العدد 240 - السبت 03 مايو 2003م الموافق 01 ربيع الاول 1424هـ

ألمانيا في الشرق الأوسط... إحدى مراكز الثقل سياستها الخارجية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

احتل البحث مجددا عن إمكانات لمواصلة عملية السلام في الشرق الأوسط مركز الصدارة في السياسة الألمانية والأوروبية الشرق أوسطية في العام 2002 أيضا. كما كان في المقدمة كذلك خلال رحلات وزير الخارجية الألماني إلى المنطقة واتصالاته الدورية بممثلي طرفي النزاع. فما فتئت العمليات العسكرية والإجراءات الانتقامية الإسرائيلية الجسيمة هي التي تحدد مجرى الحوادث. وفشلت كل المحاولات، حتى تلك التي من جانب طرفي النزاع ذاتهما، في إيجاد مدخل إلى «خطة تينيت - ميتشل» التي تعود إلى العام 2001. فلم يتم التوصل لا إلى هدنة قابلة للتطبيق ولا إلى إجراءات أولية لبناء الثقة، كأساس للشروع مجددا في مفاوضات سياسية. فمرة بعد أخرى، تقع عمليات إرهابية وحوادث عنف، غالبا في اللحظة التي يشارف فيها الوضع على الهدوء، ويشع بصيص أمل في تقدم سياسي ملموس. والمبدأ الذي صاغه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، ألا وهو «لا مفاوضات تحت تهديد السلاح»، حدد هذا المبدأ مسار الحكومة الإسرائيلية، التي كانت حتى نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2002 تتشكل من تحالف، حزب العمل الإسرائيلي جزء منه، ويحتل شمعون بيريز منصب وزير الخارجية فيها. وفي نهاية الأمر فإن تفسخ «ائتلاف الوحدة الوطنية» الإسرائيلي في 31 أكتوبر 2002 كان محكه إحدى قضايا النزاع المحورية: الموازنة المخصصة للمستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية للعام 2003.

التزام الاتحاد الأوروبي

كانت السياسة الشرق أوسطية الألمانية - كما كانت عليه في السنوات السابقة - متكاملة تماما مع السياسة الشرق أوسطية المشتركة للاتحاد الأوروبي. كما شكل النزاع في الشرق الأوسط إحدى القضايا المركزية المطروحة على الاتحاد الأوروبي، عبر رؤساء الدول والحكومات الأوروبية، في مؤتمرات القمة، مرارا وبوضوح، عن موقفهم منها. وفي لقائه في ديسمبر/كانون الأول العام 2002 في كوبنهاغن، أكد المجلس الأوروبي «أن الإرهاب يحيق بالقضية الفلسطينية أضرارا لا ولن تعوض». وفي الوقت ذاته وعد الاتحاد الأوروبي تلك القوى الفلسطينية التي تدفع بالعملية الإصلاحية إلى الأمام وتستهدف إيقاف أعمال العنف، بأن يشد من أزرها.

المساعي الدبلوماسية منذ خريف 2001

على خلفية من التطور المتأزم في المنطقة، واكبت الحكومة الألمانية كل المساعي السياسية التي قام بها المجتمع الدولي في الشرق الأوسط ودعمتها، سواء على مستوى العلاقات البينية أو في إطار الاتحاد الأوروبي، وقدمت اقتراحات خاصة بها، مساهمة منها في تلك المساعي، انطلاقا من الهدف الذي صاغه الرئيس الأميركي بوش في خطابه أمام الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2001 باعتباره حلا مستقبليا في الشرق الأوسط: دولتان، «إسرائيل» وفلسطين - لأول مرة في تاريخ الدبلوماسية الأميركية الشرق أوسطية يلفظ اسم «فلسطين» -، تعيشان في سلام جنبا إلى جنب، داخل حدود آمنة ومعترف بها دوليا. وتبنّى اجتماع القمة لجامعة الدول العربية المنعقد في 27/28 مارس/آذار 2002 في بيروت، المبادرة السعودية للسلام، عرضت فيها الدول العربية على «إسرائيل» إقامة علاقات جوار طبيعية معها، بعد انسحابها من الأراضي المحتلة. وخلال دورة اسبانيا في رئاسة الاتحاد الأوروبي انضم أربعة من أهم المسهمين الأساسيين في نزاع الشرق الأوسط على المستوى الدولي، وشكلوا في 10 ابريل/نيسان 2002 في مدريد ما يسمى «باللجنة الرباعية للشرق الأوسط»، وأعضاؤها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمين العام لهيئة الأمم المتحدة، لكي ينسقوا في المستقبل تنسيقا أوثق فيما بينهم في القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط.

ورقة الأفكار الألمانية الخاصة بالشرق الأوسط

بعد تصعيد مجدد في أيام عيد الفصح 2002 ومع مراعاة التطور والمبادرات التي سبقت الإشارة إليها، حاولت ألمانيا في بداية شهر ابريل 2002 أن تحرك العملية السياسية مرة أخرى بطرح ورقة أفكار خاصة بالشرق الأوسط، تتضمن رؤوس الأقلام الجوهرية الآتية: إن الطرفين قد أضحيا غير قادرين على إيجاد حل للنزاع من دون دعم من الخارج. ومن هنا، يتحتم وضع «خريطة طريق» وجدول زمني يحدد كيفية التوصل إلى هدف الدولتين، وتعيين طرف ثالث يسهر على العملية، ثم مكون أمني دولي ودمقرطة المؤسسات الفلسطينية، إذ ان الدولة الفلسطينية المستقبلية لن تكون أهلا للحياة جنبا إلى جنب مع «إسرائيل» إلا على أساس من مؤسسات ديمقراطية قد خضعت للإصلاح.

خطاب بوش في 24 يونيو

عكس خطاب الرئيس الأميركي بوش عن الشرق الأوسط نقاطا أساسية مما جاء في ورقة الأفكار الألمانية، من بينها فكرة «خريطة طريق» و«جدول زمني»، والمطلب الخاص بإصلاح المؤسسات الفلسطينية. وتتضمن الخطة المستهدفة الجديدة إقامة دولة فلسطينية وإبرام اتفاق الوضع النهائي خلال ثلاث سنوات، أي حتى العام 2005.

وتمت أول محاولة لوضع خطاب بوش موضع التنفيذ بواسطة مبادرة ألمانية بداية شهر يوليو/تموز العام 2002، سعت للمرة الاولى إلى تحديد أدق للإطار الزمني، يعني ذلك السنوات الثلاث التي اقترحها الرئيس بوش، أي من 2002 إلى 2005. وكانت الأفكار الأساسية المتضمنة في الاقتراح الألماني هي:

- تعيين رئيس وزراء فلسطيني.

- وضع خطة من ثلاث مراحل يواكبها تقدم أمني، تتكون من دمقرطة المؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك إجراء انتخابات، وقيام دولة فلسطينية مؤقتة واتفاق وضع نهائي.

- تعيين مفوض دولي له صلاحية تنفيذ البرنامج الإصلاحي هذا.

ورفعت هذه الأفكار إلى هيئات الاتحاد الأوروبي المعنية في شهر يوليو أيضا للنظر فيها.

«خريطة الطريق»

في اجتماعهم غير الرسمي في مدينة هلسنغور في 30/31 أغسطس/آب 2002، وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على نص «خريطة الطريق» كما صاغته رئاسة الاتحاد، مهتدية في جوهره بالورقة الألمانية. فتبنى الاتحاد الأوروبي خطة المراحل الثلاث للفترة ما بين 2002 و2005، وجميع العناصر الأساسية عنصرا عنصرا، بما فيها فكرة تعيين رئيس للوزراء. وقررت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط في 17 سبتمبر/أيلول 2002، دمج تصورات الاتحاد الأوروبي في نص موحد لخريطة الطريق، تتبناه اللجنة الرباعية. و تم الاتفاق على نص مشترك، بعد مفاوضات بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي دارت بين ما دارت حول صوغ النص، وذلك خلال لقاء للجنة الرباعية في واشنطن في 20 ديسمبر/كانون الأول 2002، شارك فيه كل من وزير الخارجية كولن باول ونظيره الروسي إيفانوف والمفوض السامي سولانا والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان. وبناء على رغبة الولايات المتحدة، أجل اعتماد «خريطة الطريق» ونشرها إلى فترة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية.

وأساسا فإن فائض القيمة لخريطة الطريق المطروحة حاليا على الطاولة من اللجنة الرباعية، مقارنة بتوصيات ميتشل، يتلخص، حتى قبل اعتمادها رسميا، في النقاط الرئيسية الآتية:

- لو نظرنا إلى تاريخ النزاع في الشرق الأوسط فإن «خريطة الطريق» تعد أول نص مشترك للمسهمين الأساسيين الأربعة في تلك المنطقة، ألا وهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة. وقد قبلت به الأطراف المتنازعة من حيث المبدأ أيضا.

- تلقى «خريطة الطريق» دعما سياسيا من أعضاء اللجنة الرباعية. فقد أعطوا نص جدول تطبيقها الذي وضع في 20 ديسمبر كقاعدة لتنفيذها، صيغته النهائية.

- للمرة الأولى يمنح لطرف ثالث - أي اللجنة الرباعية - حق اتخاذ القرار فيما يتعلق بالتقدم المحرز في التنفيذ.

- بجانب ذلك فإن اللجنة الرباعية تواكب بفعالية الإصلاحات الفلسطينية المرجوة وتدعمها في موقعها بواسطة فرقة عمل، شكلت خصيصا لهذا الغرض، على سبيل المثال لا الحصر في مجالي إصلاح المؤسسات والقطاع المالي.

الدعم المالي إلى المناطق الفلسطينية

كان الاتحاد الأوروبي (كاتحاد وكدول أعضاء) في العام 2002 أيضا المانح الدولي الأكبر للدعم المالي الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط. وتعد مساعدات الاتحاد الأوروبي، التي تساهم ألمانيا فيها بنسبة 25 في المئة، عامل استقرار مهم إزاء تصاعد حدة الأزمة السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط. فبعد أن أوقفت «إسرائيل» إثر اندلاع «الانتفاضة الثانية» تحويل الإيرادات من الرسوم الجمركية والضرائب إلى السلطة الفلسطينية، أصبحت السلطة مهددة بالانهيار المالي. وقد قدم الاتحاد الأوروبي في العام 2002 مبلغا إجماليا وقدره 120 مليون يورو مساعدة للموازنة، لضمان دفع المرتبات، بالذات في قطاعي التعليم والصحة. وهذه المساعدات المالية مرتبطة بشروط، يسهر صندوق النقد الدولي على الالتزام بها. فبجانب الرقابة على استخدام الأموال، تمتد هذه الشروط لتشمل الإصلاحات في السياسة والإدارة والمالية. وفي غضون ذلك يعد القطاع المالي احد المجالات التي تتقدم فيها مساعي الإصلاح الفلسطينية تقدما واضحا للعيان. وقامت «إسرائيل» خلالها أيضا بتحويل الكثير من المبالغ إلى الدوائر الفلسطينية. كما حصلت وكالة الأمم المتحدة للإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الأونروا) على 55 مليون يورو إضافية من الاتحاد الأوروبي لبرامجها في قطاعي التعليم والصحة. أما المساعدات الإنسانية والمعونة الغذائية فتصل قيمتها إلى 17,2 مليون يورو.

التعاون الإنمائي

وصلت قيمة الدعم الإجمالي المقدم بشكل مباشر من الحكومة الألمانية إلى الأونروا في العام 2002 إلى 10,6 ملايين يورو. وفي إطار التعاون الإنمائي البيني وعدت الحكومة الألمانية المناطق الفلسطينية بمبلغ يصل إجمالا إلى 50,21 مليون يورو. وترتبط هذه الوعود بمشروعات بعينها. فبجانب مركز الثقل الذي يشكله قطاع المياه، تركز المشروعات، بين ما تركز، على تمكين الاقتصاد الخاص وبناء هياكل إدارية فعالة الأداء. إضافة إلى ذلك، يتم تقديم مساعدات إنسانية واسعة النطاق

العدد 240 - السبت 03 مايو 2003م الموافق 01 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً