العدد 230 - الأربعاء 23 أبريل 2003م الموافق 20 صفر 1424هـ

يقظة ورشاقة وخفة العصافير

مع موسيقى البينيز، عليك أن تتصور الملحن نفسه في البيانو وقد أذهل معجبيه، الذين ربما تجمعوا حوله عفويا، بل ثنى بعضهم نفسه على الآلة الموسيقية طربا.

كان البينيز مرتجل موسيقى عظيما بالإضافة إلى كونه مؤلفا ومخترعا فذا ذا قصص طويلة، طبعا بقدر ما تختص به حياته الخاصة، ومن الصعب استرداد السحر الموسيقي الذي أضفاه على الفن. وقد حاول الموسيقار شارلز أوين أن يقترب منه أكثر من أي عازف بيانو أستطيع أن أعتقد فيه. كانت له علاقة وئام بمستمعيه ومن بينهم عازفو بيانو مشهورون، وقد أطل بثقة من اللحظة التي اعتلى فيها قصبة المسرح.

كانت طريقته الرشيقة واليقظة في لحن السوناتة الرئيسية لهايدن، وهوبوكن 40، رائعة، كما تعد حدة ملاحظته ـ إذا كانت الأذنان تلاحظان ـ في دراسات الطير اليسوعية القصيرة، التي كتبت في نهاية حياة الملحن مرهفة وتنم عن ذكاء. ربما قال أحيانا، «انصتوا هل تسمعونني؟»، كان قليل الاهتمام بموسيقى الفالس العاطفية لـ «رافيل» غير أنه يعزفها بإتقان وبشيء من الأناقة. وبما انها مقطوعات موسيقية أصبحت إلى حد ما مكررة حتى الابتذال، فقد حان الوقت الذي يجب أن ترتاح فيه موسيقى الفالس. وبالتأكيد، ظل لحن سوناتة رافيل عديم النفع والأثر فيما بعد.

ولكن عاد أوين إلى لحنه الموسيقي مرة أخرى بعد فترة توقف، مع أداء سوناتة جافاسك العاطفية والحادة إيقاعيا. (وقد طرح للتو اسطوانة جاناسك). أخيرا، عُزفت أربع قطع موسيقية ايبيرية لـ «البينيز»، ما سمح لأوين بإظهار الجانب المفعم بالحيوية من شخصيته. الخطأ المعتاد لدى عازفي البيانو أن يجعلوا موسيقى البينيز تبدو وكأنها ضوضاء وغير منتظمة بينما غالبية لحظاتها النابضة بالحياة والمتقنة يجب أن تكون فخمة ومترفة ومتألقة على حد سواء.

يجمع الموسيقار أوين بين السلم الموسيقي الحسي والوضوح والدقة، غير أنه فشل فقط في الوصول إلى ذروة «تريانا».

وربما يدرس أوين بعناية موسيقى البينيز في اسطوانته المقبلة. بما ان هذا كان ظهوره الفردي الأول في قاعة ويغمور، كانت الأمسية أيضا مثيرة وانطباعية، إذ تلت القطعة الموسيقية الممتعة بواسطة بيلي ميرل، الرواية الموسيقية القصيرة بواسطة بولينك التي اختتم بها بروعة.

وبعد يومين أحيت عازفة البيانو الفنزويلية المولد إلينا ريو حفلة موسيقية مفردة العزف للموسيقى الاسبانية تمتد من سولر (نسخة باهتة لدومينيكو سكارلاتي) إلى الملحن الباسكي المعاصر غابريل اركوريكا. تمتاز ريو بشخصية جذابة وعفوية وتؤدي كل شيء بنفسها. ولكن من الصعب دائما سماع ما تقوله على الأقل من الصف الخلفي، كما أن عزفها مازال ناشئا على رغم أنه رائع ومطرب. وقد عزفت بإبداع أغنية مومبو الشهير ودانس رقم 2 ولكن سلسلة متعاقبة من ست مقطوعات من السوناتة بواسطة سولر جعلتني أخلد للنوم.

وقد تجنبت ريو القطع الموسيقية الطويلة للبينيز التي يبدو أنها خارج مقدورها وبدلا عن ذلك عرفت المتوسطة أكثر وهي «روموز دي لا كاليتا» من ذكريات السفر و«مالاجينا» من إسبانا.

ويحتاج الأسلوب المعبر العاطفي في الجزء الأوسط من «روموز» إلى تكثيف أكثر والذي جاء أخيرا وتقريبا لأول مرة في الرقصة الاسبانية الرابعة «فالا». وقد كتبت مقطوعة اركوريكا «جيا» قبل عامين ماضيين وهي نوع ممزوج من إثارة الذكريات والعواطف في مناخ موسيقى البينيز القوقازية، بينما أسلوبها القاتم يبدو مدعاة لجهد أكبر، ولأن عزف ريو كان هادئا، كانت حرية إيقاعها تبدو ضعيفة ورخوة. لم تكن قاعة ويغمور متسعة ولكن كان أسلوب وأداء ريو الاسترخائي والأليف ملائما لقاعة حتى أصغر منها.

خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً