العدد 229 - الثلثاء 22 أبريل 2003م الموافق 19 صفر 1424هـ

التجاذب السياسي في الساحة البحرينية والخروج من عنق الزجاجة

أحمد عباس الخزاعي comments [at] alwasatnews.com

الاعتراف الرسمي بوجود المعارضة ودورها الحيوي في ديناميكية العمل السياسي، يشكل نجاحا للتجربة الديمقراطية في البحرين، ومكسبا مهما في تحسين علاقات البحرين الدولية مع دول العالم. كما أن البلدان التي تسعى الى تحقيق، درجات عالية من التنمية لا بد لها ان تنتهج الاسلوب الديمقراطي في الحكم. من ناحية اخرى، فان إجراء انتخابات برلمانية بالاقتراع المباشر للجنسين في بلد صغير جدا كمملكة البحرين، تحيط به بلدان محافظة يصعب عليها تقبل ليبرالية النظام في البحرين، أو تقبل رياح التغيير أو فضاءات الاصلاحات السياسية، واضاءات مشاركة جميع الاطياف السياسية في اتخاvذ القرار السياسي، في حد ذاته انجاز كبير لصاحب الجلالة ملك البحرين يشهد به العالم. إلا ان المضمون الديمقراطي للبرلمان المنتخب غير واضح، لذلك اعتبرته اهم واكبر اربع جمعيات سياسية بحرينية فارغا تماما من المضمون والاشراقة الديمقراطية، ومقيدا للممارسة الديمقراطية بحسب الحد الادنى للاصول والمعايير الدولية.

النموذج الديمقراطي البحريني احادي القالب والمفهوم. حقيقة الامر أن البحرين اختارت السقف والقالب السياسي الذي يناسب خصوصيتها السياسية، على سبيل المثال: هناك تناقض واضح بين ديمقراطية وضع القوانين والانظمة الخاصة بالبرلمان وشرعيتها. المعروف ان الديمقراطية تعني حكم الشعب لنفسه، أي ادارة ذاتية للبلد وفقا للانظمة والقوانين التي يضعها ممثلو الشعب. وهناك ثلاثة معايير دولية رئيسية معترف بها لممارسة العملية الديمقراطية وهي كالآتي:

1- إعطاء حكومة حزب الغالبية الحق في الحكم واتخاذ القرار السياسي وممارسته في حال فوزه بغالبية الاصوات في الانتخابات العامة.

2- اعطاء الحق للمواطنين في ممارسة الديمقراطية عن طريق الاقتراع الفردي في الانتخابات العامة لاختيار ممثلي الشعب في البرلمان وتعرف العملية الانتخابية بالتمثيل الديمقراطي.

3- اعطاء الحق للمواطنين في ممارسة الديمقراطية التمثيلية، بحيث تكون جميع السلطات في يد الغالبية، ويمارس حكم الغالبية وفقا للاطار الذي يضعه الدستور الذي اعد خصيصا لتلبية احتياجات المواطنين الفردية والجماعية، ليكفل حرية التعبير، وممارسة الديانة، وهذا النوع من الديمقراطيات يسمى بالديمقراطية الدستورية.

التقييد بتطبيق الادنى للمعايير الدولية للديمقراطية، اساس الخلاف بين الحكومة والمعارضة، وكان سببا رئيسيا لانقسام الاطياف السياسية البحرينية بين مؤيد ومعارض، ومشارك وغير مشارك في الانتخابات البرلمانية. صحيح ان الفئات والتيارات السياسية الأكثر تنظيما تستطيع ان تصل الى كل فرد في الشارع البحريني، وصحيح ايضا ان الجمعيات السياسية الأربع المعارضة تشكل غالبية شعبية لا تعترف بها الحكومة أو الاعتراف حتى بثقل هذه التيارات السياسية وتأثيرها على الفرد البحريني، إلا ان ذلك لن يتحقق لها عندما تضع الحكومة قوانين وأنظمة تغيب غالبية طوائف الشعب عن المشاركة، اما عن طريق حجب دوائر انتخابه او التخطيط لاعطاء طائفة مجالا اوسع للمشاركة من طائفة اخرى لها وزنها في البلد، هذه العملية تحدث خللا في هيكلية البناء الانتخابي، ما يدفع تلك الطائفة الى عدم المشاركة لانها تعتقد ان حقها الانتخابي سلب منها.

المعارضة على رغم اختلاف ايديولوجيتها السياسية والمانفيستو الانتخابي، استطاعت بجدارة عن طريق الندوات السياسية والبيانات المشتركة والاجتماعات المختلطة خلق الوحدة الوطنية، على رغم المقاطعة الاعلامية الحكومية لأنشطتها، وغياب الاعلام البحريني عن الساحة السياسية الشعبية، كحجب الرأي الآخر، ونهج سياسة حكومية ترويجية وتحريضية ضد المعارضة.

الجمعيات السياسية الأربع تؤمن بأن الوحدة الوطنية مطلب اساسي للشعب البحريني، وان من واجب كل مواطن انجاح التجربة الديمقراطية، وفي الوقت نفسه، رفض اي ممارسات طائفية ضد اي طائفة بحرينية. وبطبيعة الحال، يجب ان يكون هناك جهاز اعلامي في كل جمعية سياسية من الجمعيات الأربع للوصول إلى الجماهير، مهمته الاساسية طرح البرنامج السياسي ومحاربة الطائفية والفساد، والدعوة إلى الوحدة الوطنية والتلاحم الوطني، بما في ذلك عدم التمييز بين الرجل والمرأة.

إلا أن الاختلاف الواضح بين المعارضة والحكومة، ربما بسبب عدم قدرة الحكومة على قراءة الانتماءات الفكرية والعقائدية والايديولوجية للمعارضة بوضوح، وهذا دق اسفين بحجر، فلم تستطع الحكومة تشكيل جبهة وطنية موحدة تضمن تأييد التيارات السياسية للنموذج الديمقراطي الحكومي المطروح. كما ان الحكومة لا تعترف بالبرنامج السياسي الموحد للمعارضة، لاستشراف المستقبل ولانجاح التجربة الديمقراطية الوليدة، بل عزلت المعارضة عن الممارسة الحقيقية للعملية الديمقراطية عندما رفضت مطالبها، كذلك رفض الحكومة تطبيق نصوص ميثاق العمل الوطني وتضمينها دستور 2002، أقنع المعارضة بعدم جدية الحكومة في التنازل والقبول بالتغيير والاصلاح السياسي الذي اقره الميثاق بغالبية 98 في المئة.

من هنا تكمن أهمية جمع الشمل والتغلب على الصعوبات الحالية التي تعرقل النظرة السياسية الشمولية لمستقبل ممارسة العمل السياسي البحريني. الحياة السياسية في الديمقراطيات العريقة تعتمد على تجانس العمل السياسي بين الحكومة والمعارضة. عدم تمكين المجلس الوطني من الاحتفاظ بغالبية برلمانية وفقا لدستور 2002، اضعف الغاية من وجود البرلمان نفسه اصلا. وعلى ذلك الاساس ايضا لم تحقق تلك التيارات سواء المقاطعة أو المشاركة في الانتخابات الغاية من انشائها، لتزرع ثقة المواطن بالعملية الديمقراطية برمتها، لانها لم تحقق شيئا ملموسا حتى الان. ولانها طبعا لم تستطع التأثير على التركيبة الحكومية، وبهذا لن تأتي بمعجزة لحل العقدة السياسية الحالية. إلا ان هذه التيارات السياسية المختلفة الاتجاهات والانتماءات الفكرية والعقائدية قد تنشط سياسيا على المستوى القومي أو الاقليمي او المحلي لطرح وجهة نظرها على الجماهير البحرينية او حتى العربية، للحصول على دعم شعبي لبرنامجها السياسي.

بطبيعة الحال ان التنسيق بين أعضاء المجلس الوطني المنتمين إلى مختلف التيارات السياسية المشاركة أعمالهم في المجلس، لا يعني ان المجلس النيابي انتخب رئيسه لكونه رئيسا للغالبية الحاكمة أو الحزب الحاكم لأنه لا توجد غالبية حاكمة في المجلس، على رغم وجود اعضاء ناشطين يقدمون إلى رؤساء الكتل السياسية ملاحظاتهم عن رأي الاعضاء في مشروعات القوانين المعروضة للاقتراع، ويعملون على تأكيد التزام الكتلة أو التيار السياسي فيما بين الاعضاء ببرنامجه السياسي. وفي داخل معظم الهيئات التشريعية تنشأ لجان تمثل فيها كل الكتل السياسية، بحسب ثقلها في المجلس للبحث في مشروعات القوانين. ويرأس هذه اللجان عادة عضو من كتلة للغالبية. للأسف الشديد، هذا المعيار الديمقراطي لم يطبق بسبب مقاطعة أهم اربع جمعيات سياسية للانتخابات، لهذا فإن هذا المعيار لن يعمل به في البحرين لعدم دخول نواب شعبيين تنتخبهم الغالبية، لفقدان البرلمان عنصر التعددية السياسية أو عنصر التنافس بين التيارات السياسية المختلفة ايديولوجيا.

في كل بلد ديمقراطي يقع عبء انتقاد سياسات الحكومة على المعارضة إذا كانت هناك حرية للعمل السياسي للمعارضة، كما ان طرح سياسات بديلة يقع على عاتق الكتل السياسية خارج السلطة. وفي بلدان التعددية السياسية مثل فرنسا وإيطاليا والمانيا، قد تختلف آراء الكتل او أحزاب المعارضة حول نوع نظام الحكم نفسه اختلافا كبيرا. أما في النظام الديمقراطي ذي الحزبين فإن حزب الاقلية يشكل عادة معارضة لوحده. وقد تتجمع عدة احزاب في شكل ائتلاف ليعارض الحكومة أو ليحل محلها. والبرلمان البحريني المقبل سيفقد اي ائتلاف للمعارضة لجهل معظم التيارات المشاركة في الانتخابات لمبدأ المعارضة البرلمانية المنظمة.

في الدول الديمقراطية تستخدم التيارات السياسية وسائل الاعلام كالصحف والاذاعة والتلفزيون والانترنت وغيرها، لتتحدث إلى الناس عن برامجها واهدافها، فهي تنشد كسب الفوز بمقاعد البرلمان في بعض الأنظمة الديمقراطية أو الفوز بالسلطة في أخرى، أو البقاء فيها. وتحاول الاحزاب المعارضة الكشف عن مواطن الضعف في سياسات وبرامج الحكومة، وتزعم انها تقدم البديل الافضل لها. وبذلك تزيد الاحزاب السياسية من وعي الناس بشؤونهم، وتسلط الاضواء على المشكلات التي تهمهم . غياب هذا العنصر عن مرآة وسائل الاعلام البحرينية أفقد الانتخابات حيويتها لفقدان ادوات التعبير.

السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المواطن البحريني العادي هو: كيف يمكن للحكومة والمعارضة حل الأزمة السياسية بينهما؟ هنا اختلفت الرؤى التي طرحها المثقفون في البحرين، من خلال حضوري مناظرات المثقفين حول هذه المسألة، تمكنت من جمع بعض الافكار بالاضافة إلى الافكار التي اعتقد ان الحكومة عند تنفيذها، قد تخرجنا من هذه الازمة وتتلخص فيما يأتي:

1- العمل على تحقيق أكبر قدر من الشفافية في الممارسة الديمقراطية عن طريق ادماج المعارضة في البرنامج السياسي الحكومي، والمشاركة بفعالية في بؤر ومنابر الحوار.

2- تحقيق مستوى جيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

3- العدالة والمساواة لافراد الشعب كافة المتباينة طوائفه.

4- القضاء على جميع مسببات الفساد الاداري والمحسوبية.

5- القضاء على البطالة وتشجيع الاستثمار الاقتصادي لايجاد فرص عمل افضل للعاطلين عن العمل، وإعادة توظيف المفصولين عن العمل.

6- القضاء على البيروقراطية ومركزية اتخاذ القرارات الادارية.

7- الفصل الحقيقي للسلطات، والعمل على احترام القانون وتطبيقه على الجميع.

ليس هناك مجال للشك في ان كل تيار سياسي بحريني يختلف فكريا وعقائديا عن الآخر، وبرنامجه يختلف عن برنامج الحكومة السياسي. ولكن الشارع البحريني الذي يعيش الآن مرحلة انتقالية مهمة، يتطلع إلى إنشاء جبهة وطنية، وبناء ما يشبه بالثقة بما تعلنه الحكومة من إصلاحات وما تفعله. تطلعات الجماهير تتركز على بناء الثقة وهذا يشمل ايضا المعارضة، اي ما تقوله للناس يجب ان تفعله وفقا لبرنامج سياسي لجبهة وطنية بحرينية موحدة يؤهلها للعمل مع الحكومة. في اعتقادي ان افضل السبل للوصول إلى تلك الغايات والمقاصد هي:

1- الحوار بين الطرفين يتطلب الدعوة إلى عقد مؤتمر يجمع اقطاب الحكومة واقطاب المعارضة والتيارات السياسية الاخرى، لوضع خطوط توجيهية للعمل السياسي الحر للمعارضة، لا يتعدى الخطوط التي وضعها الميثاق.

2- الدعوة إلى عقد المؤتمر العام لكل جمعية من الجمعيات الاربع المعارضة، ووضع كل تيار سياسي يختار نخبة من نشطاه يمثلون الجمعية العمومية مقترحات يناقشها المؤتمر.

3- تشكيل لجان فرعية مشتركة لتفعيل مقترحات وتوصيات المؤتمر.

4- يجب ان تتاح الفرصة لأكبر عدد من الجمهور لحضور المناقشات.

القضية الاخرى التي قد تقلق الشارع البحريني هي تصاعد مشكلة التعايش بين الاسلاميين والعلمانيين، وهناك دور اساسي للحكومة في الاسهام في هذا التعايش. الاعتقاد بان بيئة البلدان الاسلامية بحكم تكوينها لا تؤسس للافكار العلمانية، نظرا إلى كون العلمانية فكر مستورد من الغرب ودخيل على المجتمع الاسلامي هي مشكلة التعايش الحالية. وفي المقابل علينا ان نؤمن بحقيقة ثابتة مفادها ان المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتسارعة قد غيرت وجه العالم والحضارة الانسانية، وبما ان الأرض تتحرك من تحت اقدامنا، علينا العثور على موطئ قدم، وقطعة من الكعكة نتقاسمها مع العالم، والا ضاعت علينا حصتنا وفرصتنا في احياء الامجاد الاسلامية السالفة، وتحقيق الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية يتطلب تحقيق اكبر قدر ممكن من التعايش

العدد 229 - الثلثاء 22 أبريل 2003م الموافق 19 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً