هذه الأرض العريقة أنبتت منذ أمد ـ ومازالت ـ عظماء ومفكرين وفقهاء. فتاريخ البحرين تاريخ عريق، تاريخ حضارة... وهناك أكثر من قمة وأكثر من ناحية علمية عرف بها هذا البلد... فلاسفة وفقهاء وعلماء. ولو رجعنا إلى تاريخها لرأيناه مليئا بأسماء كثيرة عرفت حتى على مستوى العالم الإسلامي.
يقول عبدالله العلايلي: «تاريخ كل أمة إنما هو في الحقيقة تاريخ عظمائها... فأمة لا عظيم فيها لا تاريخ لها وليست جديرة بالتاريخ...». لهذا نرى البحرين جديرة بالتاريخ لأن تاريخها مليء بالعظماء... وإلى يومنا هذا مازالت البحرين تنجب رموزا وعلماء ومفكرين في أكثر من حقل وحقل... وحتى في العلوم الحديثة من علوم إنسانية وغيرها.
ما أريد قوله: إذا كان هكذا هو حال هذه الأرض وتاريخ هذا البلد، فلماذا لا يكون لها وزارة ثقافة تليق بهذا التاريخ فتستطيع استيعاب هذه الكفاءات المهدورة والمبعثرة هنا وهناك، بين ضائع في أرض أو مهاجر طمعا في مناخ آخر أكثر رحمة وإبداعا وتطلعا... لكن طبعا شريطة ألا يتكرر الخطأ ذاته... فيجب أن يكون الوزير فيها يليق بمستوى وتاريخ هذا الشعب وهذه المملكة... أن يكون مفكرا مثقفا وطنيا، متوازنا، وأن يمتلك آفاقا واسعة في الفكر والثقافة والمعرفة... حتى يكون بمستوى الترافع ويليق بحجم تاريخ هذا البلد وذا شهادة عليا.
الكثير من المثقفين البحرينيين مازالوا يشعرون بالتهميش والانتقائية في إعطاء المساحة الواسعة من الانتشار المعرفي الذي يليق بهم كمثقفين ومفكرين... فمازالت المحسوبية تلعب دورا، ومازال هناك أناس تطفلوا على الثقافة وقادهم الحظ لأنهم جاؤوا من بوابة المسئول الفلاني أو العلاني... في الوقت الذي ضاع الكثير من العلماء والمثقفين من البحرينيين في زوايا النسيان وطمروا في العتمة لأنهم كانوا يحملون رؤى معتدلة، أو لأنهم كانوا مستقلين، أو لأنهم دعوا إلى الفكر النقدي لا الفكر الدعائي أو إلى نظرية الهتاف.
وهذا الإقصاء الثقافي مازال قائما حتى استطاع بعض المسئولين أن يصل إلى درجة جعل حتى بيع الكتب السنوية التي تشترى لبعض الوزارات حكرا على مكتبته الخاصة، وبعض المكتبات المنتفعة، وقِس على ذلك... كتب يروّج لها، وكتب تُصادر، وكتب لا يُسمح بدخولها... وكتب تُشترى من قبل الوزارة ـ كعمل تقليدي درجت عليه ـ وكتب لا تُشترى. وهكذا هي المحسوبية تتحرك حتى تصادر كل ما يمت إلى الثقافة أو الرأي.
أنا أؤمن بأن التوازن يقود إلى الحقيقة... وذلك يكون بترسيخ ثقافة الرأي والنقد لا ثقافة الهتاف والتطبيل، ومجتمع يعد نفسه ثقافيا يقبل بالتصفيق الدائم هو مجتمع لا يمكن أن يحقق استقرارا ثقافيا.
ألم أقل لكم إننا بحاجة إلى وزارة ثقافة؟... وإلى قانون ينظم الصحافة، لا إلى قانون يكمم فاهها ويقيد يديها
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 230 - الأربعاء 23 أبريل 2003م الموافق 20 صفر 1424هـ