العدد 235 - الإثنين 28 أبريل 2003م الموافق 25 صفر 1424هـ

ألم يحفل المسرح في تاريخه الطويل بقيم تلتقي مع مقاصد الشريعة؟!

في غربال الأسلمة

القطيف - أثير السادة 

تحديث: 12 مايو 2017

على غرار الدعوات والمحاولات الكثيرة التي نادت بأسلمة العلوم والمعارف الإنسانية على اختلافها، نمت في الأوساط الإسلامية نزعة باتجاه إيجاد صيغ فنية إسلامية، بمعنى إعادة إنتاج مفاهيم واتجاهات فنية تنبثق من رؤى الدين وثوابته.

وكان الحافز لهذه المحاولات والمساعي هو ذلك الاعتقاد بوجود رباط وثيق بين كل منتج ثقافي والنظام المعرفي المنتج له، بمعنى أن الأفكار الغربية في شتى أنواع المعرفة ليست بمعزل عن نسقها القيمي وإطارها الحضاري الذي قد لا ينسجم ومناخ المعرفة الدينية وحقائقها، وان محاولة اقتطاعها من تلك الدائرة قد لا تنتج الأثر ذاته، أو تترتب عليها آثار سلبية، تتهدد الفكر الديني أو تقوض من أساساته.

في الاتجاه ذاته، يمكن القول بأن الفن بألوانه المتعددة خضع في الدوائر الدينية لمعالجة مفهومية وشكلانية بغرض الوصول إلى صيغة موائمة للتصور الإسلامي، بالنحو الذي ترتأيه أصوات هذا التيار الداعي إلى «فلترة» الفن من كل محمول غربي مغاير لما تدعو إليه العقيدة الإسلامية.

ولعل نمو هذه النزعة جاء متزامنا مع تصاعد المد الديني، وعلو وتيرة الصراع بين الشعوب العربية والغرب بوجهيه السياسي والثقافي، وبذلك قد نستطيع الإشارة إلى وجود مناخ ثقافي مأزوم مشروط بتداعيات حقبة زمانية لم يجاوز فيها الفعل الثقافي العربي والإسلامي حالة ردة الفعل والانفعال العاطفي تجاه فكر الآخر الغربي، كان موجها لتلك الحساسية الدينية التي تعاطت مع الفن برغبة الادلجة قبل أي شيء.

وإذا كان الدين بحسب فهم المتدينين فلسفة شاملة للحياة، فسيبدو ذلك مسوغا للقول بضرورة وجود مذهب إسلامي للفن، أي رؤية لما ينبغي أن تكون عليه العملية الفنية، دون أن يعني ذلك الادعاء باختصاص الإسلام بالكشف عن قوانين الإنتاج الفني وضوابطه الجمالية.

ما التصور الإسلامي للفن؟

تذهب بعض الأدبيات الإسلامية إلى حصر الفن الإسلامي عند حدود الممارسة الفنية التي تتناول قضايا ومفاهيم دينية، فيما يتسع التعريف عند الآخرين ليشمل كما عند محمد إبراهيم مبارك كل ما يعكس تصورات وعقائد تنسجم مع الدين الإسلامي، إذ يقول إنه:

«... الفن الذي يعكس التصور الإسلامي للوجود أيا كان شطحه أو انحرافه عن التعاليم الإسلامية، أو حتى تمرده الآني على العقائد الإسلامية نفسها ما دام يعود بطبيعته إلى مرجعيته الإيمانية في النهاية».

ومن هنا يمكن الإفادة من التعريفين الماضيين لتقعيد مفهوم المسرح الديني أو الإسلامي الذي نرى أنه يشير إلى نموذج مسرحي يستحوي الرؤية الإسلامية بشموليتها، ويسهم في تعزيز الاتجاه الديني داخل المجتمع، وهو بذلك يستعير تسميته من دوافعه وإغراضه التي تجاوز الوظيفة الجمالية إلى وظيفة اجتماعية وأيدلوجية، فهو بحسب عماد الدين خليل « مسرح ملتزم ومحرض على الثورة والتغيير».

إذن المسرح الإسلامي بحسب الداعين إليه:

- ملتزم أخلاقيا وفكريا.

- ينطلق من تصور سليم للوجود والخالق والإنسان والعلاقات بينهم.

هل ينطبق التعريف

على المسرح السائد؟

سعى هاني فحص في دراسة له بعنوان «نحو أدب إسلامي -المسرح» إلى تقديم مراجعة نقدية لنموذج المسرح الغربي واتجاهاته.

وينطلق في دراسته من الاعتقاد بوجود «تناقض» بين منطلقات الإنتاج الأدبي الغربي وإنتاجنا الإسلامي، على رغم اعترافه بوجود مساحة إنسانية مشتركة مقبولة تجمع بين نتاج مهم منها مع الرؤية الإسلامية، مؤسسا ذلك على قناعة بان كل منتج إبداعي مشروط ومرتبط بنظام معرفي ومناخ ثقافي.

يجد نموذج ذلك في البناء الأوروبي للمسرح الذي يحاكي بتقسيماته الكنيسة وطقسيتها: عدد من الممارسين في قبال مشاهدين لا دخل لهم في توجيه الحدث وصناعته، فيما تستقيم التفاصيل الأخرى للمسرح من بنية درامية وإضاءة وملابس مع سيادة الطبقة البرجوازية واملاءاتها، ليخلص إلى القول بأن «المسرح الغربي لا يمكن أن يكون مسرحا إسلاميا» فهو نتاج عقيدة غير توحيدية.

المسرح البديل عند فحص يقوم على مفهوم «التوحيد» الذي يحقق الوحدة، ويحاول تقعيد مفهوم «للزمان والمكان» من خلال دراسة القصص القرآنية ويعرض في رؤيته دورا مغايرا لهذين البعدين، لا يقف عند حدود الوحدة الزمكانية في المفهوم الارسطي، مقتربا في ذلك من تحولات الفهم المسرحي الجديد لهذه الأبعاد.

وينشغل في فصل آخر بتوصيف عدد من المظاهر الاحتفالية في جنوب لبنان، كالخطبة والزفاف والعزاء، ويأسف على زحف النزعة التغريبية - بمعنى المتأثرة بالغرب - التي أطاحت بجمالية الاحتفال تلك.

ما يجهد فحص في توصيفه الطويل للعادات والقيم والعبادات الإسلامية، هو حتمية انعكاسها على النمط المسرحي الإسلامي الذي ينتفي فيه نموذج الصراع بين الإنسان والخالق، وهو ما يراه «الخط الدرامي الصراعي الذي تثبت عليه السياقات المسرحية الغربية في «التراجيديا».

يستعرض في جانب آخر محاولات العرب للخروج من هيمنة النموذج الغربي والبحث عن معادل محلي، في معرض انشغالها بسؤال الهوية، كالسامر عند يوسف إدريس، ومساعي سعد الله ونوس وروجيه عساف في نزوعهم البريختي، فالأخير برأي فحص اندفع إلى الاشتغال على الجوانب الاجتماعية للمسرح، بالتزامن مع تحوله كما يصف من الماركسية إلى الإسلام.

تعليقات نقدية متنوعة لتجارب عربية سعت لملامسة قضايا الشارع، اظهر فحص فيها اطلاعا لافتا على ملامح التجربة العربية في عقودها الأخيرة، غير أن المؤلف يكشف لنا في خاتمة إصداره عن رغبة مبطنة في استبدال المسرح بالأفلام الوثائقية للتحرر من ضغط السؤال عن إمكان خلق نص مسرحي إسلامي وبشروط إسلامية.

لكن هل يكفي للمسرح أن يحمل رؤية إسلامية ليكون إبداعا وفنا راقيا؟

لا تخلو قراءة فحص للنموذج المسرحي الأوروبي من موقف أيديولوجي صارخ، نتاج معضلة العلاقة مع الغرب التي تضخمت مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران، المكان الذي أنجز فيه فحص أفكار هذا الكتاب وعلى مقربة من لحظات الفوران الثوري الذي تبعها، الأمر الذي جعله يختزل كل القيم الجمالية لهذه التجربة في أبعادها الفكرية، ولنا هنا بعض الملاحظات:

- لا يملك فحص تصورا واضحا لجماليات المسرح وأبعاده الفنية حتى في حدوده الأدبية، وقراءته تأتي من خارج التجربة المسرحية، لذلك لن يجد مانعا من الاعتقاد بأن كل أشكال الاحتفال الشعبي هي نموذج مسرحي، بل لم يقدر على تمييز المسافة الجمالية بين المسرح والتلفزيون.

- تغافل فحص عن دراسة تحولات التجربة المسرحية وعلاقتها بنمو الوعي الإنساني، واكتفى بالإحالة في الغالب على المهادات النظرية الأولى.

- السعي إلى تجريد المسرح من فكرة الصراع والاختلاف التي تأسست عليها الدراما منذ بداياتها بدعوى إحلال مفهوم بديل هو «التوحيدية» الذي يبدو ضبابيا وغير واضح الصلة في تقعيد المفهوم المسرحي الذي يريده.

- تنبه فحص إلى البنية الدرامية للقصص القرآنية، وجماليات البنية المكانية والزمانية غير المقيدة بفضاءات محددة، من دون أن يلتفت إلى قيمة الصراع في تشكيل تلك البنى، وتعزيز اتجاهاتها الفكرية، وما يستلزمه من استدعاء للأصوات المتصارعة، علاوة على نزوع تلك القصص إلى الانتخاب والتكثيف في رسم حوادثها، وهو ما يتعارض وموقفه من فكرة الصراع وتدخلات المؤلف.

- عدم الاكتراث بالمنجز الإنساني الذي مارس فيه المسرحيون دفاعا عن قضايا إنسانية رفيعة.

ألم يحفل المسرح في تاريخه الطويل بقيم ومعان إنسانية نبيلة، تلتقي مع مقاصد الشريعة الإسلامية وأهدافها؟

هذه حقيقة مهمة يلزم الاعتراف بها حتى لا نمارس قطيعة معرفية مع الإسهامات الإنسانية التي مازالت تدفق المعرفة والبيئة الدينية وتسهم في تحولاتها





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً