العدد 231 - الخميس 24 أبريل 2003م الموافق 21 صفر 1424هـ

نفط العراق ونفط إفريقيا!

معركة الطاقة تنتقل إلى «القارة السمراء»

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

أظهرت الأزمة العراقية، تحديدا عمليات التصويت الأخيرة داخل مجلس الأمن، أهمية القارة الافريقية وتأثيرها ودورها المستقبلي على الصعيد العالمي، بعدما كان الجميع يتهرب منها نتيجة أعمال العنف التي تتسم بها والأوبئة التي تصدرها، ولم يكن من قبيل المصادفة ان أصبحت ثلاث دول غنية بالنفط وهي: أنغولا والكاميرون وغينيا، محور تجاذب ملفت في مارس/آذار الماضي، بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا من جهة، وفرنسا من جهة أخرى.

فقد تنافست هذه الأطراف الكبرى بحدة فيما بينها، مستخدمة كل أشكال الترهيب والترغيب لكسب أصوات هذه البلدان الافريقية التي كان لا يمكن، من دون موافقتها، التوصل الى اصدار قرار اللجوء إلى القوة لاسقاط نظام صدام حسين. اليوم، وبعد ان حطت الحرب أوزارها، هل ستحتل هذه الدول الافريقية التي يضاف اليها أرخبيل «ساو تومي» ونيجيريا، الغنيان بالذهب الأسود، مجددا مكانة متميزة في الاستراتيجية التي وضعتها ادارة جورج دبليو بوش القائمة على السيطرة على منابع النفط الواعدة في العالم للسنوات المقبلة؟ أم أن هذه الأخيرة ستخفف من تركيزها على هذه القارة وثرواتها ريثما تنتهي أو تتمكن من هضم النفط العراقي الذي اعتقدت جازمة بأنها قضمته بانتصارها العسكري؟

في هذا الاطار يجمع الكثير من الخبراء الجغراسياسيين والاقتصاديين المختصين بالشأن الافريقي في اجابتهم عن التساؤل المطروح، على تأكيد ان الولايات المتحدة ومنذ عهد الرئيس السابق بيل كلينتون حسمت أمرها لناحية إحداث اختراقات مهمة في الساحة الافريقية من خلال تحديد اهداف واضحة مع تأمين الادوات اللازمة للوصول اليها. فدخول هذه المنطقة لم يعد مسألة خرافية بالنسبة إلى أميركا، بل بات، منذ انهيار جدار برلين، من الثوابت في جميع سياساتها. فالمستشارون للرئيس كلينتون نصحوا في حينه بمد يد العون لهذه القارة المعزولة عمليا، والتي اهملتها فرنسا وسائر الدول الأوروبية الاخرى التي استعمرتها في الماضي، بحيث اضحى هذا الجزء الذي يمثل 13,2 في المئة من سكان الكرة الأرضية لا يحقق سوى 3 في المئة من حجم التجارة العالمية ولا يجذب أكثر من 2 في المئة من اجمالي الاستثمارات الخارجية المباشرة.

التجارة بدلا من الصدقات

لقد اقتنع كلينتون بحجة هذا التشخيص، كما سعى بسرعة إلى وضع الافكار المعروضة عليه موضع التنفيذ، آخذا على حين غرة منافسي بلاده التقليديين في القارة السوداء. كما استخدم ايضا فن ادارة الاعمال المعتمد من قبل مدرسة أميركا الشمالية في إحداث الاختراق الأولي المطلوب، ذلك عندما اطلق شعاره الشهير «التجارة بدلا من المساعدات والصدقات»، التي، بحسب قوله، عوَّدهم عليها المستعمر الأوروبي. ولم يكتف كلينتون بطرح الشعارات، بل أقرن أقواله بالفعل من خلال انشاء ما يسمى بـ «المعاهدة الافريقية للتنمية والفرص - (أغوا(AGOA »، التي أعفت بموجبها واشنطن منتجات 38 دولة افريقية فقيرة من دفع الرسوم الجمركية، فكان بذلك ان اصبحت دول مثل انغولا التي جلست سنين طويلة في احضان الشيوعية صديقة للامبريالية.

في السياق عينه بات المدربون العسكريون الأميركيون يؤهلون الفرق الأمنية في غينيا ويجهزونها بالاسلحة المناسبة.

سلطت الازمة العراقية الضوء على الأهمية الاستثنائية لخليج غينيا الذي بات يشكل مصلحة حيوية للأميركان، ذلك في الوقت الذي أعادت فيه فرنسا حساباتها ورهاناتها بالنسبة إلى الثروات النفطية لغرب افريقيا الاستوائية، فعندما بدأ البحث عن اكثرية الاصوات في مجلس الأمن، تضاعفت الاتصالات الهاتفية وتتالت الزيارات وأغدقت الوعود يمينا ويسارا من قبل كل من باريس وواشنطن، بهدف اغراء رؤساء غينيا وأنغولا والكاميرون. وعلى رغم فشل أميركا في كسب الجولة واستصدار قرار أممي لمصلحتها، لم تلجأ إلى معاقبة هذه الدول الافريقية لخذلانها في مواجهة دولة تابعة للقارة العجوز اوروبا. فعلى العكس من ذلك، حركت مؤسساتها العاملة في افريقيا على الفور لزيادة انشطتها وتسريع وتيرة انجاز البرامج الانمائية والتجارية التي وعدت بها في العام 2002، ما يعني ان افريقيا رهان استراتيجي للمرحلة المقبلة وان نفطها وثرواتها الطبيعية الاخرى سيكونان من دون ادنى شك ساحة لاختبار القوة بينها وبين فرقاء آخرين، في طليعتهم فرنسا، لذلك عمدت واشنطن من خلال موقعها «المتفهم» لاستقلالية قرار الدول الافريقية، إلى التأكيد لهذه الاخيرة بأن ما وعدت به لناحية تعزيز المسار الديمقراطي في القارة، قرار لا عودة عنه، لكن الحقيقة هي في الواقع غير ذلك تماما كما يقول «بابا ديمبا تيام» أبرز الاقتصاديين في نادي الساحل وغرب افريقيا، الذي يرى ان مسألة الديمقراطية تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة إلى إدارة الجمهورية، بعيدا عن النفط ومصالح الكازتيلات التي يسيطر عليها الفريق المحيط بالبيت الابيض. ولا يبدو ان الاميركيين أنفسهم مقتنعون بهذا الجانب. هذا ما عبّر عنه الاستاذ المحاضر في جامعة «نورث وستيرن» عضو «المؤسسة الوطنية للديمقراطية» ريتشارد جوزف في بداية هذا الشهر في مداخلة له نظمتها هذه المؤسسة عن موضوع «التنمية الديمقراطية ومشكلات افريقيا». فالوضع السياسي والاقتصادي في الكثير من البلدان الافريقية معقد جدا بسبب القمع والرشوة والفقر. كما انه ليس هنالك تحسن في الافق.

مع ذلك، يبدو ان الاميركيين مصممون على «انتزاع» افريقيا من القبضة الأوروبية الفرنسية تحديدا، وبأي ثمن، والدليل على ذلك كيفية التعاطي مع الكاميرون الذي يحظى رئيسها «بول بيا» بعطف خاص من قبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك. على رغم هذا الواقع، عمل الرئيس بوش خلال استقباله الزعيم الافريقي، غداة بدء الحرب في العراق، في 21 مارس الماضي على اعادة افتتاح الوكالة الأميركية للمساعدة في ياوندي المغلقة منذ العام 1990. كما شجع الشركة الأميركية «آ. أي. اس» على شراء شركة الكهرباء الكاميرونية «سوفيل»، ما ضخ سيولة في خزينة الحكومة المحلية الافريقية. ولم يتوقف الرئيس الأميركي عند هذا الحد، بل وقف بشكل مدروس الى جانب الكاميرون في نزاعها الحدودي مع نيجيريا بشأن شبه جزيرة باكاسي. وكان بنتيجة هذا الدعم المالي والسياسي، ان بادرت وسائل الاعلام الكاميرونية إلى الاشادة بالولايات المتحدة، منددة في المقابل، بإهمال وزيرة الدفاع الفرنسية «ميشال اليوت ماري» التي تجاهلت بلادهم خلال جولتها الافريقية الاخيرة.

نفطهم يهمنا

ان عودة التركيز على افريقيا يشكل جزءا من الاستراتيحية الاميركية التي تم تحديدها اثر حوادث 11 سبتمبر/ايلول 2001، عندما قدم مستشارو البيت الابيض دراسة مدعمة بالاحصاءات بشأن اهمية الرهانات في مجال الطاقة الافريقية في المرحلة المقبلة. في هذا الاطار أشارت هذه الدراسة الى ان خليج غينيا، على سبيل المثال، يوفر 15 في المئة من النفط الذي تستهلكه الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الاهتمام باستغلاله يمكن ان يؤمن بسهولة 25 في المئة من الاحتياجات في العام 2015، ذلك لأن هذا الخليج يملك آبارا عملاقة من النفط والغاز لها خصوصيتان مميزتان، الأولى انها بحسب المعلومات، أكثر قربا من الناحية الجغرافية وأكثر أمانا. فثلثا الاحتياطات توجد على بعد العشرات من الكيلومترات داخل البحر، اي بمنأى عن الاضطرابات المحتملة على اليابسة، اضافة إلى سهولة حمايتها، والحال هذه، من قبل البحرية الأميركية.

وتجدر الإشارة الى ان اميركا تراهن بشكل كبير على هذه القارة، كما تنوي الاستثمار عبر شركاتها النفطية ما يزيد على عشرة بلايين من الدولارات سنويا طوال فترة عشر سنوات. فهذه الاخيرة موجودة الآن، كما تتموضع هذه الشركات عبر مجال الابحاث في المحيطات التي تشمل اعماق غينيا الاستوائية أو انغولا. كما انها تقف وراء مد الانبوب الذي سيسمح ابتداء من شهر يونيو/حزيران المقبل، بنقل النفط التشادي - الذي انتزع من شركة إلف الفرنسية - من دوما الى محطة التكرير الكاميرونية بكريبي. من جهة اخرى تقوم الولايات المتحدة بتأهيل قوات افريقية لحفظ السلام سميت بالمبادرة الافريقية المسئولة عن الازمات (اكري)، لتكون في مواجهة التشكيل الذي انشأته فرنسا والمعروف باسم «تعزيز القدرات الافريقية لحفظ السلام». ضمن التوجه نفسه، قررت واشنطن افتتاح سفارة لها في غينيا الاستوائية وبناء اخرى جديدة في العاصمة النيجيرية، ابوجا.

باختصار، يمكن القول ان اميركا تمكنت في أقل من ثماني سنوات من «غزو» الساحة النفطية الافريقية على حساب الشركات الفرنسية. ففي انغولا وحدها تستحوذ الشركات الأميركية الثلاث العملاقة «شيفرون - تكساكو واكسون - موبيل وبي بي» على 47 اكتشافا مقابل 17 لشركة «توتال فينا إلف» الموجودة تاريخيا في هذا البلد.

وتحاول واشنطن تعزيز اختراقها النفطي عبر دخول مجالات أخرى كانت مهملة نسبيا حتى هذا التاريخ. فقد ابدى وزير خارجيتها كولن باول، «شغفا» مختلفا بغابات حوض الكونغو، معلنا في قمة جوهانسبورغ المنعقدة في سبتمبر الماضي، ان الشركات الاميركية والجمعيات غير الحكومية والادارة الاميركية ستخصص مبلغ 53 مليون دولار لانقاذ هذه الغابات في كل من الغابون والكونغو، وجمهورية افريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية، وجنوب افريقيا، والكاميرون.

ومنعا لكل التأويلات بشأن خلفية هذه المبادرة «البيئية»، عاد باول إلى الاعلان في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أن بلاده لا تريد شيئا في المقابل، بمعنى آخر امتيازات نفطية وغازية في هذه البلدان، لأنه بحسب قوله، ليست هنالك مصلحة سياسية أو جغراستراتيجية من وراء تقديم مساعدة من هذا النوع. لكن الافارقة لا يرون هذه التبريرات بالمنطق نفسه. كما لا يعتبرونها بمثابة مبادرات بريئة. لذلك فقد شرعت منذ الآن بتوظيف امكاناتها النفطية والغازية وفقا لمصالحها من خلال فتح باب المنافسة امام الجميع. في هذا الصدد، تحاول هذه الدول ادخال عرابيها القدامى والجدد على الخط، وفي آن معا. هذا ما اكدته نتائج الجولة الافريقية التي قام بها الرئيس الصيني والتي نجم عنها مساعدة نيجيريا على بناء مصاف للنفط، وتصنيع الاسلحة الخفيفة، واعادة تشغيل وتحديث خطوط سكك الحديد ما يشير الى ان المفاوضات والمنافسات قد بدأت في هذه القارة بشكل حاد يمكن ان يضع بلدانها أو بعضها في عين العاصفة.

على أية حال، فإن ضرورة تنويع مصادر مخزونها من الطاقة ليست مسألة جديدة بالنسبة إلى واشنطن، لكنها اصبحت أكثر الحاحا منذ الحادي عشر من سبتمبر وخصوصا بعد ان زاد الاستهلاك الداخلي، وبالتالي الاستيراد. فالاميركيون يستوردون اليوم 56 في المئة من النفط الخام الذي يستهلكونه. الأمر الذي سيدفع إلى مضاعفة «هجماتهم» الدبلوماسية لتعزيز مواقع قدم لهم في القارة الافريقية في ظل المعلومات التي تؤكد وجود احتياطات هائلة من النفط والغاز فيها.

يبقى السؤال: هل سيتحول نفط بعض البلدان في هذه المنطقة إلى سبب لغزو أميركي بالقوة في حال فشلت الهيمنة التجارية والسياسية عليه؟... هذا ما تخشاه عدة أوساط فرنسية مطلعة

العدد 231 - الخميس 24 أبريل 2003م الموافق 21 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً