العمالة الاجنبية مشكلة حقيقية اذ تبلغ نسبتها في البحرين ستين في المئة وفي دول خليجية اخرى تصل الى ثمانين وربما تسعين في المئة. هؤلاء لهم حقوق ضمنتها اتفاقية دولية والامم المتحدة، بضغط من دول مثل الهند، تطالب الحكومات الخليجية التوقيع على الاتفاقية والموافقة على السماح للجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة بمراقبة الاوضاع التي يتعرض لها العمال الاجانب.
العمالة الاجنبية التي تثير قلق المؤسسات الدولية تتركز علي الفئات الفقيرة التي ترضى بالقليل. فهم لا يسعون لأخذ شيء من أيدي مواطني هذا البلد إلا بعرقهم وكدهم ولم يأتوا الي هذا البلد او ذاك الا بدعوة او رخصة رسمية. والمحصلة أن هؤلاء العمال يقعون بين نارين، نار بعض الشركات التي تستغل هؤلاء المحتاجين أسوء استغلال ونار رفض الشارع لهؤلاء نتيجة إحساسهم بالمنافسة في الحصول على الأعمال.
يقول أحد العمال الاجانب لـ «الوسط»: «إننا نعمل سبعة أيام في الأسبوع من دون أجازات أو حتى راحة» هذا الكلام فتح باب آخر هو استغلال العامل في كل المجالات فهو في الصباح عامل في مكتب، وبعد الظهر منظف سيارات، وفي فترة العصر عامل بناء، وفي المساء سائق... وكأنه آله تعمل من دون توقف فحتى الآلة لابد لها أن ترتاح وإلا أصابها العطب، في حين أن عددا من الشركات ترفض علاج العامل أو السماح له بالذهاب إلى المستشفى لتلقي العلاج على نفقتها.
شواهد من الواقع المرير
عن الاجازات التي لم تعطَ لهم لمدة طويلة قال : «إن رئيس قسم السلامة الأهلية بوزارة العمل وعد بعقد اجتماع قريب مع الشركات لمناقشة هذا الموضوع بشكل سريع لإيجاد حلول».
ويقول عامل آخر: «نحن نعلم مدى المشكلة التي يعاني منها الشباب البحريني في الحصول على الأعمال، وهناك من لا يجد عملا كما أن هناك من يعمل معنا وقد يقبل برواتبنا ولكن الكثيرين منهم لا يرضون بالعمل الذي نعمل به، فنحن لا ننافس البحرينيين في أرزاقهم، والشعب البحريني يعي ذلك جيدا، إنه لا يستطيع أن يعمل في محل «السمبوسة» أو في محل الحلاقة الرجالية أو حتى في المقاولات وأعمال الحفريات لتدني رواتبها والتي لا تناسب معيشتهم، نحن نقبل بان نعمل في هذه الأعمال نظرا لحاجتنا وظروف معيشتنا، ونتحمل هذه الظروف القاسية لأننا فقراء، ونعيل أسرا في بلدنا، فـ 50 دينارا و60 دينارا تعني لنا ولأهلنا الشيء الكثير».
ويضيف: «لكن هناك من يستغل هذه الحاجة ويعاملنا وكأننا عبيد (...) يضربوننا أو يحرموننا من الرواتب أو حتى نمنع من السفر ويتم حجز جوازات سفرنا، نعامل وكأننا آفة في مجتمع لابد من حبسنا في زنزانات لا نخرج منها إلا للعمل خوفا من أن يرانا احد ويبلغ المسئولين في الجهات الرسمية عنا لأننا قد نكون (Free Visa) ولا أعلم لماذا هذا القانون».
تقرير حقوق الإنسان
يشير التقرير السنوي لحقوق الإنسان في البحرين لعام 2001 - 2002 الذي أصدرته الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان «إنه لم يحقق تعديل قانون العمل أي تقدم لإصلاح أوضاع العمالة الوافدة، وتعاني العمالة الآسيوية غير الماهرة من انتهاكات فاضحة لحقوقهم الإنسانية والعمالية، إذ يعيش غالبيتهم في ظروف معيشية قاسية ويتكدسون في بيوت قديمة أو عنابر تخصصها الشركات لهم. ويعيش العامل الوافد تحت رحمة الكفيل الذي يحتجز جواز سفره منذ لحظة وصوله إلى البلاد بحيث لا يتمكن العامل من الإفلات من رب العمل الذي يملك الحق في إبعاده عن البلاد بشكل قسري».
ويشير التقرير إلى « تفاقم معاناة العمالة الوافدة أو ما يطلق عليهم تجاوزا عمال (Free Visa) إذ يجلبهم بعض المواطنين وخصوصا المتنفذين منهم ويتركونهم ليبحثوا بأنفسهم عن وظائف ما يدفعهم لقبول أصعب الأعمال وأخطرها. ولا يحمي قانون العمل هذه الفئة من العمال، وبالتالي فإنهم لا يقعون تحت مظلة التأمينات الاجتماعية التي تشمل التأمين ضد مخاطر العمل... كما يفرض الكفيل عليهم ما يشبه الإتاوة إذ يلزمهم بأن يدفعوا له نسبة معينة من راتبهم الضئيل، وتتسبب هذه الأوضاع في معاناة شديدة لهذه العمالة وتتزايد بينهم حالات الاكتئاب والانتحار، ويتعرض الكثير منهم لإساءة المعاملة من قبل الكفيل أو المستخدم ولمطاردة السلطات الأمنية باعتبارهم عمالة غير قانونية».
كما لم ينسَ التقرير العماله المنزلية التي لم نتطرق إليها في تحقيقنا هذا، والتي عبر عنها انها تعيش أوضاعا شبيهة إلى حد ما بالأوضاع السابقة، إذ يستثنيها قانون العمل كما أنها لا تتمتع بأية تأمينات اجتماعية، وتعيش تحت رحمة رب العمل، وتعجز عن حماية حقوقها، وتعمل لساعات طويلة تزيد في أحيان كثيرة على ست عشرة ساعة في اليوم براتب ضئيل لا يتعدى في الغالبية العظمى من الحالات أربعين دينارا بحرينيا، قد لا تدفع في بعض الحالات.
ولا تتمتع هذه الفئة بأي نوع من الأجازات المنصوص عليها في قانون العمل، وتعجز سفارات بلادها عن حمايتها. وقد تعاملت الجمعية البحرينية مع الكثير من الشكاوى بشأن إساءة معاملة العاملين في المنازل من قبل مستخدميهم.
وجاء في التقرير أيضا «إن نظام الكفيل يحول العامل إلى مملوك يعمل بنظام السخرة، ويعيش تحت وطأة الخوف من الإبعاد القسري في أية لحظة، وقد سجلت الدولة تقدما بسيطا في هذا الاتجاه بالسماح للعمالة الأجنبية بالتحويل المحلي عندما أصدرت القرارين رقم 21 لسنة 2001 والقرار رقم 8 لسنة 2002، إلا أنه يصعب على العامل تطبيق هذا النظام في حال رفض صاحب العمل تحويله».
الممارسات والتناقض مع حقوق الإنسان
وأضاف التقرير «أنه على رغم أن هذه الممارسات تتناقض تناقضا صارخا مع حقوق الإنسان والقيم الدينية في المجتمع البحريني، فإن الجهات الرسمية لم تستطع القضاء عليها».
وتجد الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان صعوبة في رصد حجم هذه المشكلة نتيجة لعدم توافر المعلومات واحاطتها بالسرية، وللقضاء على هذه المشكلة ترى الجمعية ضرورة التعاون بين الجهات الرسمية والأهلية الحقوقية وتوفير المعلومات لهذه الجمعيات من أجل دراسة المشكلة ومعرفة حجمها وأبعادها وكشف الجهات التي تقف وراءها، كما يتطلب الأمر اتخاذ إجراءات صارمة وحاسمة من قبل السلطة التنفيذية للقضاء على هذا النوع من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان».
وقد خرج التقرير بالكثير من التوصيات في هذا الشأن أهمها انضمام مملكة البحرين إلى اتفاقات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالعمالة الوافدة وتضمينها في التشريعات الوطنية، وإلغاء نظام الكفيل واستبداله بنظام يضمن الحقوق العمالية والإنسانية للعمالة الوافدة، والعمل على تعديل قانون العمل ليشمل العمالة المنزلية، وسرعة اتخاذ إجراءات جادة وفعالة للقضاء على الاستغلال الجنسي وتجارة الرقيق الذي تتعرض له بعض الفئات من العمالة النسوية الوافدة.
ويأتي ضمن الاتفاق الدولي لحماية حقوق العمال المهاجرين انه «لا يحق لأية سلطة ترحيل العمالة الأجنبية من دون حكم قضائي وإذا توجب ذلك فيجب إبلاغهم بالقرار وأسبابه كتابيا وبلغة يفهمونها، كما يحق لهم مراجعة قضيتهم من قبل سلطة قضائية إلا إذا كان طردهم لدواعي تتعلق بالأمن الوطني وإذا تم تعليق المراجعة فلهم الحق في طلب البقاء حتى يصدر القرار النهائي. وإذا تم تنفيذ حكم الطرد ثم الغي لاحقا فللشخص المعني حق المطالبة بتعويض طبقا للقانون وألا يستخدم الحكم السابق في منعه من إعادة دخول البلد المعني كما يجب إعطاؤه مهلة معقولة قبل أن يتم ترحيله لينهي أية التزامات مالية أو غيرها.
وعند ذلك يختار العامل المرحل أي بلد يشاء كما انه لا يتحمل أية كلفة عدا كلفة سفره. كما يجب ألا يؤدي الطرد إلى إجحاف أي من حقوقه ومنها حق تسلم راتبه والالتزامات الأخرى الواجبة عليه. ويحق لهم أيضا اللجوء الى أية سلطة قانونية أو دبلوماسية من دولتهم أو الدولة التي تمثلها في حال انتهاك حقوقهم وخصوصا في حال الطرد».
«كما يجب أن تتم مساواتهم مع المواطنين في الدولة المعنية أمام المحكمة والقضاء من حيث الحصول على محاكمة عادلة وعلنية من قبل محكمة قادرة ومستقلة ونزيهة، وان يكفل لهم أن يعاملوا كأبرياء حتى تتم إدانتهم، وان يعلموا فورا عن طبيعة التهمة الموجهة إليهم، وان يعطوا وقتا كافيا للاتصال بمحامي من اختيارهم، وان يقدموا للمحاكمة من دون تأخير وان تعقد المحكمة بحضورهم بحيث يعطوا حق الدفاع عن أنفسهم بصورة شخصية أو عن طريق محامي، مع مراعاة ألا يتحملوا كلفة أي من هذه الأمور. كما يمكن لهم الحصول على مترجم مجاني إن استلزم الأمر ويجب ألا يجبروا على الشهادة على أنفسهم أو الاعتراف بأنهم مذنبين، وبعد ذلك إذا أدينوا بجريمة ما، يكون لهم حق مراجعة إدانتهم والحكم الصادر ضدهم من قبل سلطة قضائية أعلى أما إذا صدر قرار أخير بإدانتهم بجريمة ثم تم العفو عنهم على أساس حقائق جديدة تثبت عدم عدالة الحكم فيجب تعويض من تعرضوا للتعذيب منهم طبقا للقانون إلا إذا ثبت أن سبب عدم التوصل للحقيقة التي أثبتت براءة المتهم هو المتهم نفسه، ومن حقهم ألا يتم تعذيبهم أو محاكمتهم مرة أخرى على جريمة أدينوا بها أو برئوا منها، وألا يتهموا بأية جريمة لقيامهم بعمل لا يشكل جريمة بحسب القانون المحلي والدولي في حين ارتكاب الجريمة، كما لا يجب فرض عقوبة اكبر عليهم من العقوبة التي كانت موجودة في وقت ارتكاب الجريمة، أما إذا تم تخفيف العقوبة لاحقا على التهمة المعنية فيجب أن يستفيد المتهم من ذلك».
ما هو الحل؟
أن هذه العمالة لا علاقة لها بمشكلة البطالة التي تعاني منها البحرين فلا يوجد أي بحريني سيقبل العمل في مهن لا يتجاوز راتبها 80 دينارا، ولذلك لا يمكن للبحرين - في ظ هذه الظروف - لأن تستغني عن هذه العمالة التي هي في الحقيقة ركيزة البناء الأساسي للمشروعات الكبرى التي تخدم البلد... مع التأكيد أن هناك شركات عديدة وأرباب عمل يراعون ضميرهم في تعاملاتهم اليومية مع العمال الأجانب وغير الأجانب طلبا للمباركة في الأرزاق.
ويبقى السؤال المطروح ما هو الدور المطلوب من الحكومة ومجلس النواب والمنظمات الإنسانية تجاه حقوق العمال الأجانب؟
إن الحكومة ومجلس النواب ومنظمات أصحاب الأعمال ومنظمات العمال شركاء أساسيين في صوغ أي قانون جديد للعمل وإخراجه إلى حيز التنفيذ. وإن على مجلس النواب، مراقبة تنفيذ القانون والإجراءات المكملة له بصفة دورية، والمطالبة بتعديل أية أحكام في القانون ثبت من خلال التطبيق عجزها من مواجهة المشكلات العمالية القائمة، كل ذلك من أجل الدفع بالمخالفات والتجاوزات لتتراجع إلى أدنى حدودها. هذا، بجانب تقوية أجهزة الإشراف والرقابة الحكومية أيضا، وهي رقابة جماعية تشترك فيها كل من وزارة العمل والشئون الاجتماعية، والتجارة والصناعة والداخلية.
والحل يكمن في توحيد سوق العمل بحيث يصبح من حق العامل الاجنب ان ينتقل الى وظيفة اخرى وتتقارب ظروفه وحقوقه من الموطن وبعد ذلك يمكن لصاحب العمل ان يوظف من يشاء على اساس الحاجة والكفاءة، مع الاخذ بعين الاعتبار وضع السوق المحلي والخليجي الذي قد ينافس التاجر البحريني باستخدام الوسائل الحالية. ولكن علينا ان نعي ان الوقت ليس بعيدا عندما تفرض لجنة حقوق الانسان ومنظمة العمل الدولية شروطا على دولنا خصوصا مع ازدياد الحديث عن هذا الموضوع في اروقة الامم المتحدة وازدياد الضغط على الدول الخليجية لحثها على التوقيع على الاتفاقية الدولية لرعاية حقوق العمال الوافدين وعوئلهم
العدد 231 - الخميس 24 أبريل 2003م الموافق 21 صفر 1424هـ