العدد 230 - الأربعاء 23 أبريل 2003م الموافق 20 صفر 1424هـ

دور الأسرة الممتدة في المملكة العربية السعودية

على رغم خطوة التغيير والتحديث التي حدثت في المملكة العربية السعودية في نصف القرن الماضي، فإن الأسرة الممتدة التي تتكون من الأبوين والاخوان والأخوات والعمات والخالات وأبناء الأعمام والأخوال والأجداد وآباء الأجداد لاتزال تشكل الوحدة الأساس في المجتمع. وفي هذه الأسرة الممتدة، تغيرت مفاهيم الاحترام التقليدي للعمر ولأدوار الرجال خارج المنزل باعتبارهم معيلين للأسرة وللنساء باعتبارهن مسيطرات في داخل المنزل، ولكنها لا تزال موجودة. وهكذا فإن تأثير الأسرة الممتدة توغل في الحياة الاجتماعية والتجارية والسياسية، ولكن لا يزال لدى السعوديين ميل لأن يختلطوا اجتماعيا أو يتزوجوا او يقيموا نشاطا تجاريا مع بعضهم بعضا. إن السبب الرئيسي لبقاء الأسرة الممتدة هو القوة غير الاعتيادية للقيم الاسلامية التقليدية والاقتصادية والسياسية. على رغم أن النماذج السلوكية تغيرت بسرعة غير محسوسة، فإن هذه القيم ثابتة ولن تتغير بشكل سريع عبر الوقت.

منذ عدة سنوات كان أحد أصدقائي يسير مع والده في احد الطرقات في مدينة جورجيا الصغيرة، إذ التقيا ولدا صغيرا حياه والد صديقي قائلا «اهلا يا بني كيف حال عائلتك» فتعجب صديقي وسأل اباه «هل تعرف هذا الولد» فأجاب الاب «كلا ولكن لكل شخص عائلة».

ما يمكن أن يشكل حقيقة بديهية في مدينة صغيرة في اميركا هو حقيقة في السعودية، فكل مواطن سعودي هو جزء من عائلة ممتدة، تلعب دورا محوريا ليس في الحياة الاجتماعية فقط بل وفي الحياة الاقتصادية والسياسية. وحتى الهوية الشخصية تفترض وجود الذات الجماعية، فكل فرد من افراد العائلة يشترك في سلسلة نسب جماعية، وفي الاحترام الجماعي لكبار السن، وفي التزامات ومسئوليات جماعية تتعلق بصالح باقي افراد العائلة، والعائلة الممتدة هي التي يلجأ إليها أي شخص بحاجة إلى المساعدة، وليست الحكومة.

العائلة الممتدة في المملكة العربية السعودية

ذكر رافييل باتاي الذي كان يكتب في الستينات، بأنه في كل مكان لم يقم فيه التغريب بغارات ذات شأن، ظلت العائلة الشرق أوسطية عائلة ابوية، متسلسلة ويحكمها الرجال، الذين يرشدهم كبار السن فيها. السؤال الرئيسي الآن هو كيف غيّر التغريب الدور التقليدي للعائلة السعودية الممتدة؟

تمر المملكة العربية السعودية حاليا بتغيرات اجتماعية لم يسبق لها مثيل، بسبب الثروة النفطية والتزام الحكومة بعملية التحديث. ففي الخمسين سنة الماضية، أنفقت المملكة مليارات الدولارات على البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية، وشمل ذلك التعليم الحديث والمواصلات والاتصالات والرعاية الصحية.

ونتيجة لذلك، تغيرت ديموغرافية البلد بشكل ملحوظ، إذ ساعدت الرعاية الصحية الحديثة على خلق تضخم سكاني يقدر بـ 3,5 في المئة في السنة، وازداد عدد السكان من مليونين الى اربعة ملايين في الستينات الى حوالي 16 مليونا مع نهاية القرن الماضي. وقد غير التمدن وجه البلد، ففي الستينات كان السكان يعيشون أساسا في مدن وقرى صغيرة، وكانت جدة حينها أكبر مدينة، وكان عدد السكان فيها يصل الى حوالي 250000 نسمة، و200000 نسمة في الرياض. اما اليوم، فإن الغالبية الساحقة من السعوديين يعيشون في مناطق مدنية، إذ يعيش في الرياض ما يزيد على 3,5 مليون شخص اما جدة فيفوق عدد ساكنيها ثلاثة ملايين.

وكان لثورة المعلومات أيضا تأثير على المجتمع، إذ قضت أخيرا على الانعزال الذي كان يلف الجزيرة العربية تاريخيا، كما أصبحت الكمبيوترات الشخصية امرا مألوفا، هذا عدا عن انه يمكن الآن رؤية (وسماع) حتى الأطفال الصغار وهم يسيرون مع كبار السن في مراكز التسوق الحديثة ويثرثرون على هواتفهم النقالة، كذلك فإن الأخبار من جميع أنحاء العالم متوافرة بشكل مباشر، كما ان السعوديين الذين يعيشون ويدرسون في الخارج على اتصال دائم مع أهاليهم. ولم يعد ممكنا مراقبة المعلومات، ليس فقط فيما يتعلق بما يحدث في المملكة العربية السعودية ولكن أيضا الحوادث العالمية التي تؤثر على المملكة.

ومن أوضح نتائج التفجر السكاني وعملية التحديث السريعة في الخمسين سنة الماضية هو ايجاد فجوة بين الأجيال، فلو قابلت عينة من الأطفال، والشباب، والبالغين، ومتوسطي العمر، والمسنين، ستكون لديك خمس وجهات نظر مختلفة تماما عن أنواع السلوك والعادات السعودية.

وعلى رغم عملية التحديث السريعة وتبني الكثير من المظاهر الخارجية لثقافة البوب الغربية، فإن العائلة الممتدة لا تزال موجودة بشكل ملحوظ. وبانتقال الناس إلى المدن، لا يزال افراد العائلة السعودية يميلون للعيش متجاورين بقدر الامكان، واذا لم يكن ذلك ممكنا، فإن علاقاتهم الاجتماعية مع باقي أفراد الأسرة تظل قوية جدا.

ولكن احد الأسباب الرئيسية للحفاظ على تركيب العائلة هو القوة غير الاعتيادية للقيم الاسلامية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى رغم ان النماذج السلوكية تغيرت بسرعة غير محسوسة، فإن هذه القيم الأساسية متجذرة ولا يحتمل تغيرها بسرعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة العربية السعودية لم تمر بتجربة اعتداء ثقافي من قبل حكم استعماري غربي مباشر، ولا تزال تحتفظ بمجتمع مغلق بشكل أساسي. ويفضل السعوديون بشكل عام أن يقيموا علاقات اجتماعية ونشاطات تجارية وان يتصلوا عموما ببعضهم بعضا بدلا من ان يفعلوا ذلك مع اشخاص من خارج المجتمع السعودي.

ديناميكية العائلة الممتدة

هناك ثلاث ميزات بارزة بشكل خاص لديناميكية العائلة الممتدة وهي: الأدوار المتعلقة بالمسنين، عملية صنع القرار.

دور المسنين

لوحظ أن المملكة العربية السعودية بها مجتمع ملتزم، يحافظ على احترام كبار السن والراشدين وهو الأمر الذي اختفى نهائيا في المجتمع الغربي. ان حكمة كبار السن وسلطتهم قلما يتم تحديها، ويجب على الرجال والنساء انتظار دورهم، غالبا حتى يصلوا الى عمر الستينات أو أكثر، قبل ان يتم إعطاؤهم دور أب أو أم العائلة الرئيسين.

ولا يعني هذا انه ليست هناك علامات تغيير، فقد قلل التفجر السكاني متوسط العمر بشكل ملحوظ والذي اصبح الآن 15 عاما. وفي الوقت نفسه، ارتفعت توقعات العمر مع الرعاية الصحية الحديثة، واصبح المسنون لا يتخلون عن ادوارهم القيادية كما حدث في فترات سابقة. وقد ساعدت هذه الاتجاهات على خلق جيل من الشباب المحبطين بشكل متزايد في سعيهم إلى خلق حياة ذات هدف لأنفسهم. وفي الواقع، فإن أكثر شخص يملك سلطة بالنسبة إلى الزوجة هي ام الزوج، او جدة الزوج، وليس زوجها الذي يصبح (مع زوجته) تحت سيطرة والدته في الأمور التي تتعلق بالمنزل.

الأدوار المتعلقة بالجنس

تشترك الأدوار التقليدية المتعلقة بالجنسين في المجتمع السعودي في عدد من الميزات مع مجتمعات تقليدية أخرى، الأبرز من بينها دور الرجل خارج المنزل باعتباره معيلا وحاميا ومديرا للاسرة، وكذلك دور النساء داخل المنزل. الرجال هم المسيطرون خارج المنزل، في النشاط التجاري، وفي العلاقات العامة، وفي مجال الأعمال، والنساء الى حد كبير مسيطرات في داخل المنزل خصوصا في القرارات التي يتخذها الوالدان. ولكن الخطوط الفاصلة غير واضحة، وعندما تسبب التضخم السكاني في تقليل الدخل الفردي - على سبيل المثال - لجأت الكثير من الزوجات الشابات الى محاولة الحصول على أعمال خارج المنزل، كما ان الرجال اصبحوا ينظرون الى الأعمال المنزلية على انها امر لا يفكرون فيه منذ جيل مضى.

كما تغيرت عادات الزواج أيضا، فالكثير من النساء أخذن يتزوجن في سن متأخر نسبيا وعلى رغم أن معظم الزيجات منظمة من قبل الأهل، فإن معظم الشباب يتعرفون شخصيا الآن على أزواجهم أو زوجاتهم قبل الزواج. الأزواج الشباب يلتقون الآن بشكل سري، غالبا بمساعدة إخوانهم أو أخواتهم، ويتحدثون على هواتفهم الجوالة، واذا اتفقا يطلبان من الوالدة ترتيب الزواج. ولكن بحسب التقاليد، لا تحمل النساء المتزوجات ألقاب أزواجهن، واذا تطلقن أو أصبحن أرامل يمكن لهن أن يرجعن الى أسرهن الأصلية.

عملية صنع القرار:

الطريقة التقليدية للوصول الى قرارات جماعية شرعية في المملكة العربية السعودية هي من خلال الشورى بين أفراد المجموعة التي يعد رأيها مهما، ومن هذه الشورى ينبثق الاجماع الذي يلزم جميع أفراد المجموعة، ويقوم بالاجماع الأعضاء الراشدون وكبار السن في العائلة الممتدة.

عملية الشورى السعودية القديمة تم اقرارها دينيا في الاسلام، إذ انه يعتقد من النصوص الموجودة في القرآن والسنة (الأحاديث النبوية للنبي محمد (ص))، بأن الله لا يجعل اجماع المجتمع الاسلامي خاطئا. ان صنع القرار عن طريق الاجماع لايزال هو العرف في المملكة العربية السعودية سواء في داخل العائلة أو في الحكومة او القرارات المتعلقة بالأعمال والتجارة.

ويمكن للنساء الراشدات أن يشاركن في مشاورات العائلة أيضا، وفي عملية الاجماع ليس فقط في القضايا المتعلقة بالمنزل ولكن أيضا فيما يتعلق بنشاط العائلة التجاري حين يمس العائلة، وحتى في الأمور السياسية. وكان الملك عبدالعزيز بن سعود يتشاور بشكل منتظم مع شقيقته نورا التي كانت أحد أقرب مستشاريه في أمور الدولة، وكذلك زوجة الملك فيصل التي كانت نشطة فيما يتعلق بالشئون العامة خصوصا تعليم النساء وكان يطلق عليها «الملكة» احتراما لها ولجهودها الرائدة.

تأثير العائلة الممتدة على السياسة

يصف جون اوسبسيتو العملية السياسية في الجزيرة العربية في القرن السابع، عند بزوغ فجر الاسلام قائلا: «كانت القبيلة تقاد من قبل شيخ يتم اختياره بالاجماع من قبل نظرائه وهم رؤساء العشائر أو الأسر. وهؤلاء المسنون يشكلون مجلسا يمارس فيه رئيس القبيلة القيادة والسلطة».

وكان القائد السياسي حينها (كما هو الحال الآن) أحد صناع القرار وكذلك رئيسا تنفيذيا، كما أن صناع الإجماع هم المسنون في الأسر الممتدة والعشائر. فالمملكة العربية السعودية ليست دولة أفراد يحكمها ملك مفرد، أو حتى عائلة ملكية تحكم مجموعة من الأفراد، بل هي نظام يحكم فيه رب العائلة الملكية بإجماع الأعضاء البارزين في شعب يتكون من اسر ممتدة. بالاضافة الى ذلك، ففي بلد يشكل فيه القانون الاسلامي التشريعات، ولا يعد مجلس الشورى السعودي المعين هيئة تشريعية غير ناضجة، بل انه دولة مؤسسات حديثة قائمة على الاجماع التقليدي الذي يعود الى القرن السابع وما بعده. وفي الآونة الأخيرة كان هناك حديث عن إنشاء هيئة منتخبة اذا استمر تطورها سيكون هناك احتمال لتوسيع مهامها التي تشمل تشكيل احكام قضائية تخويلية للعمليات الحكومية، ولكنها على رغم تطورها ستظل تعكس هيكلية العائلة الممتدة والقيم الاسلامية في المجتمع السعودي.

تأثير العائلة الممتدة على

النواحي الاقتصادية والتجارية

تسيطر الأسر الممتدة على معظم حقول النشاط التجاري الخاصة الكبرى في المملكة. وقبل عهد النفط، كان الحج إلى مكة هو العمود الفقري للاقتصاد السعودي. وعبر القرون نشأت عوائل تجار كبرى في الحجاز كانت تبيع البضائع وتقدم الخدمات للحجاج في مكة والمدينة. اما الآن فيحضر الحج مليونا مسلم سنويا ما يجعل هذه الفترة اكبر موسم مبيعات تجاري في السنة، بحيث يساوي تقريبا موسم أعياد الميلاد في الولايات المتحدة. وفي الإقليم الشرقي، حدثت ظاهرة مشابهة بعد اكتشاف النفط، حين أسس عمال النفط من المملكة العربية السعودية ومن مشايخ الخليج أسر تجار تخصصت بشكل أولي في تقديم خدمات لأرامكو. ومع عوائد النفط، اصبح القطاع العام يسيطر على الاقتصاد الوطني، ولكن العوائل الممتدة لا تزال مسيطرة على القطاع الخاص. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قامت الحكومة بجهود لمنح عقود لتقديم البضائع والخدمات لأسر التجار باعتبارها واحدة من وسائل توزيع الثروة العامة على الناس. وفي السنوات الأخيرة، ظهرت طبقة جديدة من الرأسماليين المجازفين، كثير منهم من الأعضاء الشباب في الأسر القديمة. واستمروا في ظل غياب ضرائب الدخل في تكوين ثروات خاصة حتى عندما ضعفت العقود الحكومية.

ويلاحظ ايضا ان النساء لعبن دورا رئيسيا في اقتصاد البلد، إذ أعطى القرآن والسنة، بصفتهما المصدرين الرئيسيين للقوانين الاسلامية المتعلقة بإرث النساء وامتلاك او وراثة عقار - حقوق الامتلاك العقاري منذ القرن السابع وهي الحقوق التي لم يتبناها الغرب لعدة قرون. والنساء السعوديات الآن يمتلكن مقدارا كبيرا من الثروة الوطنية، في جميع الحقول والمجالات التجارية، ولم تمنعهن القيود على حرية تنقلهن من النجاح التجاري في اقتصاد الأسواق الحرة في المملكة. والمحصلة، هي أن العائلة الممتدة باعتبارها وحدة أساسية في المجتمع السعودي، لا تزال ذات تأثير كبير على كل مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على رغم قوى الطرد المتمثلة في التحديث الذي عمل على اضعاف روابط المجتمع. بمعرفة معدل التغير الاجتماعي الحادث، فإن الأمر الملحوظ في المجتمع التقليدي هو انه بقي سليما لم يمس طوال هذه الفترة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً