العدد 237 - الأربعاء 30 أبريل 2003م الموافق 27 صفر 1424هـ

حصاد 2002 محاولة توثيقية مبدعة

الوسط - حسام أبوأصبع 

تحديث: 12 مايو 2017

أقل ما يمكن قوله عن كتاب «حصاد 2002» أنه يمثل جهدا كبيرا في رصد الفعاليات الثقافية التي شهدتها البلاد خلال السنة الماضية. وهو يعد تقليدا حميدا، يأتي في سياق استكمال مشروع بدأ صغيرا قبل سنوات، وشهد خلال تلك السنوات تطورا ملحوظا في سبيل العناية برصد مجريات الفعاليات الثقافية، وأهم الالتماعات التي قدمت خلال موسم كامل، وأبرز الجهود والعطاءات التي أدلت بدلوها، وقدمت جهدا واجتهادا فارقا، وأسهمت في مراكمة التجربة والخبرة على صعيد الآداب أو الفنون كافة.

إن عامل الخبرة والاستمرارية بدا واضحا هذه المرة، وبدأ يؤتي أكله ثمارا يانعة، ومضى القائمون على هذا المشروع خصوصا الزميلين علي القميش وحسين مرهون، في محاولة الإتيان بصيغة توفيقية تجمع بين بعض موجبات الرصد والتوثيق من جهة، والانطلاق في محاولة جعل الإصدار أكثر دينامية لجهة استقطاب الدراسات والمقالات الشاهدة على الحدث والفعل، أو المتفاعلة معه، أو التي تخلق حدثها بذاته، ذات الإيحاء بحركية ما شهدتها الساحة خلال موسم مضى. لكن هذا يقود بطبيعة الحال إلى بذر علامات استفهام كثيرة، وزرع إشكالات يصعب القفز عليها، ويستحيل تبريرها لمن كان ينتظر من هذا الإصدار بروز اسمه أو التنويه بما قام به...

فحصاد 2002 أراد له أصحابه أن يكون فتحا على فضاءات أرحب من مجرد معالجة اية فعالية كانت بطريقة تقليدية، لكن هذا الفتح أو ذلك القفز لم يتم بعد سبر الأصل أو الأساس بما قد يوحي بأن هذا المعمار الجميل، والبناء الجذاب معلق في الهواء، دون حماية حقيقية من أرضية صلبة تتحمل بدورها حجج الباحثين عن ثغرات ممن يدعون أنهم وحدهم من ملاك الرؤى والتصورات، والذين لا يرون في أي شيء سوى قبح مستوطن، واستهداف مقصود، يروم تنزيل أي جهد إلى درك مجدب.

كتاب الحصاد في نسخته الثالثة على رغم من كونه يبهر متصفحه لأول وهلة شكلا وحجما ومضمونا، إلا أنه بعد قليل من التمهل والتريث، وبشيء من التأمل يكتشف أنه أمام سفر غني، يجمع بين دفتيه أبرز الفعاليات والحواث التي جرت بتفاصيلها ودقائقها - ليس كلها بطبيعة الحال - ومن أمثلة ذلك الملف الذي خصص لمحمد أركون، وينخرط في السياق نفسه الملف الذي أعده عباس يوسف حول الفن التشكيلي خلال عام، كما يجد السلوى والمؤانسة في ملف الحوارات الذي ضم لفيفا من الحوارات الشائقة مع أسماء مهمة لها تجاربها ممن حطت رحالها عندنا، وغير ذلك الكثير.

إن هذه الخطوة وسأسميها تجاوزا - الطفرة على صعيد العمل التوثيقي المحلي - لهي خطوة حميدة في مراميها، وذات وجاهة في مساعيها، تستحق فيما تستحق إرسال برقيات الشكر على هذا الجهد الشبابي الذي تحمله نفر من شبابنا المثقف بدأب وصبر وأناة، إلا أنها تجعل من تصفح هذا المجلد الضخم 736 صفحة، كلما استرسل المرء منا في التقليب والقراءة يتساءل، هل تمت التضحية فعلا بالجانب التوثيقي لمصلحة انتزاع بعض المقالات من هنا أو هناك والزج بها في هذا الإصدار؟! ليست في ذهني بطبيعة الحال صورة واضحة بشأن الصيغة المثلى، أو الأنموذج الذي ينبغي أن يحتذى، إدراكا مني بصعوبة هذا المنجز، وتعقيداته التي تستبطن خطورة لدى الآخر/ الآخرين. بسبب تجاوز فضاءه حدود المؤسسة الواحدة، بل ان هذا العمل يستهدف المؤسسات والجهات والأفراد والملاحق والإصدارات كافة، خلال فترة زمنية متطاولة، يصعب فعلا السيطرة عليها بمجموعها.

ولكن يبدو أن الكتاب يسير على غير نهج، أو خطة محكمة تم رسمها بحرفية عالية قبل الشروع في الإعداد له، خطة محكمة أعني بها استراتيجية واضحة تضع في حسبانها كل الأسئلة الممكنة، أو المتوقعة التي سيسألها القارئ قبل وأو أثناء عملية القراءة والمتابعة. إن التوثيق كما أفهمه هو الأصل، والتعليق ثانيا، والمقارنة ثالثا، واستصدار حكم قيمة يأتي في الرتبة الرابعة، أما إعادة النشر، وهو ما قد يشي على الأقل بالنسبة لكاتب السطور أن ثمة استعلاء أو استسهال مضمر أ و واضح من تجاوز هذا الشق المهم، والتعويل على المختارات المنتقاة والتي لا تعني بالضرورة أن هذا المقال الذي كتب عن الكتاب كذا هو الأكثر إحاطة وشمولية ووصولا إلى الميكانزمات الحقيقية في العمل، أو أن هذه المقابلة مع المثقف كذا هي الأكثر وجاهة من بين كل ما نشر. وشخصيا كنت أود أن أرى بوضوح أكبر بصمات العاملين في هذا الإصدار على مستوى المناقشة والتداول بشأن ما حمله هذا الموسم الثقافي، وبسط الحديث عن نقاط التميز في كل باب من الأبواب، أو حتى نقد التوجهات والاتجاهات التي يسعى البعض لتكريسها، وخصوصا وأن الشباب أصحاب هذا المشروع تتوافر فيهم خاصية امتلاك الرؤى النقدية، والأدوات اللازمة لتفعيل هذه الجوانب، على نحو يفض الالتباسات الماثلة.

وقد يفهم البعض مما تقدم أنني أردت بهذه السطور التقليل من الجهد الكبير المبذول، وأن هذه القراءة العجلى مجرد تلبث عند هذا السقف... والأمر ليس كذلك، فهذه القراءة ليست مصادرة بل هي قراءة أمل لا يحده سقف، هي سعي - مجرد سعي - إلى أن نقرأ في المرات التالية في قابل الأيام عملا أو رصدا يحمل لافتاته الإرشادية، ويضم خرائط واضحة تدل القارئ وترشد خطواته، وتعمل في حسبانها قبل الشروع في تكرار التجربة من السيطرة على أفق التوقعات ولو بنسبة معقولة. فنحن ندرك تماما صعوبة الشرط الثقافي ووعورة تضاريسه، بل واستحالته أحيانا، لأن أولئك الذين يحرثون في هذا المجال ليسوا من ملاك عصا موسى، بقدر ما تحدوهم المغامرة في تقديم إضاءات ومشاكسات أحيانا.

أخيرا، قد يخرج قارئ هذا الحصاد بانطباع طفر لي شخصيا بعد إتمام القراءة، أنه لو تم الاستغناء عن كل المادة التوثيقية، وتم إسقاط المعلومات السريعة المقتضبة لربما كان العمل يحمل مشروعية أكبر، وذلك بديباجات معينة، وبتبويب مختلف، أعتقد - مرة أخرى - أنه لو تم ما اقترحت وتصورت فسيكون الحصاد أهم مطبوعة دورية تصدر في البحرين. ومع هذا فالكتاب يعكس صورة معينة، ولنسمها صورة دبلوماسية لمجمل ما دار عندنا خلال الموسم الماضي. كما يؤمن الكتاب لقارئه تصورا شاملا عن الجهات النشطة والفاعلة، ويلقي الضوء على أصحاب الجهود اللافتة، مع العلم أن أسماء أخرى بذلت كثيرا لكنها لم تحظ بالتغطية التي تستحق.

حصاد 2002. علي القميش، حسين مرهون، عباس يوسف، كمال الذيب. المنامة: مؤسسة الأيام للصحافة والنشر والتوزيع، 2003 م، 736 صفحة من القطع الكبير





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً