في نورماندي يعتبر شهر أبريل/ نيسان إلى حد بعيد من أجمل الشهور، إذ تزهر فيه أشجار التفاح كما تلمع زهور الربيع على طول حافة الطريق وسياج الأشجار والشجيرات.
ومن فوق سياجنا المغطى بالزعرور البري والبرشية يروق لنا النظر إلى قمة شجرة الكرز بزهراتها المغطاة بالثلج والموجودة في منزل جارنا مايكل. إن هذه الشجرة تلمع بشكل يخطف الأبصار أكثر من الأعوام السابقة. وتتدلى من بين أغصانها العلوية ثمانية أقراص مدمجة تتحرك مع الهواء وتلمع في ضوء الشمس. إن هذه خدعة نورمندية قديمة لترويع الطيور ومنعها من أكل ثمار الكرز الصغيرة عندما تبدأ في التكوين.
إن العصافير ـ إذا لم تكن شاهدتها ـ طيور صغيرة وبنيّة اللون كانت منتشرة في بريطانيا. أما الأقراص المدمجة فكانت عينات مجانية وجدها صديق لمايكل في صندوق قمامة. ويتحدث مايكل الآن عن «شجرته المغنية». إنه يتطلع إلى الحصول على كرز مزروع محليا هذا العام.
إن جارينا مايكل وزوجته مالدين في أواخر الخمسينات من العمر، وقد تقاعدا مثل الكثير من الفرنسيين في عمرهم الذين استفادوا من مشروع التقاعد المبكر الذي وُضع لإيجاد وظائف لصغار السن. ويوجد لدى مايكل وزوجته ولع مشترك بالطبخ والعناية بالحدائق.
إن حديقتهما مزيج من الورود والخضراوات على نمط حدائق الأكواخ الكلاسيكية. لقد تعودت على رؤية حدائق مشابهة من دون وجود حد فاصل بين الزهور والخضراوات عندما كنت أعيش في الشمال الريفي في انجلترا. وفي الجزء الجنوبي من نورمندي مازالت الحدائق موجودة مرتبة أو غير مرتبة بهذه الطريقة.
وندخل أنا ومايكل في مسابقة ودية بستنية غالبا ما يفوز هو فيها نظرا إلى أنه أفضل مني بكثير باعتباره بستانيا. وعلى أية حال فإنني أعاني من مشكلة السكن على بعد 160 ميلا معظم الوقت، ما يجعل عملية ريّ النباتات وزرعها في الأوقات الصحيحة صعبة إلى حد ما.
إن الفوز الوحيد الذي حققته على مايكل حتى الآن كان في زراعة البصل. لقد أخبرني مايكل أن جميع محاولاته لزراعة البصل في التربة الغنية المليئة بالحصى في تلال نورمندي قد فشلت. وفي العام الماضي بلغ حجم البصل الذي أنتجته حجم البرتقال الكبير وقمت بإهداء البعض منه إلى مايكل ومالدين. ويقوم مايكل هذا العام بزراعة البصل بنفسه.
ومن الأمور التي يعجب بها مايكل وزوجته هي محاولتي القوية إيجاد مرجة من الحقل الوضيع الذي ورثته منذ خمس سنوات. ولا يوجد لدى النورمنديين الريفيين وقت لعمل المرجات. ويبدو هذا غريبا لأنهم يعيشون في أكثر المناطق الخضراء في العالم. وتوجد في نورمندي مناطق خضراء تتخللها شجيرات وأشجار الفاكهة.
وتعتبر المرجة المقصوصة بشكل أنيق ـ والتي يمكن الجلوس عليها أو التمشي فيها ـ من السمات الإنجليزية الغربية. إن الحدائق وُجدت كي يعمل المرء فيها. ومنذ عهد قريب عندما كنت أعمل في مرجتي ـ أضع بعض البذور في قطعة وأحرك قطعة من العشب ـ عثرت على ما يشبه رأس سهم من الصوان. وقد تحدثت عن اكتشافي إلى كلود، الرجل الحييَّ الذي يعتني بأراضي الملاك الغائبين الذين يمتلكون أكبر المنازل والحقول في القرية. وقد أخبرني كلود أن العمال الذين قاموا بتسوية قطعة من الأرض بجانب منزلنا العام الماضي عثروا على مخبأ للأدوات التي ترجع إلى العصر الحجري القديم. وقام هؤلاء العمال بدفن هذه الأدوات بسرعة حتى لا يتوقف عملهم نتيجة الحفريات الأثرية.
إذا، يمكن القول إن قريتنا الصغيرة التي تقع على قمة التل ـ بناء على هذين الدليلين ـ كانت مسكونة منذ حوالي 7000 عام على الأقل بعد وجود رؤوس السهام المصنوعة من الصوان والفزاعات المصنوعة من أقراص مدمجة.
تصور كم كنت مثارا منذ عهد قريب عندما رفعت قطعة من التربة المشتملة على العشب وعثرت على عمق ثلاث بوصات قطعة نقدية كبيرة سوداء. وقد قمت بحكها بقوة متوقعا أن تكون لويسية ذهبية (جنيه ذهبي فرنسي) أو أثر روماني. وتبين بعد ذلك أن هذه القطعة عبارة عن 2 يورو والتي ـ من دون الرجوع إلى التاريخ بالكربون ـ أستطيع أن أؤكد أنه تم صنعها منذ حوالي 16 شهرا أو أقل.
خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط