العدد 239 - الجمعة 02 مايو 2003م الموافق 29 صفر 1424هـ

توظيف سياسي وديني عند خطباء الجمعة بين مقاطعة الانتخابات والملف العراقي

في حين تنوعت المطالب السياسية لخطباء الجمعة بين المحلي والخارجي، برز التوظيف السياسي للخطاب الديني مجددا في خطب الجمعة، بغية الوصول إلى صوغ معالم جديدة للأمة التي عانت من القهر والدكتاتورية لسنين طويلة، على يد الأنظمة الداخلية والخارجية.

فبين من وظف سيرة الرسول (ص) وعلاقته بقومه في توجيه رسالة إلى الحكام والمصلحين والرموز للاقتداء به في ارتباطه بقومه وحرصه على هدايتهم وحل مشكلاتهم، جاء التوظيف الآخر للخطاب الديني لإذكاء روح الصمود والمقاومة عند الأمة لصد العدوان عليها، في حين برز هم الدعوة إلى الإسلام ونشره في أرجاء العالم عند خطيب ثالث.

وفيما بقي الملف العراقي محافظا على صدارته عند أحد الخطباء، الذي واصل رؤيته في استشراف واقع العراق والمنطقة، طغى الشأن المحلي وجدلية المشاركة والمقاطعة للانتخابات النيابية مجددا عند خطيب آخر في سجال يبدو أنه لم يحسم لحد الآن.

قال خطيب جامع العدلية فريد هادي في خطبته الدينية «إن للروح المعنوية التي يسعى العدو دائما إلى تفتيتها وشل فاعليتها، لإلحاق الهزيمة النفسية بنا، أيما أثر في معركتنا اليوم، وقد كان سابقا سلاح في يدنا، وكان الإسلام حريصا في مخاطبة المؤمنين بأن الضربة التي تنال منكم لا ينبغي لها أن تحبط عزائمكم ولا تنال من نفوسكم ولا تؤثر على روحكم المعنوية، فأنتم بإيمانكم أعلى منهم، والحرب بينكم وبينهم سجال، وان تثبيط الناس لكم وسعيهم إلى زعزعة الروح المعنوية لديكم لا يثمر شيئا، إذ لا يمكن للأمة أن تصمد إذا لم ينبت فيها ناشئة قوية تعتز بنفسها، وتتحرك بنفوس الأحرار لا بروح المنهزمين».

ولفت هادي إلى أن الأمة بحاجة إلى تحقيق استمرارية صمودها إلى القيادة الجماهيرية المتحررة من قيود الأنظمة السياسية، وأي نظام يقف في وجه هذا السعي خائن، لأن سعي الجماهير للإنقاذ هو السهم الأخير في كنانة الأمة، فلا يحول دونها إلا مطعون في ولائه لأمته.

وأضاف: فهذا السعي أصبح واجبا شرعيا لا مفر منه للإبقاء على الأمة قبل أن تطمس هويتها بتغيير المناهج الدراسية، وهذه الأمة عبر تاريخها لم يتأهل لتحمل مسئولية القيادة فيها إلا رجال من شرع الله نهلوا، أو رجال إلى تقوى الله لاذوا وبحماه استجاروا، لذا فالأمة في أمس الحاجة إلى تأهيل هذين الصنفين بينها، بل وإعداد أجيال متتالية منهما.

وطالب هادي الناس بوزن العاطفة بميزان الشرع والعقل، وعدم الانفعال اللحظي والتصرف من منطلق رد الفعل المسير، بل السعي الدؤوب والحركة المتواصلة وفق منهج مدروس من منطلق الوعي الشرعي والواقعي، الوعي بمطالب الشريعة الغراء، و بالواقع المعاش وبما يحاك للأمة من مكر الليل والنهار.

أما على الصعيد السياسي، فقد أشار هادي إلى التلاعب بالمصطلحات التي تستخدمها وسائل الإعلام الأجنبية وبعض وسائل الإعلام العربية في وصف الغزو الأميركي للعراق بالتحرير، مؤكدا أن فكرة غزو العراق نمت العام 1998 عندما بدأ الركود يضرب الاقتصاد الأميركي وعاد العجز يتصاعد مرة أخرى وبشكل خطير. كما تغذت من الفشل تلو الفشل الذي راحت تمنى به المواقف الأميركية في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أو في المنظمات والمؤتمرات الدولية.

وأضاف «فالمخرج إذن يكون من خلال إستراتيجية عسكرية عالمية تحقق دكتاتورية عسكرية أميركية، يمكنها أن تستتبع بالضرورة دكتاتورية اقتصادية وسياسية وثقافية رضي من رضي وغضب من غضب، أي أن عولمة اقتصادية جديدة غير تلك العولمة التي عبرت عنها اتفاقات منظمة التجارة العالمية، راحت تضرب بقرونها. وعليه نقيس بقية المجالات بالضرورة».

وأشار إلى أن المعارضة العالمية ضد العدوان على العراق، سببه أن الدول الكبرى - حتى بريطانيا - تتحسس رأسها ومكانتها الدولية ومستقبلها الاقتصادي ومصالحها العليا والدنيا كذلك، لأن التحكم العسكري يستتبع تحكما سياسيا، وهذا وذاك يستتبعان تحكما اقتصاديا، ما يجعلها تخشى أن تهبط إلى مرتبة أدنى اقتصاديا، مؤكدا أن أميركا في الإستراتيجية الجديدة تريد أن تمسك بالنفط وأنظمته بطريقة تسمح لها باستخدامه سلاحا في صراعها السياسي الاقتصادي مع الدول الأخرى. فهي لا تريد وضعا مريحا فحسب، وإنما تريد سيطرة كاملة غير منقوصة.

من جهته، تطرق عبدالوهاب حسين في خطبته الدينية في مسجد الشيخ خلف بالنويدرات إلى علاقة الرسول الأعظم (ص) بقومه والأجواء التي تتحرك فيها هذه العلاقة من محبة ورحمة وحرص على الأمة، وإسقاط ذلك على واقع الحكام والدعاة والرموز والمصلحين، مطالبا هؤلاء جميعهم بأن يتخذوا من الرسول الأعظم (ص) قدوة لهم في علاقتهم بأقوامهم وشعوبهم.

وذكر حسين أن الرسول واحد من الأسرة البشرية الكبيرة، يرتبط بهم بوشائج المحبة والود والحرص عليهم، ويسعى الى التعرف على مشكلاتهم وحلها، ويتألم لألمهم ويفرح لفرحهم، معتبرا أن هذه حجة على كل حاكم وداعية ومصلح ورمز بأن يعيشوا مع مجتمعاتهم، ويختلطوا بها، ويتعرفوا على مشكلاتهم في سبيل حلها، ويفرحوا لفرح شعوبهم ويتألموا لألمها، وإلا فإنهم ليسوا جديرين بالمواقع التي يحتلونها.

وتابع حديثه «فالأشخاص الذين تتعدد له القصور والفلل والمساكن الفاخرة، في حين أن شعبه لا يملك مسكنا يؤويه، والذين يمتلكون الثروات الضخمة، ويسعون إلى زيادتها بالحلال والحرام وأبناء شعبهم لا يملكون لقمة العيش، هؤلاء ليسوا جديرين بمناصبهم ولا مواقعهم».

ولفت حسين إلى أن الرسول يشق عليه ما يقع فيه المؤمنون من المشقة والألم والأذى، ويسعى إلى أن يخلق لهم أوضاعا مريحة من خلال حل مشكلات الناس، ولا يسعى إلى تأزيم الأوضاع، وخلق أوضاع صعبه، أو يسعى إلى استعداء الآخرين، واستخدام الملفات الساخنة لأغراض سياسية ضدهم، مؤكدا أن أي طرف يقوم بمثل هذا الفعل، فإنه يقوم بعمل شاذ ومخالف للفطرة الإنسانية.

أما على صعيد حديثه السياسي، فقد أثار حسين جدلية المشاركة والمقاطعة، وأشار إلى أن «ميثاق التنسيق» عمل إيجابي، وتوسيع لرقعة العمل المشترك، إلا أنه لفت إلى أن التركيز على الميثاق جاء على حساب المسألة الدستورية وتحقيق أهداف المقاطعة، داعيا إلى إقامة تحالفات ثنائية رباعية أو ثنائية لتحقيق أهداف المقاطعة.

واعتبر حسين الوضع الحالي للجمعيات الأربع المقاطعة بأنه سير في خط الصفر بين المشاركة والمقاطعة، «فلا نحن مع المشاركة لنجني ثمارها، ولا مع المقاطعة فنحقق أهدافها، مع أن قناعتي بالمقاطعة لم تتزلزل، فإذا كانت لأطراف المقاطعة رؤية جدية بشأن المشاركة فليطرحوها، ليناقشها الناس جميعا، فهذا الحل الوسطي مضر بمصالح الأمة وقد يصل إلى درجة الخيانة».

وأشار حسين إلى أن العمل السياسي يتعلق تحديدا بالرؤى والمبادرات، والسعي إلى تحقيق هذه الرؤى والمبادرات، لا برفض أو قبول مشروعات الحكومة فقط، داعيا في الوقت نفسه إلى أن يستند العمل السياسي إلى قوة الجماهير، «لأن العمل السياسي بالناس وإلى الناس، والأفكار والرؤى يجب أن تطرح على الناس ليقتنعوا منها ويعملوا من أجلها».

أما إمام جامع المهزع بالمنامة، الشيخ عبداللطيف المحمود، فطالب المسلمين في خطبته الدينية بوضع خطة استراتيجية لإيصال الإسلام إلى جميع أنحاء العالم، مشيرا إلى أن الإسلام قد ينتشر من خلال بعض الاكتشافات العلمية التي ليس للمسلمين دخل في اكتشافها، ولم يقوموا بالتخطيط لها.

وضرب المحمود مثلا على ذلك، ما وصل إليه العلماء من التكوين الداخلي للقمر، إذ أثبتت التجارب - كما أوضح - أن القمر يحتوي على طبقة من الصخور التي تقسم القمر إلى قسمين، ولم يجد الجيولوجيون تفسيرا لهذه الظاهرة إلى أن القمر انقسم إلى قسمين في بعض المراحل، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم، بانشقاق القمر إلى الرسول في معجزة حصلت في مكة.

وأضاف «وهذا الاكتشاف جعل بعض الباحثين يدخلون في الإسلام من غير إرادة المسلمين في ذلك»، وفي ربط بذات الموضوع، أشار المحمود إلى أن حملة أميركا على الإسلام في هذه الأيام ستؤدي إلى نشر الإسلام، وتعرف الكثير من غير المسلمين على تعاليمه.

أما على الصعيد السياسي، فقد دعا المحمود المسلمين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وتجمعاتهم إلى تجاوز الوضع السيئ، والسعي إلى تحقيق مبدأ الوحدة بينهم، وتأكيد مبدأ التواصل والتسامح فيما بينهم

العدد 239 - الجمعة 02 مايو 2003م الموافق 29 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً