على البرلمان، بصفته الجهة التشريعية الحاضنة لكل المشروعات المقدمة من الحكومة أو الجهات الأهلية أو التي يتبناها هو، نسلط الضوء على الحملة التصعيدية، التي شنها المدير العام للخدمات البلدية المشتركة، بتفويض من وزير البلديات محمد علي الستري، إذ زاد في انتقاص هذه المجالس المنتخبة، وعدها معرفة معرقلة لمشروعات المواطنين، فهل لذلك علاقة بالحملات المحمومة لنقل قضية المجالس البلدية إلى مجلس النواب، وهل لذلك علاقة بموقف «الوفاق» المقاطع للبرلمان؟ وهل لذلك علاقة بالأجنحة الموجودة في «الوفاق»، والتي تتباين في وجهة نظرها بشأن التعاطي مع البرلمان الحالي؟

قبل ذلك، يشار إلى أن أحد المعارضين، علق على منح وزير البلديات محمد علي الستري هذا المنصب، وهو المختلف مع «الوفاق» سياسيا، جاء ليعرقل المشروع البلدي الذي تسيطر «الوفاق» على غالبية مقاعده، فيما علق رئيس مجلس بلدي العاصمة مرتضى بدر على الضغوط المتزايدة على المجالس البلدية من قبل السلطة التنفيذية وبعض الجهات خارج دائرة «الوفاق»، أنه جاء بهدف «جر الوفاق» إلى التعاطي مع البرلمان.

ليس هنا الخلل، ولا ضير في التعاطي أو عدمه مع وجود خيار واضح لدى «الوفاق» بهذا الخصوص، لكن العجيب في الأمر أن «الوفاق» تقف موقف المتفرج من كل ما يجري، ولم يصدر أحد من أعضائها أي موقف أو بيان يفيد بهذا الموقف أو ذاك، في حين أن من يقود اللعبة بحسب بعض المصادر هم أشخاص من خارج «الوفاق»، فهل تخلت «الوفاق» عن مشروع البلديات وسلمته إلى الآخرين بعد أن كانت تسجله في سجل إنجازاتها؟ وهل من المعقول أن تقف «الوفاق» موقف المتفرج في أمر يتعلق بالبرلمان الذي قاطعته وسجلت عليه ملاحظاتها التي يعرفها الجميع؟

قد يكون من الشجاعة في الوقت الحالي توضيح الموقف من كل ما يجري، والاعتراف بصوابية أو خطأ موقف المقاطعة بشكل جازم، ليتم بعده تحديد آليات العمل بوضوح ومن دون تعويم للحقائق والمواقف كما هي العادة في المواقف السياسية المتباينة التي يتخذها رموز «الوفاق»، ومن الشجاعة أيضا أن يحدد الناس موقفهم بوضوح بناء على مواقف رموزهم ومؤسساتهم، وألا تخضع هذه المواقف للابتزاز السياسي في ظل المواقف المبهمة.

إذا جئنا للشق الأكثر جدلا وهو البرلمان، فقد تم عرض موقف المجالس البلدية على البرلمان بعد ضغوط من خارج إدارة الوفاق، وناقشه البرلمان في حدود فصل التخصصات والصلاحيات بين وزير البلديات والمجالس البلدية، ولم يتعد ذلك لمناقشة المقترح بتعديل قانون البلديات الذي تقدم به رئيس مجلس بلدي العاصمة مرتضى بدر، أو حتى التنويه إلى مقترح بقانون يتبناه المجلس في هذا الصدد، وهذا يسلط الضوء على مجموعة نقاط مهمة:

الأولى: ان منطقة التشريع لا يمكن للسلطة التنفيذية أن تسمح لأحد باختراقها، لوجود موازنات وأدوات تشريعية صعبة داخل هذه المنطقة، وكل ما ستسمح به هو أن تعطي هامشا من الحرية للحديث عن رغبات هنا أو هناك، لتكون محل تضارب من هذه الجهة أو تلك، على أمل أن تتحقق أو لا تتحقق، إلا أن شيئا ثابتا يمكن من خلاله رسم تصوير بياني لدائرة صناعة القرار، هذا الشيء لا يمكن الجزم به، وقس على ذلك، قانون المطبوعات والملاحظات التي سجلت عليه، وقانون النقابات والملاحظات التي سجلت عليه. وفي النهاية: هي من يتحكم في صوغ القانون، سواء جاء من البرلمان أو من جهة أهلية، ما يعني أن أي مقترح بقانون بخصوص المجالس البلدية، سيمر بهذه الغربلة الطويلة، حتى يخرج إلى النور، والله أعلم كيف سيخرج. وقد أثبتت السلطة التنفيذية أنها تتعاطى بحسم في بعض التفاصيل القانونية التي تخدم مصلحتها تحديدا، وتتعلق بها بصفتها جدارا حاميا وذراعا قوية وقت اللزوم.

الثانية: من الواضح جدا، أن المجلس النيابي تحديدا يعتاش على المقترحات برغبة التي يغلب عليها العنصر الخدماتي، وحتى هذه المقترحات هي في علم غيب الحكومة. والسؤال: هل يمكن لمجلس النواب أن يمكِّن طرفا منافسا له من أن ينتزع هذه الأحلام، أو أن تكون له صلاحيات حكومة محلية مثلا تشبه صلاحيات المجالس البلدية في فرنسا أو حتى في الكويت في حين يبقى هو مكبلا بالقيود القاسية؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابة صادقة وشفافة، ويحتاج أيضا إلى إعادة النظر في قيم التعاطي السياسي بين الأطراف.

الثالثة والأخيرة: ان أي رهان محموم على طرف معين، تعقبه أمنيات كبيرة بتحقيق هذا الرهان، ثم تتلاشى بعد ذلك أحلام المرهونين له كالسراب، سيؤدي حتما إلى انتكاسة حقيقية لمشروعاتهم، وعليه فإن أخشى ما يُخشى على المجالس البلدية والنيابية، أن تطاول رهانا غير محسوب ثم تسقط في هذا الرهان، فتنتكس بصورة واضحة، وتعيش الأسوأ فالأسوأ من مراحل وجودها الفعلي واستحقاقاتها الطموحة.

ويبقى السؤال للجميع: أين يكمن الحل؟

إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"

العدد 240 - السبت 03 مايو 2003م الموافق 01 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً