طالعتنا وسائل الإعلام بأخبار أزمة مالية خطيرة تتعرض لها الهيئة العامة لصندوق التقاعد، والهيئة العامة للتأمينات العامة، تعرض المتقاعدين والموظفين على طريق التقاعد لمستقبل معيشي مظلم، ما لم تجرى تغيرات جوهرية لإصلاح النظام الإداري والمالي في الهيئة. في مقال سبق نشره في هذه الصحيفة، تعرضنا بإسهاب لمشكلات ضعف الأداء الوظيفي للهيئة العامة لصندوق التقاعد، وأكدنا بالتحليل الموضوعي أن ضعف الأداء الوظيفي للهيئة خلق عدة مشكلات للمتقاعد، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تهديد الأمن المعيشي للمتقاعد، عدم قدرة المتقاعد على مواكبة صعوبة أعباء الحياة الحالية كالغلاء ومصاريف استخدام الكهرباء والماء والبلديات. لهذا فإنه من الضروري بمكان اتخاذ خطوات سريعة لتطوير الأداء الوظيفي للهيئة بالتعاون بين الهيئات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني. وبعيدا عن العصبية والتشنج شرحنا ايضا وبوضوح المعايير الدولية المتبعة لأنظمة التقاعد في العالم، وضرورة تطبيق الهيئة للحد الأدنى من تلك المعايير الدولية، حتى نضمن استقلالية وفعالية عمل الهيئة، ولتحقيق أكبر قدر من العدالة والمساواة والانصاف للمتقاعدين عند تطبيق القوانين المتطورة. من هنا سنحاول بأسلوب علمي تحليلي بحت، شرح معوقات القانون (13) للسنة 1975م، الخاص بتنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي ومستخدمي الحكومة، الذي حدت بعض بنوده من استقلالية وفعالية عمل الهيئة، وسبل إصلاح عمل الهيئة.
لابد من الاعتراف بان القانون (13)، ما هو إلا صيغة متطورة للنظام البحريني للنقد الاحتياطي للسنة 1930، وهذا النظام تم تعديله ليصبح نظاما تقاعديا في العام 1955. في اعتقادي ان أهم المعوقات في القانون (13) وردت في الفصل الخامس الخاص بالمعاش (المادة 15) وتنص: على انه اذا كان انهاء الخدمة بسبب إلغاء الوظيفة أو لفصل الموظف بغير الطريق التأديبي، يستحق الموظف معاشا متى بلغت خدمته 15 سنة ويحسب المعاش على أساس 5 سنوات الى هذه المدة، بحيث لا يجاوز بها المدة الباقية لبلوغ السن المقررة لترك الخدمة. هذه الفقرة غير عادلة بحق الموظف الحكومي الذي يفصل بالطريق غير التأديبي، ولا يمكن ان يكون الاجراء اجراء شكلا من اشكال الشفافية، وخصوصا لمن وقع عليهم الظلم بالفصل غير التأديبي، فكثير من الاحيان يتخذ الموظف المسئول بالمصلحة الحكومية قرارا غير اخلاقي يهدف الى التخلص من الموظف قد يكون لأسباب شخصية، بأي ثمن عن طريق اللجوء الى أسهل الطرق المتاحة في النظام التقاعدي، ألا وهي الفصل غير التأديبي، الظلم يقع على الموظف الذي لم تصل مدة خدمته بعد 4 سنوات، وقد يكون في بداية حياته العملية والمهنية. كما ان القرار غير قانوني ما لم تبت فيه محكمة إدارية متخصصة في هذه القضايا، ولا يتم الفصل وفقا لمزاج المسئول بالمصلحة المعنية، طبعا هذا يتطلب قدرا كبيرا من الشفافية في اتخاذ الاجراء واصدار الاحكام الخطيرة التي تهدد مصير موظف حكومي يسعى الى تأمين لقمة العيش له ولعائلته. كما ان القدر الكبير من الشفافية يتطلب احترام الاجهزة الحكومية لمبدأ فصل السلطات الوارد في الدستور والميثاق. من ناحية اخرى يجب تحديد حالات الفصل التأديبي قبل عرضها على القضاء ليصدر حكما عادلا بشأنها، وخصوصا اذا علمنا ان 75 في المئة من قرارات حالات الفصل غير التأديبي اتخذت لأسباب سياسية أو طائفية.
الأمر نفسه ينطبق ايضا على الفصل السابع المتعلق بسقوط ووقف الحق في المعاش او المكافأة (المادة 44) التي تنص على: انه لا يجوز حرمان موظف من المعاش او المكافأة إلا بقرار يصدر من مجلس تأديبي، وفي حدود ربع المعاش او المكافأة. المفارقة في هذه الفقرة هي: انه لا وجود لذلك المجلس التأديبي الذي تتحدث عنه الفقرة، ولم نسمع قط ان أية مصلحة حكومية مارس مجلس من هذا النوع صلاحيات أوكلت اليه، وان وجد ذلك المجلس لا يمكن ان يحل مكان المحكمة الإدارية بحسب المعايير المعمول بها عالميا.
الفصل الثامن المتعلق بإنشاء الهيئة العامة لصندوق التقاعد، نلاحظ في هذا الفصل ان المادة (28) اعتبرت: الهيئة العامة لصندوق التقاعد مؤسسة عامة لها شخصيتها الاعتبارية، والواقع ان الهيئة ما هي إلا مؤسسة حكومية، يعين مديرها العام بقرار من رئيس الوزراء ويتبع موظفيها ومستخدميها الكادر الوظيفي وسلم الخدمة المدنية الحكومي، وتحدد الحكومة سياسات عمل الهيئة، ومجلس إدارتها من أعضاء الحكومة، ولا يوجد مجلس إدارة منتخب يمثل قطاعات المتقاعدين كافة في المملكة للحفاظ على مصالحهم وأموالهم التي استثمروها لوقت تقاعدهم، وإلا ستطير مع أدراج الرياح كما طارت أموال المستثمرين في صندوق التأمينات. الموازنة المستقلة التي تحدثت عنها الفقرة، موازنة جامدة تضعها وزارة المالية والاقتصاد الوطني، وتشرف على نطاق ونواحي صرفها، وتحدد طرق وأساليب استثمارها ونواحي صرف فوائدها ان وجدت، وتوزيعها وفقا لمرئيات وزارة المالية والاقتصاد الوطني وليس لمرئيات المتقاعدين المستفيدين الاساسيين بصرف تلك الاموال.
الفصل التاسع المتعلق بتأمين إصابات العمل، المادة (54) تنص على: انه اذا وقعت الإصابة اثناء العمل او بسببه يستحق المصاب التأمين، ويعتبر في حكم إصابة العمل، كل حادث يقع للموظف الخاضع لأحكام هذا القانون خلال فترة ذهابه لمقر عمله او عودته منه، بشرط ان يكون الذهاب او الاياب من دون توقف او تخلف او انحراف عن الطريق الطبيعي. هذه الفقرة غير الواضحة والمبهمة، لم تحدد نوع العمل الذي يمارسه الموظف المستحق للتأمين عند الإصابة. الكادر الحكومي متشعب ومتباين وفقا لاحتياجات كل مصلحة وجهاز حكومي، فهناك على سبيل المثال، مبتعثين يمثلون مملكة البحرين في الخارج يتعرضون لحوادث مميتة ولأخطار غير مرئية، وهم بحكم قانون الخدمة المدنية يمارسون عملا حكوميا يوميا بمواصفات تختلف تماما عن الموظفين العاديين، لذلك وضعت بعض الدول المتقدمة على سبيل المثال كادرا وظيفيا خاصا بالخدمة الخارجية، إلا أن موظفي الحكومة حاليا ما داموا في الخارج حسب نظر الهيئة لا ينطبق عليه نظام علاوات المبتعثين الحكوميين وعلاوات المخاطر وعلاوات العلاج عند إصابتهم، وعند اصابتهم اثناء تأدية عملهم في الخارج بعجز جزئي او كلي، لا يعتبرون ممثلين لمملكة البحرين في الخارج، وعلى ذلك الاساس لا يحق لهم الحصول على مبلغ التأمين عند الاصابة، اما لعجز كلي او جزئي كما تنص عليه المواد 57 و60 و62 و63.
أما أغرب حادثة شاهدتها بأم عيني، فهي حادثة موظف مجتهد نشيط يؤدي وظيفته الحكومية على أفضل وجه، وهو في أواخر الاربعينات من العمر وأب لثلاثة أولاد وبنت واحدة، تعرض المسكين لمشادة أثناء مراجعة احدهم له في عمله، أثرت المشادة على أعصابه واغمي عليه ونقل في الحال على أثر ذلك الى المستشفى، لتكتشف العائلة أن مصدر رزقهم أصيب بسكتة دماغية، وظل على هذه الحال لمدة سنة واحدة، وبدلا من ان تبدل المصلحة الحكومية المعنية قصارى جهدها لعلاجه في البحرين أو خارجها، اتخذت قرارا معاكسا مجحفا بحقه، وقامت بإحالته على التقاعد، ولهول الصدمة جرت عائلته جري الوحوش لتضمن حقها في الحصول على راتب تقاعدي معقول، يكفي لإعالتهم، إلا أن تلك المصلحة الحكومية وديوان الخدمة المدنية وصندوق التقاعد، اتخذوا قرارا مأسويا بصرف راتب له لا يصل حتى الى 50 في المئة من راتبه الاعتيادي، ويبقى المصاب في المستشفى، وتبقى العائلة تجول بين المسئولين عسى أن تحصل على الأقل على درجة أو درجتين تؤهلهم للحصول على زيادة في سلمه الوظيفي لتحسين وضع العائلة المعيشي ولكن ما من مجيب.
هذه عينة من الظلم الذي يتعرض له المتقاعد من جراء ضعف الأداء الوظيفي لهيئة صندوق التقاعد. الأغرب من ذلك ان موضوع استقلالية الهيئة لن يتحقق أبدا بعد ان صدر تعميم رقم (1) للسنة 2003 عن ديوان الخدمة المدنية الحكومي، واعترضت عليه الهيئة التحضيرية للهيئة العامة لصندوق التقاعد، والخاص بمنع تشكيل نقابات عمالية في القطاع الحكومي. مؤسسات المجتمع المدني في البحرين اعتبرت التعميم تعد صارخ، واختراقا لقانون النقابات ونصوص ميثاق العمل الوطني ودستور 2003، وأن التعميم صادر عن جهة غير مشرعة للقوانين، وقد تجاوزت صلاحيتها وارتكبت مخالفة قانونية تمس الديمقراطية والانفتاح الاصلاحي الحالي في البحرين، وهذا يعني من ناحية أخرى ان اشراقة انشاء نقابة لحماية مصالح المتقاعدين ستبقى محض خيال وأمنية لا يمكن تحقيقها
العدد 231 - الخميس 24 أبريل 2003م الموافق 21 صفر 1424هـ