العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ

ماذا يبقى من الدكتاتور؟

ماذا يبقى من الدكتاتور؟ سؤال يثيره الاختفاء غير المفسر لحاكم العراق الأخير صدام حسين، وهو اختفاء تلفه الأسئلة، التي لاتقل أهمية عن أسئلة كانت تحيط بصدام حسين عندما كان رئيسا للعراق... والفرق بين هذه الأسئلة وتلك، أن أسئلة العراق الراهن، تطرح علنا، فيما كانت الأسئلة في السابق، تدور همسا، هذا إذا خطرت ببال العراقيين وزوار العراق.

وحالة اختفاء صدام حسين وما رافقها من تطورات العدوان الاميركي - البريطاني على العراق، كشفت الكثير مما خلفه الدكتاتور للعراقيين وبلدهم، يختصره وقوع العراق تحت الاحتلال الاميركي - البريطاني، مترافقا مع دمار وخراب عام، يشمل مقتل وجرح وتشريد مئات آلاف العراقيين، وتدمير ممتلكات خاصة وعامة بينها الأهم في البنى التحتية للدولة والمجتمع، باستثناء ما أصاب روح العراقيين من أضرار، كشفت بعضها حشود من الرعاع واللصوص الذين اقتحموا مؤسسات عامة فنهبوا ودمروا محتوياتها غير عابئين بما تمثله من أهمية وحضور في تاريخ وحضارة واحتياجات العراق.

ومثل تلك الكارثة، خلف الدكتاتور للعراق إرثا من نتائج حرب سنوات طويلة مع إيران، ونتائج حرب أخرى على الكويت، وكل منها كلفت العراقيين الكثير، وستظل تثقل مستقبل أجيالهم لعقود طويلة، وتفرض ظلالها على علاقاتهم الداخلية والعربية والدولية.

وباستثناء مخلفات الدكتاتور، التي تندرج في إطار المخلفات السياسية والاقتصادية وغيرها، فقد خلف الدكتاتور للعراقيين صورة شخصية فجة للحاكم الذي تولى شئونهم على مدار نحو عقدين ونصف من السنوات، تشبه إلى حد بعيد صور أعتى دكاتوريي العالم المعروفين، أمثال ماركوس الفلبين، وشاه إيران، وتشاوشيسكو رومانيا، وعيدي أمين اوغندة، وبوكاسا امبراطور افريقيا الوسطى وغيرهم ممن خلفوا بقايا، تكشف بشاعة عهدهم، وحبهم لذاتهم على حساب شعوبهم.

لقد خلف صدام حسين في العراق تماثيلا شخصية له يصل عددها إلى نحو أربعة آلاف تمثال، تتوزع في شوارع وساحات المدن العراقية، وترك لهم نحو ستين من القصور الباذخة في مدن بغداد والبصرة والموصل وكركوك وتكريت، كلفت العراق ثروات طائلة، وبعض تلك القصور، لم تستخدم إلا على نطاق ضيق، وخصوصا سبعة قصور، تم بناؤها في سنوات الحصار الدولي المفروض على العراق بعد حرب الخليج الثانية، فيما كان الشعب العراقي يتضور جوعا ويموت أطفاله لنقص الغذاء والدواء.

والقصور الرئاسية العراقية، ليست مثيرة في عددها وتوزعها، بل هي أكثر إثارة في مساحاتها وبذخها الظاهر والداخل وفي محتوياتها طبقا لما جرى الكشف عنه أخيرا، مما رسخ صورة لها، يختصرها قول، إنها تجسيد عصري لقصور ألف ليلة وليلة الاسطورية.

وماخلفه صدام حسين للعراقيين، يشبه في بعض تفاصيله ما خلفه دكتاتوريون آخرون في العالم. فقد ترك دكتاتور جمهورية يوغسلافيا الراحل جوزيف بروز تيتو قرية سرية من ثلاثة أجزاء، تضم تحت أعماق الأرض إحدى عشرة عمارة، استغرق بناؤها أكثر من ربع قرن من السنوات، بكلفة زادت على أربعة مليارات دولار، صممت لحماية الرئيس وبطانته من تبعات حرب نووية، ولم يزرها تيتو في حياته لـ «الحفاظ على سريتها».

وإلى جانب القرية، خلف تيتو قصورا رئاسية فخمة، وسيارات فاخرة، ودراجات نارية، كشفت بعضا من حياة البذخ التي عاشها دكتاتور يوغسلافيا السابق، فيما كان شعبه يعيش حياة متواضعة في ظل نظام شمولي شديد القسوة.

والكلام عن الدكتاتوريين الراحلين أو المتوارين، ينبغي الا يتجاوز القائمين منهم على السلطة، ممن يحكمون بلدانا وشعوبا، تتزايد معاناتها مع استمرار وجودهم على رأس سلطات شمولية، وهو أمر ينطبق على عدد من القادة في العالم المعاصر وبينهم رئيس تركمانستان صابر مراد نيازوف المولع بمديح نفسه والذي يدير نظاما فاسدا، يقوم على القمع وسط تحديات داخلية وخارجية شديدة القسوة، تدفع نحو انهيار الدولة وتفككها بسبب الصراع مع المعارضة الموزعة بين الداخل والمنافي، وتردي أوضاع الجيش وجهاز الاستخبارات في ظل حملة تطهير دموية طالتهما، وإنشاء «الحرس الجمهوري» المضمون الولاء للرئيس نيازوف.

وعلى رغم أن تركمانستان، تملك احتياطات هائلة من النفط والغاز، فان الفقر والبطالة، وتردي النظام الصحي والتعليمي، هي المعالم الأبرز في حياة سكان البلاد، فيما تذهب عائدات النفط والغاز لحساب الدكتاتور وبطانته لتصرف في شئون شكلية، أو يجري اختزانها في حسابات مصرفية على نحو ما يفعل رؤوس ورموز الأنظمة الدكتاتورية في العالم.

عندما يرحل الدكتاتور، لا يخلف لشعبه ودولته سوى البقايا، التي تكاد تكون من دون قيمة حقيقية، وقد يخلف لهم كوارث، تمثل وربما تزيد عن تلك التي ظهرت في خلال حياته، ذلك ان السلطة المطلقة، هي مفسدة مطلقة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً