واصل مرزوق حديثه مع أحد الصحافيين عن فكرة دعوة أحد المجانين المهووسين بكراهية فئة أو طائفة معينة إلى كتابة عمود يومي يكتب فيه بعض جنونه لكي «يتطمش» عليه الآخرون. وتساءل مرزوق عن بلاء الجنون.
مرزوق: هل تعتقد ان المجنون مستأنس بجنونه؟
الصحافي: يعتمد إذا كان يعلم انه مجنون. في أكثر الأحيان المجنون لا يدري انه معتوه أو مهووس، ولذلك فإنه يعيش مأساة حقيقية عندما يتم تسليمه قلما ليكتب في الصحف.
مرزوق: ولماذا؟ أوليس بالإمكان اعتبار الكتابة وسيلة للتنفيس عن الجنون؟
الصحافي: نعم ولكن نحن نتحدث عن مجنون مهووس بكراهية طائفة أو فئة معينة، وبالتالي فان هذا المهووس «يشتم» من يكرههم من بعيد... وسرعان ما «يتعفرت» فتحدث في داخله شهقات أشبه بشهقات الذي يبحث عن الهواء الطلق عندما يختنق...
مرزوق: إذن المجنون يبحث عن الهواء الطلق...
الصحافي: ليس دائما... فالمجنون والمهووس بكراهية طائفة أو فئة معينة يخاف الهواء الطلق ويبحث عن «الدخان» وعن «غير الدخان»، وسرعان ما يحصل على الدخان وغير الدخان فيستنشقه تماما كما يحاول الآخرون استنشاق الهواء النقي...
مرزوق: وماذا بعد ذلك؟
الصحافي: المهووس يعكس رائحة الدخان غير الحسنة التي يستنشقها ويزفرها في كتاباته...
مرزوق: الآن فهمت...
الصحافي... ماذا فهمت؟
مرزوق: هذا يفسر لماذا المجنون المهووس بكراهية فئة او طائفة معينة يستخدم العبارات نفسها دائما ويكررها... وهي عبارات تشرح داخله ولكنه لا يستطيع قول ذلك فيرميها على من يكرهم...
الصحافي: بالتأكيد، فهذا هو «الاسقاط» الذي تحدثنا عنه سابقا...
مرزوق: ولكن المشكلة ان المهووس «يسقط» مشكلاته الداخلية وشعوره بالضياع والتجزئة على الآخرين...
الصحافي: ولكن الآخرين يفهمون الأمر فيقلبونها عليه، لأنه يفسر ذاته بتلك التعبيرات ولكن لأنه يخاف من اكتشاف الآخرين لحال الضياع التي يعيشها يرميها على من يكرههم بصورة مهووسة...
مرزوق: ولكن ألا يفهم ان الآخرين «يتطمشون» عليه...؟
الصحافي: لا يهم لديه، فالمجنون لا يعلم انه مجنون والمهووس لا يدري ان الآخرين «يتطمشون» عليه، ولذلك فإنه يسارع لاستنشاق المزيد من الدخان وغير الدخان، ومن ثم يواصل التحدث عن نفسه، ولكن يرمي ذلك أو يسقطه على الآخرين.
مرزوق: أدعو الله ان يخلص المجانين من جنونهم والمهووسين من هوسهم..
إقرأ أيضا لـ "حظك يا مرزوق"العدد 233 - السبت 26 أبريل 2003م الموافق 23 صفر 1424هـ