وهكذا بدأت تتحرر سوق الاتصالات في البحرين، وقريبا سيتم تحرير سوق الإنترنت وسيصبح لدينا أكثر من شركة واحدة توفر خدمة الإنترنت. ومع هذه التطورات يتساءل البعض إذا كان سيصاحب التحرير الاقتصادي تحرير سياسي أيضا.
فمنذ أكثر من عام والمواقع الالكترونية البحرينية تتعرض للحجر من خلال منع عدد غير قليل من مواقع الحوار الالكتروني، كما تقوم هيئة ـ غير معروفة لحد الآن ـ بمنع المواطنين من الدخول على مواقع الكترونية موجودة داخل وخارج البحرين.
القرارات الإدارية التي تتخذها هيئة ما لحجب المواقع الإلكترونية لم تخضع لمساءلة نيابية ولم يستطع أحد الوصول إلى الشخص المسئول لإجراء حوار معه أو لاقتراح وسيلة مقبولة لتنظيم المواقع الالكترونية. وهذا ليس مستغربا، فوزارة الإعلام تتهرب من مسئولياتها في تطبيق قانون الصحافة والنشر، فكيف بتطبيق قرارات إدارية تصدر بصورة ما ومن دون وجود ضوابط معروفة.
بادئ ذي بدء يجب أن نقف ضد أساليب بعض مستخدمي الإنترنت الذين يبثون كلاما غير مسئول لا يفسح المجال لحوار نزيه في كثير من الأحيان. ولكن هذه القلة التي تستخدم الإنترنت لا يمكن أن تكون القاعدة التي على أساسها تقوم الهيئة المجهولة بتطبيق قرارات إدارية ضدها وضد غيرها. والقدرات الشبابية البحرينية لديها تفوق في مجال الإنترنت، والدولة يجب أن تشجع هذه الطاقات بدلا من استعدائها ومحاربتها وتبذير أموال الدولة في مطاردات الكترونية أشبه بأفلام كرتون «توم وجيري».
لاشك ان الإنترنت باعتباره ظاهرة جديدة، بدأت تهز كثيرا من المرتكزات الأساسية التي قامت عليها مفاهيم الدولة الحديثة. فسيادة الدولة تعني أن الدولة لها الحق في ممارسة سلطاتها على كل الشئون الواقعة داخل حدود جغرافية معينة، شريطة ألا تمثل ممارسة تلك السلطات اعتداء على حقوق الإنسان الأساسية. غير أن الوضع يختلف في عصر المعلومات، فالدولة لا تستطيع حماية حدودها من المعلومات الداخلة إلى المجتمع، إذ ان هناك المحطات الفضائية والإنترنت وهي جميعها لا تعترف بأية حدود جغرافية.
والحقيقة أن الدولة الحديثة فقدت الكثير من سيادتها مع عصر العولمة. فكثير من الدول تطبق الآن سياسات تفرضها عليها منظمة التجارة الدولية وكثير من الدول تنصاع لضغوط المنظمات الحقوقية. والإنترنت ووسائل الاتصال الأخرى إنما هي وسائط تداخل مفاهيم العولمة مع مفاهيم سيادة الدولة. فالمنظمات غير الحكومية (كما هو الحال مع منظمات حقوق الإنسان والبيئة وغيرها) لديها القدرة أن تؤثر على السياسة الدولية أكثر من دول قومية كثيرة. وكلما ازدادت حركة الاتصالات والتفاعلات وتبادل المعلومات بين الناس (عبر الحدود) كلما ازداد الوضع تعقيدا، وكلما قلت قدرة الدولة القومية على استخدام وسائل قديمة لمعالجة ظاهرة جديدة. وعلى هذا الأساس فإن المعلومات المرسلة على شبكة الإنترنت بدأت تمثل قلقا لكثير من الدول التي تحاول منع انتشار المعلومات تحت حجة حماية الأمن الوطني أو حماية الأخلاق أو حماية الخصوصية والسمعة.
الإنترنت من جانبه مكّن كثيرا من الناس المحرومين من التعبير عن رأيهم وإبداء وجهات نظرهم بصورة سريعة، ومن دون كلفة تذكر عن أي موضوع سواء بالمعارضة أو الموافقة. وعلى رغم جهود الفريق المخصص من قبل الهيئة المجهولة لمنع المواقع الالكترونية البحرينية، فإن عدد الزائرين لتلك المواقع لم يقل، إضافة إلى أن هناك أكثر من وسيلة لأي شخص يود الوصول إلى تلك المواقع. وبالتالي فإن الهيئة التي تمنع المواقع تحد من انتشار الخبر أو المعلومة إلى جزء من المجتمع ولكن الجزء الذي يهتم بالمعلومات على الإنترنت يستطيع الحصول عليها، وثم توزيعها بواسطة البريد الالكتروني على من يشاء.
المواقع الالكترونية المحجور عليها أصبحت أكثر تطرفا بسبب استعدائها، والمشاركون فيها يتلذذون بالتحدي المطروح أمامهم. وبسبب تلذذهم بالعمل المضاد للحجر المفروض عليهم فإن أثرهم على الأجواء العامة أصبح واضحا. بل ان عددا لا بأس به من المقربين للشأن العام، بما في ذلك جمعيات سياسية لها موقعها النافذ، تخشى من أثر المواقع الالكترونية عليها. وحتى قرار المشاركة أو المقاطعة في الانتخابات النيابية كانت المواقع الالكترونية تتصدر القرار المعارض لأن المشاركين يشعرون بالتحدي ويشعرون بأن هناك من يحاول تهميشهم، وبالتالي أصبحت الكثير من جوانب الحوار إنما هي لإثبات الذات.
على أن إمكان استمرار الدولة في دورها ليس مضمونا إذا كانت السوق تتجه إلى التحرير. فالقرار الإداري حاليا يتخذ بغض النظر عن الاعتبارات الاقتصادية والقانونية، ذلك لأن الوزير لديه صلاحيات عليا في البحرين ويستطيع ان يفعل ما يشاء من دون وجود مساءلة فعالة لما يقوم به في هذا المجال أو ذاك. ولكن إذا تحررت السوق فإن الشركة الخاصة (غير المملوكة للدولة) لديها حساباتها التجارية، وستطلب من الوزير أن يقدم التبرير القانوني لممارسة حجب المواقع. وحتى لو انتصر وزير الإعلام أو أي وزير آخر يقوم بالحجب الحالي على الشركة الخاصة المستقبلية، فإنه على المدى البعيد لن يستطيع إيقاف شركات تعمل في دبي أو دول أخرى والتي تستطيع تقديم الخدمة بأسعار ليست غالية، وخصوصا مع ازدياد التنافس في سوق الاتصالات واستمرار رخص المكالمات الدولية. فليس بعيدا أن تقوم إحدى الشركات خلال الخمس سنوات المقبلة بتقديم خدمة أرخص، أو بأسعار مقبولة، من خارج حدود البحرين. فتلك هي العولمة التي نتحرك باستمرار باتجاه تعزيزها. وحينها لن يستطيع وزير الإعلام أو أي مسئول آخر حجب المواقع الالكترونية. إن من الأفضل صوغ ضوابط علنية والعمل بها مع أصحاب المواقع بدلا من الاستمرار في استعدائهم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 237 - الأربعاء 30 أبريل 2003م الموافق 27 صفر 1424هـ