العدد 234 - الأحد 27 أبريل 2003م الموافق 24 صفر 1424هـ

أحفاد بلا جدود... قراءة في كيفية التخلص من التاريخ المعقم

بعيدا عن القيود المصلحية والتوظيفات الانفعالية

لم أكن أدرك وأنا أقرأ هذا الكتاب أنني علقت في الشباك، وصار من الصعوبة أن أنجو وأتراجع من دون التمحيص وإعمال العقل، فالأمر يتطلب قراءة حرفية تليق بهذا الجهد، وهنا لا أدعي الكمال... والذين لا يعرفون «نخلة وهبة»، عليهم أن يقرأوه بتمعن شديد، فقد يقودهم إلى اكتشاف أبعاد العقل الذي يربط الماضي بالحاضر والماضي بالمستقبل في علاقة جدلية عبر عنها في أكثر من منعطف، وخصوصا أنه صاحب قضية إنسانية تستند إلى فكر متنور متعدد الثقافات، يحترم حرية رأي الآخر ويقر بتعددية وجوده حتى لواختلف معه.

لقد سادت - ولردح من الزمن - في مجتمعنا الثقافة الأحادية المتسمة بالمواقف السياسية الحادة، ومن أبرز مظاهرها، رؤيتها الحوادث والوقائع من وجهة نظر وزوايا مغلقة. الدائرة كادت أن تطمس كل ما عداها، فتم في ضوئها توجيه النشء لقراءة ومعرفة التاريخ المرسوم بحدود ومسالك القرارات الفوقية، فغاب على إثرها جزء كبير من تاريخ الوطن عن الذاكرة، وتوالت مؤسسات مجتمعية مختلفة بقصد ومن دون قصد على تشويه واجتزاء أجزاء أخرى من هذا التاريخ، وكنتيجة لحركة الصراع، تشوهت الكثير من المفاهيم ليس أقلها، مفهوم المواطنة والانتماء، أيكون للوطن أم للمذهب أوالعشيرة أوالطائفة. وبسبب الملامح البارزة للتغيير ارتفعت الأصوات التي تنادي بإعادة كتابة التاريخ، سواء في مناهج كتب التاريخ المدرسية أوالعامة، وبإعطاء كل ذي حق حقه، والسؤال المهم ومن خلال قراءة هذا الكتاب، الذي يستدرجنا لنسأل بقلق لا يقل عن قلق نخلة وهبة، هل القصد من هذه الدعوة إعادة رسم واقع جديد؟ وإن كان فهل سيعزز هذا الواقع من المواطنة مفهوما وسلوكا أم سيزيد من تعزيز موقع المذهب، والطائفة، والقبيلة؟ هل ستجلعنا إعادة الكتابة بمأمن من مطبات تاريخية، ربما تدخلنا هي الأخرى في متاهات المقارنة والمقاربة؟ إذا فهذا الكتاب يفيدنا كثيرا، ويختصر علينا مسلكا نحن أحوج إليه من ذي مضى! ووهبة لا يخفي اعتراضه الشديد بـ (لا كبيرة)، لإعادة كتابة التاريخ، وهوهنا لديه أسبابه التي أبرزها في ثنائية (الصح) و(الخطأ) لما يخص التاريخ المكتوب، لأن التاريخ عنده ليس ملف قضية يفتح أويقفل بأمر من رئيس الدائرة أوالمدير، كما أنه يعترض على اختزال مسألة كتابة التاريخ إلى مبارزة سياسية بين المعارضة والحكم ونسيان الهدف الأساسي وهو البعد أوالقرب من الحقيقة، إذ يصر على أن التعايش بين صيغ مختلفة لتاريخ كيان معين هوالضمان لعدم التطرف في تأويل الوقائع وتغيير معانيها ووجهات تحولها.

يوجز عصام خليفة وهومن قدم لهذا الكتاب، أفكار وهبة التي تؤكد فرضية أن تدريس التاريخ يواجه أزمة أبرز مظاهرها ماهية التاريخ الذي يجب أن نعلم؟ وما إذا كان تعليم التاريخ يتم بمعزل عن الصراع الدائر في الأفكار والتيارات السياسية والأيديولوجية، وكيفية التوفيق بين حرية الفكر والبحث وتعدد وجهات النظر، وهو يجد أن التاريخ اللبناني يرتكز على التنوع والتعدد، وبالتالي لا يكون هناك موقف مسبق واحد لتفسير الحوادث التاريخية، وأكد أنه من الواجب على الكتب المدرسية والأكاديمية أن تتبنى الانقسامات والتباينات المختلفة ولا تلغي الصراعات والحروب التي حصلت، وعلى قاعدة الفهم العميق للتناقضات يمكن إبراز نقاط التلاقي والتعاون والوحدة والألفة والاحترام، إذ لابد من ترسيخ الكلفة الكبيرة للحروب في الذاكرة الجماعية، وبالتالي تصبح الذاكرة التاريخية سبيلا إلى التحرر والحرية وليس أداة تكبيل وتحجر كما يعبر خليفة.

يتساءل وهبة... لماذا أحفاد بلا جدود؟ ويرد: بسبب أن المسئولين عن الرقابة لم يبرزوا عيوب التاريخ القديم والمعاصر حتى يتمكن الطلبة من فهم الممارسات السياسية المحكومة بالغرائز والمصالح والعصبيات والطائفية، والغياب الفاضح للمرأة في التاريخ الذي يؤدي حوادثه كتاب التاريخ المدرسي، إذ الملوك والرؤساء في هذه الكتب ملائكة لا زوجات لهم يتدخلن في شئون الحكم ولا عشيقات لهن مطالب ومصالح، وهذا الغياب يقلق المراقب المتبصر.

لقد وجد الباحث أن هناك أزمة في صوغ التاريخ ما بين المؤرخ المحترف ومؤلف كتاب التاريخ المدرسي، وأن المؤرخ المحترف يشكل الحقيقة بحسب الأهواء والمصالح اللتين هما صفتان بشريتان على رغم صعوبة عمليات التحريف والاجتزاء والانتقاء والطمس والإبعاد والإبراز، وذلك بسبب أن الجمهور المستهدف أكثر وعيا، ويستهلك البحوث التاريخية بمبادرة شخصية وانتقائية شبه مطلقة. ويحاور وهبة في فكرة قبول التاريخ كما هو وليس تركيب تاريخ على مقاس مزاج كل واحد أو .كل مجموعة، كما يتطرق إلى تعامل المؤرخ ومؤلف الكتاب المدرسي مع الحقيقة الواحدة أوالمتعددة، ويتوصل إلى أن المواجهة تعلو ما بين تيارين يصعب الحكم لصالح أي منهما، أولهما ينظر إلى التاريخ على أنه علم صحيح وأن المعرفة التي ينتجها ويحملها وينقلها هي مجموعة حقائق موضوعية ثابتة لا تقبل التشكيك بها ونقضها، وأنصار التيار الثاني القائل في «التاريخ» انه أكثر من ترجمة لإحدى القراءات الشخصية المتحيزة لواقعة حصلت في الماضي البعيد أوحتى القريب جدا، من هنا يركز تحليله على نظرة المجتمع إلى التعدد والتنوع والاختلاف وما إذا كانت تشكل آليات بلورة الفكر وصقله والاقتراب من الحقيقة؟ وتساءل وهو يتأمل المشهد اللبناني وموقع كتاب التاريخ المدرسي في خضمه: هل هناك اختلاف في التربية والإعداد للمواطن اللبناني عنه في سورية أوالأردن أوفلسطين أوالبحرين أومصر؟

عند تتبع المنهجية البحثية التي سلكها الباحث في اختيار فرضية الدراسة، نجده قد ركز دراسته على قضايا كتابة التاريخ وعالجها من منظور علاقاتها التبادلية والمترابطة والمختلفة مع بعضها بعضا ومن ضمن الحراك المجتمعي وليس بمعزل عنه، نوجز أبرزها:

مشكلات تتعلق بالمفهوم

يحلل وهبة بشيء من التفصيل المشكلات المتعلقة بمفهوم مفردة «تاريخ» و«التأريخ»، وخصوصا أن العرب على ما يظهر بحسب قوله قد اختاروا متغير «الزمن» لمفهوم «التاريخ»، والإشكال الثاني هو في حصر مادة التاريخ ضمن ملف الحوادث الكبرى من دون ذكر الكيان السياسي الذي أنتجها أوشهد عليها أوحضر لها أوتبناها، وملف السيرة الذاتية للبلد، وهي مجموعة الحوادث العسكرية والسياسية من وجهة نظر النظام السياسي في نشوء البلد/ الدولة/ النظام عبر العصور، وهي بحسب رأيه انتقائية ومنحازة وتعتيمية في آن واحد. أما الإشكالية الثالثة فلها علاقة بالشأن الخارجي المتعلق بالمواقف والأحكام على الحوادث العالمية القديمة والحديثة، بما يؤسس لتفسير العلاقات الحالية التي تقيمها الدولة المعنية مع الدول الأخرى، إضافة إلى إشكالية عدم التفريق أو المقاربة بين التاريخ وعلم الآثار، إذ يشكل الأخير أحد المصادر المعرفية لعلم التاريخ وليس «تاريخا»، ومنطلقا من الماضي عبر الحاضر ولفهم حضارة الماضي، بينما ينطلق التاريخ بحسب رأي الباحث: من الحاضر عبر الماضي، ولفهم ثقافة الحاضر، وبهذا يؤكد أن التاريخ هو في أحد أهم وجوهه علم تفسير الحاضر بواسطة سيرورة الماضي، ويستخلص مما سبق أن المعرفة التاريخية التي تعجز عن تحويل الحاضر البائت إلى ماض قريب ليتسنى لها الانتقال منه إلى الحاضر الطازج، والتي لا تجيد حفظ الماضي (طازجا) في ثلاجة الحاضر، لا يمكنها أن تحمل الحس التاريخي إلى المتعلم ليفهم حركة تدفق الحوادث في دخولها باب التاريخ وانسياب حركته على ركام الحوادث.

كتابة التاريخ بين الكتاب المدرسي والبحث التاريخي

في هذا المجال يناقش بالتفصيل العلاقة بين الباحث التاريخي ومؤلف كتب التاريخ المدرسي عبر ممارسة أفعال الانتقاء للوقائع التاريخية، إذ يتم الاختيار بموجب الشحنة الذاتية المنحازة سياسيا، وبناء على واقعة تاريخية معينة ضرورية ونافعة أوقليلة الأهمية أوغير نافعة أوحتى مضرة؟ وعليه ففعل الاختيار رهن بأفكار المؤرخ وبقدر كبير بالوضعية السياسية والاجتماعية التي يمارس فيها المؤرخ وظيفته التاريخية. علينا أن نركز في فكرة الزمن التي تداولها لقراءة التاريخ فمرة «كمفسد وفي اللحظة ذاتها كمصحح لقراءة التاريخ»، يقول: إن «الزمن يفسد قراءة التاريخ» ويزيد من صعوبة اكتشاف الحقيقة بعد وفاة الشهود واختفاء معالم وتحلل الوثائق ومحوالآثار، فضلا عن أن مرونة الفكر النظري يؤسس لعمل المؤرخ بينما انغلاقه يضعه في حال استنفار للدفاع عن نظريته ويكون فعله التأريخي مجرد رد فعل انفعالي، إضافة لمسألة المصلحة والولاء والانتماءات الدينية والقومية، وتماهي المؤرخ مع التاريخ الذي يكتبه والإدمان على رؤية نفسه فيه، فيرهن صورته وهويته عن ذاته بنوعية حوادث ذلك التاريخ، لكنه يجد بالمقابل «إن الزمن أيضا يصحح قراءة التاريخ» كيف؟ إذا انفلتت الواقعة التاريخية التي تجتاز امتحان الزمن تدريجيا من شحناتها الوجدانية وتحررت من قيودها المصلحية بعد أن يخبو وهج التوظيف الانفعالي المتمثل في (النصر، الريادة، الاكتشاف، الهزيمة...) وبعد أن تتحلل الأفعال المرافقة للواقعة من التأويلات الذاتية، والمبالغات التجميلية أوالتجريحية.

ويجد وهبة في مؤلف الكتاب المدرسي معالجا مقررا في التاريخ، ولا يكتب تاريخا أويقرر صحة واقعة أويتابع تطور ظاهرة ويرصد تحولاتها، وأن تأثيره الرئيسي يكون أفقيا ومنتشرا، إذ يؤسس للثقافة التاريخية المجتمعية ويبني عبر سنوات الدراسة المتتالية هيكلية وعي تاريخي أساسي في قاعدة واسعة جدا من أفراد المجتمع. ولأن المدرسة تعد إحدى الأدوات الايديولوجية للدولة من أجل تشريب المعرفة والبنى الفكرية، فهي تراهن على الكتاب المدرسي لتمرير أيديولوجية النظام التعليمي، وفي هذه الحال لا يجد مؤلف الكتاب المدرسي حرجا لملء الفراغات التي يحددها هذا النظام. إن وهبة يتوقع بعد هذا التحليل من البحث التاريخي أن يتحمل مسئوليته ويتحلى بالشجاعة للأخذ بالمعطيات التي تجاهلها وأسقطها أو أهملها حتى يعيد التاريخ الحقيقي بكل ما يحويه من إيجابيات أوسلبيات، من دون تطرف في الفخر أوالخجل، وبالتالي عليه مسئولية محاصرة المعرفة التاريخية المنقولة بواسطة الكتاب المدرسي وكتاب التاريخ بطريقة أكثر عقلانية تمكن من معرفة الذات ضمن مشروع المصالحة مع النفس.

توحيد الكتاب المدرسي

من شرطية توحيد كتاب التاريخ المدرسي بحسب الدراسة، ولبلوغ «الوفاق الوطني» وليس استنساخ مواطنين، شرطية احترام الاختلاف، والتوحيد بالنسبة إليه لا يعني الانصهار الوطني أو«الوفاق الوطني»، ان الكتاب المطلوب توحيده تاريخيا هوأحد الموضوعات المنتجة للخلاف، وبالتالي إذا كان الهدف تحقيق الوفاق الوطني فإن الكتاب المدرسي الموحد أوالتعددي ليس أداة صالحة لبلوغ هذا الهدف في الآونة الحاضرة لماذا؟ لأن توحيد الكتاب ينتج شعورا بالإحباط عند جميع الأطراف المعنية به، ولأن أحدهم لن يجد نفسه في هذا الكتاب المعقم، وأثار تساؤلا: ما إذا كان التوحيد يعني حتمية اقتصار مصادر تعلم التاريخ على الكتاب الموحد؟ يرى أن «المدرسة» قد وقعت في فخ أنانيتها وقصر نظرها حينما تمسكت بأحقية تنشئة الطالب، أواحتكار الجهاز الوحيد المؤهل والقادر على قولبة ذهن المتعلم وقيمه ومواقفه، ثم انتقل إلى مناقشة المسألة الإجرائية لكيفية توحيد هذا الكتاب وتتبع الإجراءات الآتية: أن تقوم الوزارة بتبني كتاب موجود في السوق أوتعين لجنة لتأليفه موجهة بالتعليمات وفي هذا خطر التغيير الجذري لمضمون المنهج والكتاب عند تغير الحاكم، أوتبني توحيد الكتاب على مبدأ تعددية الفكر والرأي، وبالتالي فالتوحيد لا يطال حرفية المضمون أوالموضوعات المعالجة بل كتلة المسلمات الأساسية التي تربط مختلف أشكال المواطنة، ويشيع هذا الأسلوب في الغرب وسائر الدول الصناعية و/ أوالديمقراطية، والتعديل يتم على الكتاب عند تغير النهج السياسي الحاكم فقط عندما يحمل نهجه الجديد مشروعا تربويا مختلفا. أما الأسلوب الثالث فهو يعتمد صفة تسوية إيجابية لكل مجموعة من مجموعات الضغط الفاعلة في المجتمع وحصتها في إدارة تأليف مضمون الكتاب بما يتناسب مع ثقلها في لعبة التوازنات، والأسلوب الرابع هوالتسوية السلبية التي تبرز في عدم الاعتراض على ما يزعج الآخر وهي المعتمدة في لبنان بطريقة ضمنية ومسكوت عنها، ويستنتج الباحث هنا أن التوحيد يعني «إجماعا» على عدم الاعتراض، هذا مع تذكيره بأن توحيد الكتاب المدرسي لا يمكن أن يتم في إطار إدارة مركزية تتحكم بقواعد التأليف والنشر والتوزيع وتحتكر الحقوق وتمتلك أدوات مراقبة الإنتاج الفكري والمصافي الضرورية لاستبقاء غير المرغوب منها بعيدة عن فضول القراء المحتملين، إلا أنه توصل إلى علاقة السبب بالنتيجة بين المساواة وتوحيد الكتاب، فليس في توحيد الكتاب أية شرطية لتحقيق المساواة في فرص التعليم.

تعليم التاريخ في المدرسة

واستنادا إلى أن كل فكر ينطلق من فرضيات، يتعامل معها على أساس أنها مسلمات ويبني عليها استنتاجاته الخاصة، والشائع ألا تقبل هذه المسلمات النقاش من وجهة نظر صاحبها، تساءل المؤلف عن المؤسسة التعليمية في لبنان وعلاقتها بتصميم كتاب التاريخ المدرسي، والدلالة السلوكية في اعتبار نفسها المصدر الوحيد للمعرفة والمكان الوحيد للتعلم، لأنه وحسبما يحلل تحت هذه الفرضية يتم اعتماد كتاب مدرسي موحد، وناقش كونها - أي المدرسة - الأداة الأيديولوجية للدولة وبالتالي تصر على تعليم «التاريخ الأيديولوجي أوالمؤدلج»، واستطرد في مواصفات المعلم الذي يراهن عليه الكتاب الموحد، إذ يكون أداة تنفيذية ميكانيكية ممسوخ الشخصية، سلبيا ومطيعا، مفرغا من أي فكر أو وجهة نظر يأنف عن ممارسة فعل التفكير الناقد للمضمون الذي تريده «المدرسة»، مدللا على مراهنة أنصار الكتاب الموحد ومراهنتهم على متعلم منعزل عن العالم، بعيد عن تقنيات الاتصال ينمو في أسرة من الملائكة محمي من شرور السياسة والطائفية والتكتلات، وتمنع عنه تسرب مخاطر العصبية والشللية والتمايز الاجتماعي والاقتصادي. فيقبل بما تعلمه إياه المدرسة وكأنه الحقيقة النهائية التي لا تقبل الشك، ثم ينتقل إلى المعرفة التاريخية في الكتاب الموحد وهي غير صافية ومضطربة وهزيلة تعيش دائما بحسب تعبيره تحت ضغط قلق الانهيار والانكشاف، وهي متلونة وغير ثابتة ومستعدة لتغيير بنيتها ومكوناتها بحسب رغبات وأمزجة السلطة السياسية. أما عملية الامتحانات فهي تعود المتعلم على استخدام لغتين مختلفتين واحدة للامتحانات ونيل علامة مرتفعة وأخرى يستخدمها في المحيط الطبيعي للتعبير عن حقيقة فكره ومواقفه وهذا ما يضاعف من فرص الطلاق بين المدرسة والحياة اليومية. وبحسب رؤى وهبة، إن الكتاب الموحد يستدعي وجود أداة تربوية مركزية يتم التحكم فيها عن بعد من قبل ديوان الوزارة، ما يعني غياب المبادرة الفردية سواء على مستوى المعلم أوالمدرسة أوالمنطقة التعليمية أوالمحافظة، لهذه الأسباب وغيرها لا يتقبل فكرة الكتاب الموحد.

متطلبات كتابة التاريخ والنص في الكتاب المدرسي

إن متطلبات كتابة التاريخ وإرساء النواة للتنشئة المواطنية عند وهبة، تعنى أهمية توافر العناصر الهادفة من مثل: المتحف الوطني المتخصص، والتماثيل والنصب التذكارية في المناطق والميادين والقرى والساحات والشوارع، والابتعاد عن تكلس الذاكرة الجماعية بإهمال الرجال والنساء السياسيين والعلماء والأدباء والمناضلين والفنانين، الذين أسسوا وبنوا وطورا البلد أوأحد مناطقه ومدنه، لابد من وجود منبهات تنشط فضول الناس لمعرفة المزيد عن ماضيهم وماضي بلدهم، إضافة إلى ذلك بلورة قناعات وهواجس ومواقف واضحة وشاملة ومكتملة تجاه شعور التهميش والتجريم الضمني لبعض الأفعال والخروج من منطق الثأر القبلي، ومن الإصرار على تطهير التاريخ من كل ما يزعج أهل الحاضر من حوادث وسلوك ومواقف وشخصيات، وتأكيد الاعتراف بحق القارئ والمتعلم في التساؤل والشك، كما تطرق إلى مستوى المادة التاريخية وموضوعاتها وشخصياتها والإجابة على «أي تاريخ نكتب ونتعلم؟» العسكري أم السياسي أم الاجتماعي أم الحضارات أم الشعوب أم تاريخ الطوائف والأحزاب؟، ويضيف هناك حاجة إلى توافر بنية تحتية وظيفية (ثقافة صنع المستقبل، ثقافة التسجيل، ثقافة الحفظ، شهود، وثائق، روايات، مختبرات)، وذلك حتى يتم تيسير إنجاز مهمة المؤرخ وقارئ التاريخ معا، فالتاريخ لا يكتب بقرار فوقي ولا هو نتاج عمليات ابتكار و/أوتأليف فردي وجماعي كما يؤكد المؤلف، إنما هو محصلة متنامية ومتجددة لتراكم تدريجي ومستمر من المعارف والمعلومات والاكتشافات والتجارب المخبرية المتقاطعة التي تحظي برعاية مجتمعية جدية وثابتة، إن أحد أهم الشروط الأولية لكتابة التاريخ هوالقلق على المستقبل كما أن هناك علاقة قوية بين النقيضين (الماضي والحاضر). وفيما يخص نص كتاب التاريخ المدرسي الموحد، تشكلت انطلاقة دراسته من خلال سؤال قد تقول عنه الكثرة انه ساذجا وبعيدا عن المنطق السائد، والقول هنا لايزال لوهبة، لا أظن أن أحدا طرحه بشكل جدي، ألا وهو: لمن نكتب نص التاريخ المدرسي؟ ويتساءل ما الذي يمنع «النص» التاريخي المدرسي من تقديم نهج وطرائق للمتعلم يمكنه استخدامها في كتابة تاريخ منزله أوعائلته أوتاريخ معصرة الزيتون في قريته أوتاريخ النادي الرياضي في مجتمعه المحلي أوتاريخ العائلة في صناعة الفخار أوالحلوى أوتربية دودة القز أوتربية النحل... وبالتالي توفير أرضية خصبة لإنتاج الأسئلة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً