رجل حازم وأب واع، ذلك الذي يصر على ألا تطيل ابنته فترة الخطوبة ويرفض قائلا لخاطبها وبقرار لا تراجع عنه: «لا مانع لديّ من ارتباطك بابنتي شريطة أن تجهز نفسك وبيتك أو شقتك، وعندما تصبح جاهزا للزواج تقدم واعقد قرانك بها وخذها زوجة لك». وهنا تثور الفتاة وتغضب وتعتبر طلب والدها شرطا تعجيزيا لأن خاطبها مازال في بداية حياته العملية ولا يستطيع تجهيز ما طلبه والدها وكان الاتفاق بينهما أن يتعاونا في تنظيم وترتيب حياتهما بعد عقد القران، والأهم من هذا كله أنهما بحاجة إلى فترة طويلة يفهم خلالها كل منهما الآخر، والخطوبة ـ كما يشترطها والدها ـ لا تتيح لهما ذلك.
في الحقيقة، يميل معظم فتيان هذا الجيل ـ وحتى الشباب ـ إلى نظام الخطوبة المفتوحة وغير المحددة بزمن مشروط لذلك. فنحن نرى اللهفة والسرعة كالطوفان من كلا الطرفين لإتمام عقد القران، وما إن ينتهي حتى يبدأ التباطؤ وعدم الاكتراث بتحديد وقت لإتمام الزواج على رغم ما تحمله هذه الفترة المطولة من أضرار ومشكلات للاثنين معا، فالفتاة تعتبرها الأيام الماسية المشعة بالحب والود والحنان والليالي الوردية المليئة بالسعادة وراحة البال، الخالية من كل ما يترتب على الحياة الزوجية من أعباء وهموم ومتاعب من عناية بالبيت والتزام بالمطبخ وتحضير الملابس من غسيل وكيّ وترتيب، كل هذا لا تتحمله مادامت مخطوبة. كذلك الشاب، فهو يتمتع بجميع حقوقه الزوجية الحسية، والكلفة كلها جلسة رومانسية في أحد المطاعم أو حتى في ركنه الصغير في بيت والده... من دون حاجة إلى شقة وكلفها من إيجارات أو فرش، إلخ. فيوهمان نفسيهما بأن الرغبة في الخطوبة المفتوحة ما هي إلا للتعاون بينهما في تنظيم حياتهما، كما أنها فرصة ذهبية ليعرف كل منهما الآخر عن قرب ويجهزا عشهما الزوجي في هدوء واستقرار... وكلاهما يغالط نفسه، والهدف الأساسي هو الاستمتاع أكثر بفترة اللامسئولية، مجرد نزهات وسهرات وجلسات رومانسية وساعات من الصفاء والحب تشبه إلى حد بعيد ما يعيشه أبطال الأفلام العاطفية.
كل هذا سينتهي في الأيام الأولى من الخطوبة، ثم تأتي بعدها الأيام الحاسمة في حياتهما، إذ تبدأ المواجهة بالأخطاء والعيوب والتناقضات، في فترة اكتشاف الطباع المختلفة والعيوب في العادات والسلوكيات، وهنا تنتهي المجاملات وتبدأ المصادمات المستمرة بغية تغيير أو تصحيح المسارات السلوكية لكلا الطرفين. والطامة الكبرى إن فشل كل منهما في تغيير وإصلاح صاحبه، لتصبح الحياة بينهما مستحيلة. وهنا تنقلب الموازين، فالرجل يبدأ في إبراز قوته الرافضة لطباعها، وتبدأ هي باللين والتنازل أكثر فأكثر ويخيم شبح الطلاق عليها فيخيفها ويهددها وخصوصا إذا كان دخل بها، فهي زوجته، لكنه يكتشف عدم قدرته على الاستمرار معها أو أنه شعور بالنفور منها، إلى آخر هذه التعليلات، وينتهي الأمر بالطلاق وكأنه قد تحرر من قيد سيعاني منه مدى الحياة، ويبدأ في البحث عن شريكة أفضل. أما هي فقد خسرت كل شيء وهي مطلقة شاءت أم أبت، وفرصتها في الزواج ثانية قد تتعثر إلى حد بعيد. يعود الزوج من سفرته الطويلة من عالم جميل أخذ منه ما أخذ وتركه غير نادم ليعيش حلمه الوردي من جديد والفرصة مفتوحة أمامه.
فيا فتاتي، هل أدركتِ الآن لماذا طلب والدكِ من المتقدم إلى خطبتكِ تجهيز بيتكِ أولا ثم عقد القران؟ كان يطلب لكِ الأمن والاستقرار والكرامة مدى الحياة، كان محقا يا فتاتي في حزمه وشرطه. وها أنت أمامه مطلقة نادمة
العدد 238 - الخميس 01 مايو 2003م الموافق 28 صفر 1424هـ