العدد 236 - الثلثاء 29 أبريل 2003م الموافق 26 صفر 1424هـ

ألمانيا تتراجع وتنظم حساباتها تجاه الأزمة العراقية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

هذه المرة اختارت ألمانيا التزام الحياد وعدم زج نفسها في المناقشات الدائرة حول مسألة رفع العقوبات عن العراق. بعد موقفها الرافض للحرب لم تشعر ألمانيا حتى الآن بالنتائج المدمرة لموقفها بمعنى أن الولايات المتحدة لم تتخذ إجراءات رادعة لمعاقبة ألمانيا على موقفها. أصبحت برلين تتعامل بصمت مع الأزمة العراقية وأوعزت إلى السفير الألماني المعتمد لدى هيئة الأمم المتحدة، غونتر بلويغر، الامتناع عن الإدلاء بتصريحات من شأنها الإيحاء بأن ألمانيا مازالت في صف مناهضي سياسة الولايات المتحدة. إن ألمانيا بوصفها عضوا مؤقتا في مجلس الامن الدولي تتجنب الحديث عن موقف معين تجاه مسألة رفع العقوبات وتفضل انتظار تبلور الأمور كي تعلن موقفها وذلك على العكس من موقف البلدين المناهضين للحرب: فرنسا وروسيا.

الموقف الفرنسي اصبح قريبا من موقف واشنطن التي تؤيد الآن رفع العقوبات المفروضة منذ العام 1991 على العراق بينما تشترط روسيا الموافقة على هذا الأمر إذا تم السماح بعودة المفتشين الدوليين إلى العراق، في الوقت نفسه أوحت روسيا بأنها مستعدة لقبول حل وسط في هذه المسألة. غير أن الحكومة الألمانية تحتفظ لنفسها بالحلول المطروحة كافة وهكذا بدا واضحا أنها ابتعدت عن تأييد الموقف الروسي وكذلك الموقف الفرنسي. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية: «هناك تعاطف ألماني مع المقترحات المفيدة كافة لكن ينبغي أولا أن تتفق الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي على موقف مشترك حتى تتمكن ألمانيا من اعلان موقفها».

وقد توقف المستشار الألماني جيرهارد شرودر عن التسرع باتخاذ موقف بصدد الأزمة العراقية كما سبق وأن فعل ذلك بعد وقت قصير عند احتدام الأزمة العراقية حين أعلن في كلمة ألقاها أمام مؤيديه في بلدة (غوسلار) معارضته لعمل عسكري ضد العراق وأن ألمانيا ستعارض قرارا دوليا إذا كان يدعو إلى شن حرب على العراق. ويشير مراقبون في برلين إلى أن ألمانيا تريد التخلي في مرحلة بعد الحرب عن التسرع بإعلان آرائها بصدد مرحلة ما بعد الحرب والتعامل مع الأزمة العراقية بسياسة أكثر براغماتية على أن يكون هدف سياستها تجاه الأزمة العراقية إعادة تعمير العراق تحت إشراف الأمم المتحدة.

يرجع الموقف الألماني الجديد إلى كون ألمانيا ترأس حاليا لجنة العقوبات المفروضة على العراق التي شكلها مجلس الأمن الدولي وتشرف على مراقبة الواردات العراقية ضمن برنامج (النفط مقابل الغذاء)، ما يجعلها تستعد لمواجهة عمل مضن يفرض عليها عدم الانجرار في المناقشات السياسية الدائرة حول مسألة رفع العقوبات ويبدو أنها قررت التخلي عن إطلاق الشعارات السياسية.

تقول برلين إن الوقت حان للعمل المفيد وليس للمساجلات السياسية وتجد أنه ينبغي البدء بتذليل العراقيل القانونية والعملية قبل اتخاذ قرار رفع العقوبات عن العراق. وتشير إلى أن الأولوية هي تقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى العراق وتشجيع عودة منظمات المساعدة الدولية. وكانت الحكومة الألمانية قد رصدت مبلغ 40 مليون يورو بصفة مساعدات عاجلة للعراق تم توزيع 8,3 ملايين منها حتى الآن. تقول برلين إنها تراقب باهتمام المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة في إعادة بناء العراق وحفظ النظام العام في مدنه وتعتقد بأن الوضع داخل العراق محفوف بالمخاطر على رغم الانتصار العسكري الذي حققه الحلفاء على نظام الرئيس السابق صدام حسين.

فيما بدأت الحكومة الألمانية تتحفظ على سياستها تجاه الأزمة العراقية والأطراف المعنية بها، يستمر النقاش في ألمانيا أيضا على مستوى خبراء القانون الدولي والمستشارين السياسيين بشأن مرحلة ما بعد الحرب والاحتمالات المقبلة وانعكاسات الحرب التي بدأت تنجلي تدريجيا على الأصعدة كافة وبصورة خاصة على دور هيئة الأمم المتحدة التي فشلت في وقف الولايات المتحدة وبريطانيا عن استخدام القوة العسكرية للإطاحة بالنظام العراقي، وضد رغبة غالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وهذه صفعة قوية بوجه مجلس الأمن الدولي كما يقول خبراء في القانون الدولي وأساتذة باحثون في النزاعات الدولية. ويرى مدير مؤسسة بحوث السلام والسياسة الأمنية في جامعة هامبورغ، هانز يواخيم غيسمان، إن الدور الذي سيقوم به مجلس الأمن الدولي بعد نهاية الحرب سيقرر مستقبل الأمم المتحدة باعتبارها منظمة دولية تعمل في حفظ السلام والأمن والاستقرار في العالم وحماية حقوق الدول وشعوبها. وأكد غيسمان أنه من الضروري العمل فورا على تحقيق إصلاحات في مؤسسات الأمم المتحدة كي لا يحل مبدأ القوة مكان مبدأ القانون. واعتبر غيسمان أن فشل الأمم المتحدة في الأزمة العراقية حصل لأنها لم تفلح في دفع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إلى الاتفاق على موقف مشترك وللمرة الأولى في تاريخ الهيئة الدولية حصلت حالة فريدة من نوعها، بقيام دولتين بحرب ضد رغبة الغالبية في مجلس الأمن الدولي وضد رغبة الدول التي تملك حق استخدام الفيتو.

ويعرب باحث في قضايا السلام في جامعة بوخوم، هورست فيشر، عن قلقه العميق لأن في الإدارة الأميركية مسئولون يشككون في حق الأمم المتحدة في البقاء. ويرى فيشر فرصة الأمم المتحدة للتعويض عن هزيمتها المعنوية بتولي إدارة أمور العراق والإشراف على عملية إعادة تعميره وبناء نظام سياسي. ويحذر زميله غيسمان من خطر تحول الأمم المتحدة إلى منظمة دولية تقوم بغسيل الغسيل الوسخ للحرب وتحصر مهماتها في توزيع الحليب المجفف والدقيق على المواطنين ما سيفقدها أهميتها.

بينما ينظر فيشر نظرة متشائمة إلى مستقبل الهيئة الدولية، يجد مدير قسم بحوث السياسة الأمنية التابع لجامعة زوريخ، أندرياس فينغر، أن الأمم المتحدة تملك فرصة قوية في الحصول على دور رئيسي في بناء عراق جديد ويقول إن الولايات المتحدة ستجد نفسها في نهاية المطاف مضطرة إلى الاستعانة بخبرة الأمم المتحدة لأنه في منطقة الشرق الأوسط هناك جو عام مناهض بقوة للولايات المتحدة. إنه الوضع الذي لا يستطيع الصقور في واشنطن تغييره على رغم أنهم تجاهلوا دور الهيئة الدولية تماما في حسابات الحرب. يجد غيسمان في المقابل الأزمة العراقية بمثابة (إنذار أخير) للأمم المتحدة كي تمضي في إصلاح مؤسساتها. وأوضح غيسمان أن الهيئة الدولية فشلت في التصرف كقوة موحدة لأن ميثاقها لا يتضمن منع وقوع حروب كلاسيكية بين الدول، وأضاف: هناك مخاطر أمنية جديدة اليوم وينبغي على الأمم المتحدة وضع أطر قانونية لمواجهة هذه المخاطر وإلا ستخسر الأمم المتحدة وزنها في العالم.

من جهة أخرى دعا المفوض الأوروبي السابق للبوسنة والهرسك هانز كوشنيك إلى إجراء انتخابات حرة في العراق بعد عام أو عامين لأنه من دون بنية ديمقراطية حقيقية وقيام مجتمع مدني فعال لن تنجح عملية نشر الديمقراطية. وأوضح كوشنيك أنه يجب العمل في هذه المهمة من الأسفل، من خلال تعلم المواطنين في القرى والمدن المشاركة في صنع القرارات والاستعداد لتحمل المسئوليات المحلية. وقال كوشنيك إنه يجب السعي أولا إلى إجراء انتخابات على صعيد المحافظات والمناطق أولا، ثم توسيعها على نطاق البلاد عموما. وأشار إلى أنه ينبغي على العراقيين قبول مسعى الولايات المتحدة رلى تعيين حكومة ليست منتخبة ديمقراطيا لأن إجراء انتخابات في الوقت الجاري سيعطي المتشددين فرصة للوصول إلى السلطة. وأعرب كوشنيك عن أمله في أن تتحاور الولايات المتحدة مع الأمم المتحدة لأن الهيئة الدولية الطرف المحايد الوحيد في الأزمة وستجد قبولا عند العراقيين وكذلك عند جيران العراق، بينما ينظر الشعب العراقي ومعه شعوب المنطقة إلى الأميركيين على أنهم جنود احتلال. واختتم تصريحاته بدعوة الولايات المتحدة إلى العمل على فرض الأمن وتأمين مياه الشرب النظيفة للمواطنين وتعيين إدارة مدنية وفتح حدود العراق أمام مساعدات إنسانية من أنحاء العالم كي تجد طريقها إلى المواطنين المنكوبين بأسرع وقت

العدد 236 - الثلثاء 29 أبريل 2003م الموافق 26 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً