لم تكن الاختبارات الفصلية السابقة التي مرت بها جامعة الدول العربية، خلال الثلاثة العقود الماضية، بعيدة عن نتيجة الاختبار النهائي لهذه الشراكة العربية التي أنشئت من اجل احتواء أي أزمة كانت في أي دولة عربية، وحسم أي خلاف سياسي بين أعضائها أو أي تدخل خارجي موجه ضد الأمة.
الجامعة العربية سجلت إخفاقات كبيرة بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر فاعتبرها كثيرون أنها أصبحت أثرا بعد عين، يتزاورها رؤساء الدول العربية كلما استدعت الظروف لإقامة أحد المهرجانات الخطابية، تلقى خلاله البيانات ويتم تصوير الحدث وعرضه على الجمهور وينتهي بعد ذلك كل شيء. كما ان الأزمة العراقية الكويتية كشفت عن هشاشة التماسك العربي، إذ وضعت تلك الأزمة جميع أعمال الجامعة، ورؤساء الدول، على محك الاختبار في عدم القدرة على إظهار الحنكة السياسية المطلوبة لتجاوز الأزمة. لم يتقدم أحد خلال الاثنتي عشرة سنة التي تلت الغزو العراقي للكويت، وبذلك تم ضمنيا إشهار الإفلاس السياسي للجامعة، تاركا بوابة التدخل الخارجي مفتوحة على مصراعيها، وهو الشيء الذي كانت تنظره وتتمناه كثير من الذئاب الجائعة والطامعة في خيرات المنطقة. وبما ان الحكومة العراقية الغازية في ذلك الوقت كانت هزيلة اقتصاديا، والحكومة الكويتية هي الدولة السمينة، عوت كل الذئاب نحو دولة الكويت لافتراس ما يسد جوعها الاقتصادي من الأرصدة الكويتية. وفي ظل العجز العربي الكامل والإفلاس السياسي لجامعة الدول العربية، لم تجد حكومة الكويت طريقا آخر لاسترداد شرعيتها سوى اللجوء الى تلك الذئاب الجائعة والتي استهوتها الوجبة الدسمة المقدمة لها من جميع دول الخليج العربي، في شكل بوفيه من أرصدة مالية وقواعد عسكرية بحرية وجوية، مقابل القيام بعملية الهجوم على جمهورية العراق لتحرير دولة الكويت.
ثلاث وثلاثون دولة نادت وقامت على مدى 40 يوما بقصف متواصل على العراق، بقصد شل حركته فقط، ريثما يتم لهم ابتلاع الأرصدة العربية أولا. ثم الالتفات لقضم العراق المشلول والمعلول من جراء الحصار الشامل قطعة قطعة الى ان يتم الاجهاز عليه تماما كما حدث في الأيام الماضية.
والآن وبعد ان دخلت هذه الذئاب دارنا فإن لم تخرج من منطقتنا، أو يبعدها من أتى بها الى هذه المنطقة فلسوف، كالآفة، تقضم كل شيء حولها الى ان يأتي الدور علينا جمعيا. ألا يرى ولاة الأمر ما يحدث حولهم للمسلمين فقط من دون غيرهم، بفلسطين والشيشان وأفغانستان والعراق، وتذبح الأنفس ويدمر الحرث والنسل ولا يكترث أحد بذلك. قال تعالى في محكم كتابه الكريم «إنها لا تعمى الأبصار لكن تعمى القلوب التي في الصدور». نعم إنهم يرون ما يحدث والمآسي التي تقترفها تلك الذئاب، إلا أن حاسة النظر لم تعد تحرك نخوة أحد ولم يعد لرؤية المآسي أي تأثير على السلوك السياسي، إنما ينقادون لأحاسيس القلب الذي تملكه الخوف وهوى النفس الأمارة بالسوء إن هي فلتت عن مخافة الله. نعم ان الأحاسيس التي ينبض بها القلب تجاه بواطن العقل هي الموجه الحقيقي للإنسان فالله سبحانه وتعالى لم نشاهده بالعين لكن عندما اعتمر القلب بالإيمان بالعقل عرفناه، فوجب طاعته على نعمه. وبالمقابل نرى كثيرا من أولي الأمر في بلدان العالم يحكمون إلا ان طاعة ومحبة شعوبهم لهم قد غابت عنهم إلى غيرهم، لكون الأحاسيس التي تنبض بها قلوبهم لا تقبل ما يقومون به من الاستئثار لأنفسهم على حساب الإيثار لغيرهم والنتيجة واضحة بالعراق وضوح شمس الضحى بعز الصيف استبدال ولي أمر بآخر ولكن في هذه المرة من نوع آخر لا نعرفه ولا يعرفنا ولا تربطنا به صلة ولا قرابة وليس من ملتنا، حاكم كامل الخبث والكفر لا يدين للإسلام بشيء، فرض من بعيد حارسا قضائيا لتصفية معقل من معاقل الإسلام.
فهكذا وبسبب إفلاسنا السياسي صودرت منا بعض دولنا الإسلامية
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ