العدد 240 - السبت 03 مايو 2003م الموافق 01 ربيع الاول 1424هـ

السرقة «القانونية» لجمهوريات «الخوف»

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

في الوقت الذي تنشغل فيه النخب العربية وجيرانها النخب الايرانية والتركية في مناقشات لا طائل من ورائها بشأن أن تكون الدولة - اقرأ السلطة - التي يحلمون بها ديمقراطية أم اسلامية، ينهمك الاستعمار الاميركي الجديد في وضع حجر الاساس لنموذج حكومة تعددية، ديمقراطية حرة ومستقلة!! وربما فيدرالية في العراق سيكون لها بالغ التأثير على خرائط الحكم المجاورة لها. بل يفترض بها ان تكون الحكومة القابلة للتعميم والتصدير إلى مختلف الاقطار العربية والاسلامية كما يخطط الاميركيون.

يقول الجنرال الاميركي المتقاعد والذي كلف بمهمة بناء هذا النموذج تحت اشراف وحماية قوات الاحتلال وهو يفتتح الاجتماع الثاني له مع بعض الفعاليات العراقية «المنشطة» اميركيا في بغداد:

«انتم العراقيون ستشكلون الحكومة التي تودون وترغبون، واما نحن فسنبني بكم العراق ونعيد ترميمه واعماره!».

اي اننا الأميركيين لن ننشغل أو نهتم كثيرا بشكل أو نوع الحكومة التي ستتفقون عليها أو تختلفون حولها مادام ذلك سيبقى شكليا خلال السنتين او الخمس التالية من اعوام اعادة بناء العراق التي سنتولى شئونها نحن والتي هي الاهم، الآن ما نبنيه ونؤسس له هو الذي سيفرز شكل ومضمون الحكم الذي يفترض ان ترسو عليه الدولة العراقية التي نعد لها بعد الانتهاء من فترة البناء واعادة العمران!

باختصار شديد أراد جي غارنر ان يقول للعراقيين انكم ستشكلون «الديكور» الذي سنعرضه على العالم كلما خاطبنا أحد من الجيران أو من معارضي الحرب السابقين مطالبا ايانا بالرحيل، فيما سنكون مشغولين ببناء الاساس الذي نرغب ونريد وكنا نهدف إليه من وراء غزو العراق.

يخطئ كثيرا من يظن ان الاميركيين سيعملون في العراق كما فعل البريطانيون في بدايات القرن الماضي، فهم مصممون منذ البداية على ان يتركوا الاحزاب والقوى السياسية العراقية تتخبط في مناقشات وصراعات ونزاعات الحصص القومية والعرقية والمذهبية وأشكال التحالفات والائتلافات السياسية الرخيصة، فيما هم سينهمكون في «تحصيل الثروة» المضاعفة من العراق الفتي تحت عنوان مئات بل آلاف المشروعات «التنموية» المطلوبة في مسيرة اعادة بناء وعمران العراق المحطم. فهم سينشغلون بصناعة النقد والطرق والمواصلات والموانىء والمطارات والبريد والهاتف والجوازات والهويات الشخصية والكهرباء والماء والابنية واعادة تخطيط هياكل الدولة في المدينة والريف ناهيك عن النفط وما أدراك ما النفط، وكل ذلك سيسلمونه أو ربما سبق ان سلموه حتى قبل ان تطأ اقدامهم أرض العراق إلى شركات اميركية متخصصة! بتواطؤ «معارضي» المهجر ممن استدعتهم الادارة الاميركية لهذه المهمة وابرزتهم في الآونة الاخيرة لفرض «الديكور» والذين لن يصلهم من عمليات «النهب والسطو» المقررة سوى الفتات.

واما الذين غرر بهم أو خدعوا بالمشروع الاميركي التعددي - الديمقراطي - الحر - والمستقل! لعراق ما بعد صدام حسين فانهم سيكتشفون ولكن بعد فوات الاوان انهم لم يكونوا سوى حصان طروادة في مهمة «كسر الجوزة واعادة بنائها» كما كان يقول وينظر إلى الادارة الاميركية قبل الحرب صاحي القلم المدلل توماس فريدمان.

الاميركيون وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة سيظل سيفهم مسلطا على النخب العراقية «البائسة» سواء تلك التي تعاونت معهم في مهمة الغزو بوعي أومن دون وعي - وهم يمنون عليهم بأنهم على طريق نقلهم من «جمهورية الخوف» التي كانت سائدة ايام حكم الطاغية المرحل إلى «جمهورية الامان» الموعودة التي يعمل على بنائها الاميركيون من أجل عيون العراقيين!

في كتابه «قضية الهند» أو دفاع عن الهند يلخص الكاتب والمؤرخ التاريخي الشهير وصاحب كتاب قصة الحضارة - ديورانت - ما فعله البريطانيون مع شعب الهند العظيم بالقول: «انها سرقة قانونية منظمة لثروات الهند» بالقانون سيسرقون العراق، وبغطاء من بعض اهله ممن تبوأوا أو سيتبوأون مراكز مرموقة بفضل تعاونهم مع «الحلفاء» سينهبون ثروات العراق وتحت لافتة محببة للعراقين من جمهور الشعب الذي لا حيلة له ولا قوة «بناء العراق واعادة عمرانه» والاهم من ذلك «نقله من عهد جمهورية الخوف الى جمهورية الامان». لا يختلف اثنان في العراق على ان حكم الرئيس العراقي السابق كان نموذجا لا مثيل له لـ «جمهورية الرعب» وليس الخوف فقط. لكنه وعلى ما أظن لا يختلف اثنان من العارفين ببواطن الامور وخباياها سواء من الموالين للغزو والاحتلال أو المعارضين له في أن واشنطن لم تأت إلى العراق من اجل عيون العراقيين لنقلهم من جمهورية الخوف إلى جمهورية الامان!

لكنه وللأسف الشديد ما دامت نخبنا الحاكمة والمحكومة في عموم بلاد العرب والمسلمين - الا ما ندر - مشغولة ومنهمكة في قضايا وملفات وهموم الأمن، فان الحصيلة الطبيعية لمعادلة الغلبة الاستعمارية وبفضل الاحتلال الكبير في ميزان القوى العام هو ان تحصد القوى الخارجية كل خيرات التنمية لوحدها، سواء دخلت هذه القوى بلادنا سلما أو حربا

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 240 - السبت 03 مايو 2003م الموافق 01 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً