العدد 237 - الأربعاء 30 أبريل 2003م الموافق 27 صفر 1424هـ

الحركة الإسلامية وضرورة وعي النقد لدى الجمهور

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

قليلة هي الخطابات التي تدعو الجماهير إلى النقد وتحثهم على اعتماد ثقافة المساءلة والنظرة الموضوعية الناقدة تجاه ما يطرح عليهم في حياتهم السياسية والثقافية والاجتماعية... فعقل الجمهور بمن فيهم عدد لا بأس به من النخب يجمد أمام الخطاب أو «المشروع» أو الفكرة دون أن يقبلها، أن يغربلها، ان يسائلها خصوصا إذا ما استهواه الذي أمامه سواء كان الملقي زعيما أو حزبا أو مؤسسة.

ولعل من الثغرات الكبرى والثقوب الغائرة في عقلية الشارع العربي بنخبه وأطيافه هي حال الاندماج إلى حد الانغلاق والقطيعة مع كل ما هو آخر حتى لو كان هذا الآخر هو من البيت ذاته... كل ذلك بسبب تلك التربية التي يتلقاها الفرد في داخل احزابنا ومؤسساتنا فهو يربى على أن يكون الولاء للمؤسسة أو الجماعة أكثر من أن يربى على أن الولاء للايديولوجية... وتارة يكون ذلك بطريقة غير إرادية... لذلك مازالت مؤسساتنا تعيش اشكالية التربية الحزبية والتربية الدينية... وفرق بين الاثنين لذلك نجد ذلك سيكولوجيا واضحا بحيث ان أبناء المجموعة الواحدة لا يمشون إلا مع بعضهم وقلما نجد اثنين من مجموعتين يمشيان مع بعضهما والغريب أن من يوالي فئة - وهذا دليل آخر على غياب العقل والنقد - يأخذ كل ما تأتي به من ايجابيات وسلبيات ويتبنى كل أفكارها التي عادة ما تتغير مع تغير الظروف والزمن. بالطبع كل ذلك راجع إلى أننا مازلنا نربي شبابنا على عبادة الأفكار التي نطرحها عليهم ولو في قضايا متغيرة آنية سياسية أو اجتماعية، هذه التربية لا تصنع لنا ابداعيين ومبدعين وقادة مستقبليين. أبدا هي تصنع لنا شبابا يصنع منا اصناما من دون الله، يعبد أفكارنا يتعصب لها، ربما يتحارب لأجلها على رغم أن الكثير منها هي عبارة عن أفكار بشرية يغلب عليها الشأن العام.

بالطبع هذا التعصب وهذا التزمت لا يخلق لنا قاعدة واعية وانما قاعدة مهلهلة تسقط أمام أي تشكيك تساؤلي لأنها مبنية على السياق الجمعي والحشد، لهذا سرعان ما تنهار أمام أي خطاب آخر إذا تسارع في ملئها...

وتزداد الاشكالية عندما تتسلم ذات الخطيئة التعبوية طبقة النخبة من الناس...

ما أدعو إليه هو التوازن في قراءة الخطاب والمشروع والوعي بالآخر بطريقة لا تلغي العقل فتشله فنجعل من المحبوب أن يتحول من طيبٍ ومتواضع إلى متمرد لا يمكن مساءلته أو نقده، سواء كان هذا المحبوب رجلا أو مؤسسة أو حزبا... وهناك نظرة سوسيولوجية (اجتماعية) صائبة تقول: إن المجتمعات وخصوصا الشرقية هي التي تصنع الطغاة بيدها وذلك للمبالغة في مدح واطراء وتأليه الآخر!!

في الزمن الماضي كان بإمكان الشاب أن يأتي إلى رسول الله (ص) ليستفسر عن أية مسألةٍ إلى درجة أن جاءه شاب وهو يقول له: رخصني في الزنا يا رسول الله؟ فقال له الرسول: أو ترضاه لأمك؟ قال: لا فداؤك نفسي يا رسول الله. قال: وكذلك المسلمون لا يرضونه لامهاتهم»... الحديث بالطبع يدل على مدى سعة ورحابة صدر رسول الله (ص) فهولا يضيق حتى بالأسئلة الناشزة وكذلك موقفه من تلك المرأة التي جاءت إليه وهي ترتعد خائفة من هيبته فهدأ من روعها قائلا لها: هدئي من روعك فأنا ابن امرأةٍ كانت تأكل القديد».

وسمعنا كيف كان الصحابة يقولون لأحد الخلفاء: «والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف» فقال: «لا خير فيكم أن لم تقولوها ولا خير فينا ان لم نقبلها».

لا يعني ذلك اننا ندعو إلى التمرد وإلى إساءة الأدب تجاه الآخرين وانما ندعو إلى المساءلة الواعية والقائمة على التوازن وعلى أدب الحوار وذلك لا يكون إلا بالثقافة الواعية المدعومة بالعقل.

إذن التركيز على النقد واستخدام العقل للنقد والتحليل لا للتبرير هو الأسلوب الأمثل أما قاعدة «سلم نفسك أولا واهمس لنا برأيك ثانيا» أصبحت قاعدة فاشلة وهي تكرس لنا واقعا ساذجا وتعمل على تبسيط وعي الجمهور إلى درجة استغفاله.

ينتقد عبدالله النفيسي مثل هذه الأطروحات القائمة على التسليم المطلق وينتقد عمر التلمساني المرشد السابق للأخوان لما طرحه من طريقة تعاطي وتعامل مع حسن البنا إذ كتب التلمساني متحدثا عن نفسه «... فقد كان لبعض الأخوان آراء ومقترحات تتعارض مع فريق آخر ولكني بحمد الله كنت بعيدا عن هذه الخلافات كلها وكنت أرى وأسمع وأفكر بعين فضيلته وأذانه وعقله لثقتي المطلقة في صواب كل ما يرى كنت معه كالميت بين يدي مغسّله...».

وهذه هي عين الاشكال التي تعيشها الحركة الإسلامية مع قواعدها ليس فقط على مستوى القاعدة بل حتى على مستوى نخب القاعدة فهم مطلوب منهم أن يقدموا ما يقدمه العامة من تأليه وتسبيح وقبول كل ما يطرح من خطاب وغيره... على قاعدة إلغاء النقد وتجريم المساءلة النقدية. وهناك نقطة طالما التبست على الكثير من الحركات وهي عملية الخلط بين الطاعة والحرية وهناك خلل في فهم علاقة الطاعة بالحرية وهذا ما ركز عليه محمد عمارة عندما طرح «لقد بالغت الحركات في ترويض أعضائها على طاعة القيادات أكثر مما دربتهم على محاسبة ونقد وتقويم أعضائها للقيادات».

لذلك يبقى التمييز بين الاثنين فإنما يحب السمع والطاعة في جيش يحتشد لحرب أو يخوض معركة عسكرية وفي القضايا الجوهرية أما في القضايا الشخصية أو الجزئية التي تتعلق بشئون الشخص وحريته الذاتية التي لا تتعارض مع الدين فيجب أن لا يلزم بما يأخذه الحزب أو المؤسسة.

الحركة الإسلامية في بعض مواضعها تطالب بالتعددية مع الأنظمة لكن مازالت تجد صعوبة في تحمل الرأي الآخر من أبنائها انفسهم، فمن لم يكن رأيه نسخة طبق الأصل من رأي الجماعة «فهو اما منشق عليها أو معادٍ لها»، وهذه الاشكالية تكررت كهم عام لدى أكثر المفكرين الإسلاميين الذين قاموا بنقد أداء الحركة كحركة الأخوان المسلمين، حركة التكفير والهجرة فتلك الحركات والحركات الإسلامية على شتى مشاربها لدى الشيعة... فمثل هذه الإشكالية تكاد تتكرر لدى جميع الحركات... وظاهرة اقصاء من يحمل رأيا آخر مازالت تتعمق في مضمرات خطاب الحركة فتقع في عقدة الشيزفرينيا (الانفصام) تطالب الأنظمة بعدم اقصاء رأي الآخر وهي لا تكاد تتحمل رأي فصيل من فصائلها كما حدث في التراشق الذي جرى بين حركة الجهاد والأخوان على قضية الانتخابات في مصر. قد يحد من الأمر لو التجأت الحركة إلى فكر المؤسسة بعمق وعلمية فانه لا مستقبل للحركات الإسلامية إلا إذا كان أسلوب ادارتها وتعاملها مبنيا على نظام عام لا على أفراد وقراراتها صادرة عن المشورة والحوار لا على أفراد وإذا عودت القاعدة على نقد الفكرة واستخدام العقل في قراءة الحدث

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 237 - الأربعاء 30 أبريل 2003م الموافق 27 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً