العدد 234 - الأحد 27 أبريل 2003م الموافق 24 صفر 1424هـ

الطفل الوعد...

مسكينة «كريمة» أرض بور. أمطرها الغيث سنينا، لا حبلت كالنساء، ولا أثمرت كالبساتين.

تعتق الماء في أحشائها، صار زعافا. حديث الجارات يطحن قلبها. واضعة يدها على صدرها، والحياء يتعثر في عينيها، ويرتعش على شفتيها: بل صار لبنا. عيونهن تفحص امتلاء صدرها، تهبط إلى ضمور بطنها. عيونهن تشتعل شماتة، أو تهمي إشفاقا تصيح بهن: اغربن! موعودة أنا بطفل، وعد «حليمة» بمحمد... نسائم الليل أنفاس طفل، وجه القمر طفل، والنجوم تغني تهويدة. في أطرافها تتردد أصداء نداء بعيد، تشتعل أشواقها، في أحشائها شيء يضطرب، حياة... أو ماء... أو لبن... يؤلمها امتلاء صدرها، اختلاج جوارحها نذير حادث قريب، تتململ في الآفاق تتجاوب أصداء، مسامعها تتلمظ، تتذوق النداء، وجيب جوارحها نواقيس تدق: بكاء طفل... بكاء طفل... بكاء طفل.

امرأة سمراء تقبل نحوها، تحمل بين ذراعيها الطفل الوعد، تلقيه على صدر كريمة، وتركض هاربة.

يداك الجحود يا سمراء... تبت يداك!... من يقوى على انتزاع عينيه من محجريها، ويمضي تائها في الظلام؟

المرأة السمراء تعود، تنتزع الطفل، تضمه، تنوح... تنوح... تلقيه على صدر كريمة وتركض بعيدا، الطفل الوعد يبكي، يلوح بيديه، يرفس برجليه، يضرب بطن كريمة... كريمة تمور حياة، تتفجر ماء، تفيض لبنا، تفيض حنانا، تفيض... تفيض، المرأة السمراء تعود، وجهها كف مبسوطة للدعاء، تتهلل فرحا، تهرع للصغير، ترشفه لبن كريمة الطفل.

ظمئ وكريمة غيمة، والسمراء تضحك، تبكي، تصيح: «زمّ يا إسماعيل! زمّ... الماء... زمّ... زمّ).

كاتبة سعودية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً