العدد 230 - الأربعاء 23 أبريل 2003م الموافق 20 صفر 1424هـ

انقسام البيت الفلسطيني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المعركة القائمة الآن بين ياسر عرفات ومحمود عباس على تشكيل الحكومة الفلسطينية تكشف عن الضعف السياسي الذي وصلت اليه السلطة بعد سنوات من الحصار. فالمعركة الآن انتقلت من الشارع بين الانتفاضة وقوات الاحتلال إلى داخل السلطة. عرفات يريد تحصين مواقعه من الاختراق الداخلي وعباس يستقوي بالدعم الأميركي والرضى الاسرائيلي لتشكيل قوة ضغط تفرض على رئيس السلطة الفلسطينية القبول بمشروع تسوية لا وظيفة له سوى تبرير الاحتلال والتنازل عن حقوق اقرتها المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة والاتفاقات التي وقعها رئيس منظمة التحرير مع الحكومة الاسرائيلية في حديقة البيت الأبيض في واشنطن.

الوضع الفلسطيني يمر في مأزق. والمأزق هذه المرة ليس من خارج السلطة بل من داخلها. وعباس (أبو مازن) يريد استخدام موقعه (رئيس حكومة معين) لإحداث نوع من الاختراق السياسي يضعف موقع عرفات كرئيس للسلطة يفاوض الاحتلال على خطوط المواجهات اليومية في مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة.

عرفات يمر للمرة الأولى في أصعب أوقاته. سابقا شهد مثل هذه الضغوط السياسية في السبعينات والثمانينات والتسعينات الا انها كانت في معظمها مجرد حروب خارجية على منظمة التحرير لفرض التراجع عليها وانتزاع مكتسبات من قيادتها التاريخية. الآن المسألة مختلفة. فالمعركة الجارية الآن ليس على انتزاع ما تبقى من حقوق بل تقويض سلطة عرفات أو على الاقل تفريغها من قواها وصلاحياتها. فالهجوم انتقل من الشارع إلى داخل البيت الفلسطيني والضغوط تتجه الآن نحو انتزاع صلاحيات عرفات ودوره في تقرير مصير الشعب الفلسطيني ونقل صلاحيات السلطة والقرار من مرتكزه التاريخي (عرفات) إلى قوة بديلة تشاركه الصلاحيات وتتوزع القرار معه.

للمرة الأولى يمر عرفات في تحد حقيقي لمصادرة سلطته وصلاحياته من داخل البيت الفلسطيني وللمرة الأولى يمكن القول ان «دويلة» عرفات تمر في امتحان ازدواجية السلطة. سابقا مرّ عرفات بمثل هذه الظروف وكان عنده القدرة على حسمها لمصلحته سواء على مستوى الخلافات مع الفصائل الاخرى في منظمة التحرير (الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية مثلا) أو على مستوى اجنحة حركة فتح الداخلية. الآن اختلف الامر، فالصراع الدائر هو على سلطة القرار ودور «رئيس الحكومة» في المشاركة والتعطيل ونقض ورد قرارات السلطة ورئيسها.

تبدو المعركة للنظرة الاولى معركة صلاحيات ادارية وتنفيذية... الا انها في جوهرها هي معركة قرار ومن هو الطرف الذي يملك صلاحية التفاوض وحق الاشراف على تنظيم الانتفاضة وترتيب المواجهات مع قوات الاحتلال. المعركة بين عرفات وعباس في ظاهرها على الصلاحيات الادارية بينما باطنها هي معركة سياسية تريد كسر القرار الفلسطيني وانهاء دور القيادة التاريخية واعادة انتاج برنامج بديل يلاقي القبول الدولي والاسرائيلي.

عرفات متسلح بالحقوق المشروعة والقرارات الدولية والاتفاقات التي وقعها مع حكومات «اسرائيل» في أوسلو وواشنطن والقاهرة وشرم الشيخ، وشارون متسلح بالقوة العسكرية وصداقته الخاصة مع الرئيس الاميركي، وعباس مستقوى بالضعف الدولي والاقليمي الذي تمر به الحال الفلسطينية للضغط على عرفات لانتزاع او مقاسمة صلاحياته.

المعركة في جوهرها سياسية ومسألة منصب رئيس الحكومة والوزراء والصلاحيات وادارة القرار تصب كلها في مجرى المعركة الحقيقية وهي ان شارون لا يريد عرفات وهو غير مستعد للتفاوض معه أو تقديم أية مبادرة له. شارون يريد التفاوض مع عباس، كذلك بوش. والتفاوض مع عباس من دون مشاركة عرفات يعني وضع القضية الفلسطينية في متاهات يرجح ان تنهي جوهرها التاريخي والحقوقي والسياسي وتحويلها إلى مسألة إنسانية.

الموضوع إذن يختلف كثيرا عن تلك الأفكار التي يتداولها الاتحاد الأوروبي أحيانا عن الإصلاحات الفلسطينية وضرورة تعديل الأجهزة والإدارات. ويختلف الموضوع أيضا عن مسألة استحداث منصب رئيس للوزراء والتخفيف من صلاحيات رئيس السلطة. المسألة تتعدى تلك النقاط الصحيحة في جانبها الإداري والتنظيمي إلا أنها تجانب جوهر الصراع وهو ذلك الذي يتعلق بالسياسة والتفاوض وتقرير مصير الشعب الفلسطيني وسلطته.

وضع عرفات ضعيف جدا هذه المرة. فهو محاصر دوليا وإقليميا في وقت تمر فيه الانتفاضة بفترة حرجة بينما الانقسام السياسي على إدارة الصلاحيات انتقل بقوة من الشارع إلى داخل البيت الفلسطيني ومؤسسات منظمة التحرير.

ومشكلة عرفات ان الوضع العربي الآن منشغل بنفسه. فقادة بعض الدول الفاعلة والمعنية بالهم الفلسطيني يحاولون معالجة تداعيات الضربة التي سقطت على العراق وما رافقها من انهيارات عامة شجعت «حفنة الأشرار» في البنتاغون على تهديد دول الجوار والتفكير بتوسيع دائرة الحرب والهجوم على سورية.

مشكلة عرفات كبيرة. فالمعركة القائمة الآن على تشكيل الحكومة تكشف عن ضعف سياسي وصلت اليه السلطة الفلسطينية. والضعف ليس سببه فقط حصار «اسرائيل» للانتفاضة منذ سنوات بل حصار الولايات المتحدة منذ اسابيع للدول المجاورة لفلسطين من أرض العراق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 230 - الأربعاء 23 أبريل 2003م الموافق 20 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً