قد يقول البعض إن النجاح تصنعه عوامل عدة كتوافر رؤوس الأموال أو السياسات المخطط لها أو التنظيم الفعال أو التسويق الجيد، لكن التجربة على أرض الواقع أثبتت أن التركيز على الموارد البشرية هو الأساس من اجل بناء مشروع استثماري ناجح.
هذا ما يرتكز عليه «برنامج رواد الأعمال» الذي يشرف عليه كل من بنك التنمية بالتعاون مع المكتب العربي الإقليمي لتنمية وتدريب أصحاب الأعمال والاستثمار ERCEIT ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو» بالتعاون مع وزارتي التجارة والصناعة. وهو برنامج تدريبي لرواد الاعمال من أجل مساندة المشروعات الصغيرة في مملكة البحرين، شارك فيه حتى الآن 27 مشتركا من مختلف المعاهد التعليمية والمتخصصة في البلاد.
يعتقد مصممو البرنامج أن عملية دعم رواد الأعمال هي المفتاح للتطور الاقتصادي والقوة الرئيسية لخلق ثراء الدولة، وقد أخذت حكومات عدد من الدول المتطورة والاقتصادية تركز على تفعيل هذا الدور في عملية الانتاج.
بداية التعاون
منذ تطبيق برنامج تنمية وتدريب رواد الأعمال في مملكة البحرين. تم تدريب أكثر من 64 من رواد الأعمال البحرينيين خلال 4 دورات تدريبية. وتم اتخاذ مملكة البحرين مركزا إقليميا رئيسيا للمنطقة العربية من خلال اليونيدو والمركز الاقليمي في الهند، بهدف تقوية الطاقات الانتاجية في الدول العربية والآسيوية والافريقية في قطاعات دعم الاستثمار ورواد الأعمال. وعلى صعيد التعاون، فقد استطاعت وزارتا التجارة والصناعة اللتان تمتلكان السلطة التنفيذية التي تسهم في عملية الإنشاء والتطوير الصناعي في البحرين، بالتعاون مع بنك البحرين للتنمية الذي يمتلك الموارد لتغطية حاجات الصناعات الصغيرة والمتوسطة إنتاج سلسلة متميزة من الخدمات التي تساند المشروعات الصغيرة في البحرين.
ماذا يقدم البرنامج؟
يهتم البرنامج برواد الأعمال الذين يملكون الرغبة في إنشاء عمل جديد أو الظهور في شكل مميز ناجح، إذ يقوم بتدريبهم ليصبحوا رواد أعمال من خلال برامج تنمي وتقوي مهاراتهم والثقة بالنفس من أجل إنشاء مشروعهم الخاص، وتزويدهم بالمهارات والمعرفة بالأمور المالية والتقنية والإدارية والمعلوماتية وكيفية الحصول على أفكار المشروعات وتحليلها وتطبيق المشروع.
كما يقدم البرنامج المشورة من اجل البدء في إعداد خطة المشروع، بالإضافة إلى الاختيار التكنولوجي والشراكة الدولية والمساندة المالية.
وبعد تقديم المشورة تأتي مرحلة دعم عملية ترابط المشروع والموارد المالية، من خلال قيام صاحب المشروع بإكمال إجراءات طلب قرض مساند من المؤسسات المالية للمساندة والمشورة (بنك لبحرين للتنمية).
وتتطلب هذه المشروعات خدمات للبنى التحتية التي يتم توفيرها من خلال مركز البحرين للصناعات الناشئة التابع لبنك البحرين للتنمية، للعمل على استقرار المشروع.
التجربة خير برهان
لقد أثبت البرنامج فاعليته من خلال عدد من المشروعات التي استطاعت أن تحقق نجاحا على مستوى البلاد، وتطمح نحو التصدير إلى خارج البلاد. وعن ذلك قال صاحب مصنع الحديد المطاوع جاسم بوشهري: «لعل أكثر ما يميز هذا البرنامج أن بنك البحرين للتنمية يخاطر معك في مشروعك الذي لم ير النور بعد، أكثر من المصارف الأخرى التي قد تطلب ضمانات لقروضها لا يمكنك أن توفرها إلا بعد الشروع في مشروعك، كما أن طريقتهم في احتساب الأقساط والفوائد مهمة و ممتازة، فخلال السنتين الأوليين، كنت أدفع الفوائد المحسوبة على القرض من دون قسط، وبعد انقضاء السنتين أكون قد كونت لي أرباحا بحيث يمكنني ان أدفع القسط مع الفوائد».
في حين ذكر صاحب مخبز الجزيرة هاشم شبيب أن لإعداد دراسة الجدوى فاعلية كبيرة قبل البدء بأي شيء، وهي ما يقدمه البنك في البداية تحت بند المشورة، كما أن بنك البحرين للتنمية يتابع المشروعات أولا بأول، ويطلع بشكل دوري على التقارير المالية التي تم إيداعها.
يذكر ان مخبز الجزيرة يغطي سوق البحرين ككل من خلال أربع فروع رئيسية وأخرى فرعية.
ومن التجارب الجديرة بالذكر تجربة gaze gates أو مانعات تسرب الغاز في مشروع بحرين تكنولوجام، وهو مشروع لتصنيع صمامات تمنع تسرب الزيت، يستفاد منها في محطات توليد الكهرباء ومصانع النفط والتكرير والبتروكيماويات، ويهدف المشروع إلى إنتاج تشكيلة من الحشوات اللولبية والمسطحة ووصلات التمديد اللازمة لتغطية احتياجات السوق المحلية. يأتي هذا المشروع بتعاون بين المستثمر البحريني محمد شعبان المندمج في البرنامج والحاصل على تمويل بنك البحرين للتنمية ومستثمرين ماليزيين، إذ تم توقيع مذكرة تفاهم أولية في ماليزيا وتم من خلالها تأسيس شركة، تلتها مرحلة جلب المعدات والآلات من ماليزيا، وقد بدأ المشروع نشاطه في سبتمبر/أيلول 2002.
يعمل في المشروع 6 بحرينيين وبنسبة 83 في المئة، وقال شعبان عن تجربته مع البرنامج: «لقد تعلمت طرقا كثيرة اختصرت علي الكثير من الوقت والجهد في نواحي التخطيط والحسابات والآلية السليمة لبناء المشروع. كما أنني تعلمت من البرنامج كيفية قراءة التقارير المالية وتقييم العمل بحيث ننمي الجوانب الإيجابية ونقلص من سلبيات العمل».
ويتمثل الانطلاق نحو افريقيا في المشروع البحريني المشترك «داكوت - آسيا» التابع لشركة داكوت سي سي التي تعد شركة رائدة عالمية في إنتاج الخزف عالي الجودة وفق احدث التقنيات، ومقرها جنوب افريقيا. وتبلغ نسبة البحرنة 75 في المئة وتهدف إلى اختراق الأسواق في دول المنطقة كمصر والهند وإيران، باتباع تقنيات رائدة تم جلبها من الشركة الأم.
تعاون وزارة العمل مطلوب
استفاد بوشهري من برنامج رواد الأعمال، وتمكن من إنشاء مشروع ناجح هو مصنع الحديد المطاوع، والذي يشغل عمالة تبلغ 49 عاملا، 45 في المئة منهم بحرينيين. وتمنى بوشهري ان يكون كل العمال بحرينيي، إلا أن العمالة المدربة غير موجودة، فهو يرى ان مجال عملها في الحديد المطاوع والتصميمات المتعلقة بالأبواب والنوافد والأثاث وغيرها يحتاج إلى مراس وخبرة وتدريب طويل للإلمام بأبجديات العمل. وعلى رغم تعاونه مع المدارس الثانوية الصناعية في البلاد، فإنه يرى أن المنهج الذي تتبعه المدارس لا يمكن أن يخلف جيلا من الصناعيين المهرة ذوي الحرفة، فمثلا، كيف يمكنه أن يقدم رسالة توصية لطالب لا يحضر إلى العمل ولا يبدي اهتماما بالتعلم واكتساب الخبرة؟ ثم ان المدة التي يتدربون فيها ليست بالكافية، إذ لا تتجاوز الأشهر الثلاثة. وقال بوشهري: «إننا في حاجة إلى تطوير مناهجنا الصناعية، والعمل على إيجاد الأيدي العاملة البحرينية المحترفة، بحيث تسد الفراغ الحاصل في خبرة وحرفنة العمالة وتخلصنا من مشكلات العمالة الوافدة، ولا يمكن أن يحدث ذلك من دون تدخل سريع ومباشر من وزارة العمل والشئون الاجتماعية، فلو أنها ركزت على متطلبات هذه المشروعات الصغيرة وقدمت لها الدعم الكافي والمناسب من ناحية الأنظمة التي تحكم عملها، لاستطاعت أن توفر فرص عمل لكثير من المواطنين، ومصنعي خير دليل على ذلك، فلو أنني اتمكن من الحصول على أيد بحرينية محترفة، لأمكنني ان أوظف 100 عامل متخصص وكلهم سيحصلون على رواتب تفوق 250 دينارا».
وتعقيبا على كلام بوشهري فإن الشبيب يرى «أن الرسوم التي يدفعها صاحب الاستثمار في القطاع الخاص أكثر بكثير من تلك التي يدفعها أقرانه في القطاع الحكومي أو العام، وهو ما يشكل عبئا على صاحب الاستثمار، فهو ملزم بدفع رواتب العمال ورسوم جلبهم وتجديد إقامتهم، بالإضافة إلى مستحقات الماء والكهرباء، والمواد الخام والأقساط وبالتالي لا يتبقى من الأرباح إلا النزر اليسير، وخصوصا عند العمل في مجال تم تحديد سعر منتجاته من قبل الحكومة مسبقا، كالخبز مثلا، فلا يمكنني أن أرفع سعره الذي حددته الحكومة بـ 100 فلس، بالإضافة إلى ان السوق البحرينية محدودة، الأمر الذي يدفع بنا إلى التفكير في التصدير، لكن أحتاج لأدفع ما يقارب من 350 دينارا لأتمكن من التصدير كرسوم أولية».
كما أشار المستثمرون إلى أن الإجراءات التي تطالبهم بها الجمارك تعاني من التعقيد المبالغ فيه أحيانا في تخليص المعاملات، كما انها تتسم بالغموض وعدم الوضوح.
مركز البحرين للصناعات الناشئة
ويؤكد المسئولون في بنك البحرين للتنمية ان هذا مركز البحرين للصناعات الناشئة والذي يتفضل بافتتاحه يوم غد رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة هو مشروع رائد يوفر لرواد الأعمال جميع خدمات البنية التحتية الأساسية التي يحتاج إليها لتشغيل المشروعات التي تتضمن توفير المكان ومكاتب الخدمات المشتركة مع خدمات التدريب والمشورة. وهو يهدف وبشكل رئيسي إلى زيادة نسبة إنشاء ونجاح المشروعات المتوسطة والصغيرة وتحسين كفاءتها.
ويضيف المسئولون انه وللاستمرار في عملية توفير الخدمات المساندة وتشجيع قيام المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتسهيل عملية التطور الاقتصادي في البحرين فإن البنك يعمل على وضع خطة من أجل تبني مشروعات مماثلة تساهم في دفع عجلة التقدم الاقتصاد الوطني وتنويع مدخلاته والقاعدة الاساسية له، وتوفير فرص عمل جديدة منطلقا من انشاء وتمويل مركز البحرين للصناعات الناشئة
العدد 233 - السبت 26 أبريل 2003م الموافق 23 صفر 1424هـ