عندما تدخل جلالة الملك مباشرة في 24 سبتمبر/أيلول الماضي وأمر بتشكيل اتحاد النقابات العمالية في البحرين، وصدرت على اثر ذلك التشريعات الخاصة بالنقابات العمالية، لم يصدق كثير منا السرعة التي تحققت من خلالها آمال كثير من الناشطين السياسيين. فالبحرينيون طالبوا بنقابات عمالية منذ العام 1938، وقدموا الكثير من التضحيات من أجل ذلك. ولذلك فإن فرحتنا كانت في محلها، ولكن متابعة ما جرى بعد ذلك عكر مزاج الناشطين في مجال حقوق العمال وحقوق الإنسان لعدة أسباب.
القانون الذين صدر في سبتمبر الماضي لا يتماشى واتفاقين دوليين صادرين عن منظمة العمل الدولية في العام 1987 والعام 1998. الأول يخص الحريات النقابية، والثاني يخص حق المفاوضة الجماعية والإضراب وغيرها. ولأن الحكومة لم توقع الاتفاقين فإنها أصدرت قانونا (قبيل بدء البرلمان) لا يعطي الحق للاتحاد العام لعمال البحرين في التفاوض الجماعي، لأنه لا يعترف بحق الإضراب، كما انه لا يوضح مفهوم الحريات النقابية كما هو منصوص عليه في الاتفاقات الدولية.
ولذلك فإن العقبات بدأت تظهر الواحدة تلو الأخرى. بداية، أصدر ديوان الخدمة المدنية قانونا يمنع موظفي القطاع الحكومي من تشكيل نقابات خاصة بهم للانضمام إليها، وبذلك حرمهم من الانضمام إلى الاتحاد العام لعمال البحرين. والمادة العاشرة من القانون الخاص بالنقابات العمالية مطاطة، ولذلك لجأ ديوان الخدمة المدنية إلى تفسير يمنع تشكيل النقابات، وعندما احتج الموظفون والعمال، قيل لهم إن القانون لا يسمح بالتشكيل في القطاع الحكومي، ولكنه يسمح بالانضمام. ولكن هناك تناقض واضح في هذا المجال، فالاتحاد العام يتكون من عضوية نقابات تتشكل في كل مؤسسة، ولا يمكن الانتماء إلى الاتحاد بصورة مباشرة. فكيف سينتمي الموظف والعامل في الوزارات إلى الاتحاد؟ هل يتقدم إلى نقابة تابعة لشركة معينة لتدافع عن عمال وزارة ما؟ وهل هذا صحيح؟
ثم جاءت العقبة الثانية عندما اكتشفت الفعاليات النقابية ان دورها في الحوار مع إدارة شركة الاتصالات (بتلكو) ليست له صفة الزامية من الناحية القانونية، ذلك لأن القانون لا يتحدث عن حق إضراب، ولا عن حق المفاوضة الجماعية الذي يلازم حق الإضراب.
وإذا انتقلنا من العمال والموظفين ـ الذين من المفترض أن الاتحاد العام لعمال البحرين يمثلهم ـ إلى المهنيين الذين ينتمون إلى جمعيات مثل: المهندسين، الأطباء، المحامين، فإن المشكلة أكبر. فبادئ ذي بدء لا يوجد قانون أساسا في هذا المجال، وقد كان هناك اقتراح بقانون وافقت عليه الجمعيات المهنية، ولكن وزارة العمل قامت بصوغ اقتراح آخر يفرغ العمل النقابي من محتواه، لأنه لا يعطي الحق لهذه الجمعيات المهنية في تنظيم المهنة أو الحق في التفاوض الجماعي أو أي صفة ملازمة للعمل النقابي الذي تنص عليه الاتفاقات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية.
منظمة العمل الدولية ترى أن العمل اللائق هو العمل المنتج الذي تكون فيه الحقوق محمية، والذي يدرّ دخلا كافيا مع توافر حماية اجتماعية كافية. والعمل اللائق هو الذي تتوافر فيه للجميع الإمكانية المتساوية للوصول إلى فرص كسب الدخل الذي يفتح الطريق أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية، دون النيل من حقوق العمال والمعايير الاجتماعية.
وعلى هذا الأساس فإن النقابات تلعب دورها المهم في حماية حقوق العاملين سواء كانوا عمالا أو موظفين أو مهنيين أو محترفين، فالجميع بحاجة إلى الاطمئنان على ان حقوقهم مصونة. والنقابات لم تكن في يوم من الأيام عقبة أمام التطور الاقتصادي لأي بلد، بدليل أن جميع البلدان المتطورة لديها نقابات عمالية ومهنية قوية، ولم يمنع وجودها عملية التطور والتنمية، بل على العكس من ذلك، فبسبب وجود قوة عمل تشعر بالاطمئنان انه لها من يدافع عنها تجد الإنتاجية تتصاعد باستمرار. ثم إن انعدام وجود نقابات على مستوى مقبول إنما يدفع باتجاه العبودية، والعبودية لم تحقق ولا يمكن أن تحقق خيرا لأحد.
إن الحادي من مايو/أيار المقبل سيكون أول مرة تحتفل فيها البحرين بصورة رسمية وعلى مستوى مختلف بعيد العمال العالمي. وهذا الاحتفال ينبغي أن يبشر الجميع بأنه أكثر من مظهر، وينبغي أن تسارع الحكومة في التوقيع على الاتفاقين الدوليين الصادرين عن منظمة العمل الدولية، وينبغي أن يباشر «النواب» (لكي يكون لهم دور محمود) باقتراح تعديل القانون، ليتماشى مع الضوابط الدولية ومع تطلعات شعب البحرين.
كما ينبغي على « النواب» أن يتحدثوا إلى أعضاء جمعيات المهندسين والمحامين والأطباء، ويأخذوا مقترحاتهم التي أبدوها للحكومة والتي عرضوها على القيادة السياسية، ومن ثم التقدم باقتراح بقانون يخص النقابات المهنية يعطي الحق لهذه النقابات في تنظيم المهنة، وفي ممارسة دور النقابة كما هو منصوص عليه دوليا.
نحتفل بعيد العمال العالمي بإذن الله ونحن متطلعون إلى تعديل القانون الخاص بالاتحادات العمالية ومتطلعون لإصدار قانون متكامل للنقابات المهنية. وأملنا ألا يتحول الأمر إلى مساجلة كما حصل مع قانون الصحافة الذي كانت إحدى لجان تفعيل الميثاق برئاسة سمو ولي العهد قد اقترحت مبادئ قانون رفيع المستوى له، إلا أن وزارة الإعلام تجاهلت كل اقتراحات لجنة تفعيل الميثاق وأصدرت قانون «أمن الدولة» من الباب الخلفي، وبعد ذلك ماطلت في تنفيذ ارشادات سمو رئيس الوزراء بتعديل ذلك القانون الجائر
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ