يتعجب المراقب وهو يلحظ سكوت برلماننا عن قضية من أهم القضايا وهي حرية الرأي والتعبير... هو بذلك يعزز نظرية ان البرلمان البحريني «لا يكش ولا يهش» بسبب تلك المواد وتلك اللوائح الداخلية التي قيدته إلى درجة انه راح في اسفاف يناقش البدء بالقرآن ويتناسى 800 موظف بحريني سيسرحون من شركة بتلكو... ان البرلمان امام اختبار آخر... فهل سيبقى صامتا؟ ويبقى السؤال ايضا يفرض نفسه: اين هي مؤسسات المجتمع المدني، والمراكز والجمعيات الحقوقية والجمعيات السياسية من قضية قانون أمن الصحافة السيىء الصيت؟.
إن الصحافة عندما تعرضت للتكميم في الأردن ومصر والكويت و... خرجت كل المؤسسات عن بكرة ابيها منددة بمثل هذه القوانين... لأن الحرية هي بمثابة الهواء لا يستطيع اي كائن بشرى، ان يعيش من دونه وستكون انعكاساته السلبية على الجميع.
هذه العيون التي شهدت تأميم الصحافة يجب ألا تبخل في رفع صوتها عن هذه القضية حتى لا نسقط مرة أخرى ضحايا للصحافة الصفراء وإلا فان غدا ستكون هذه المؤسسات هي أول المتضررين... وستأتي باكية على غياب الحرية وهي تتوسم الصحافة الحرة عندما تهمش وعندما تبقى نصبا تاريخيا عشنا فيها حرية الحرف فأخذنا نبكي عليها بعد أن بخلنا عليها ولو بكلمة وسنحرق في النصب تماما كما يحرق اليتيم في واجهات الحوانيت في الاعياد.
عندما تنتهك الكلمة وتصادر حرية الحرف ويتساقط فرسان الكلمة الواحد تلو الآخر ويقادون الى المعتقل... عند ذلك فقط سنعرف قيمة ان تصبح الصحافة حرة... غدا لن نستطيع ان نترافع عن دمعة فقير ولا آهة متضرر، وستطبق القاعدة «من أمن الصحافة اساء الادب وكوش على كل شيء».
ان المثقفين الوطنيين امام مفترق طرق فبلا كلمة صادقة وصحافة حرة سيقادون الى حيث تدجين المسئول وتزوير الحقائق... فهل سيقول المثقف البحريني امام قانون أمن الصحافة السيئ الصيت كما قال شكسبير مقولته الشهيرة: «اكون او لا اكون»... لقد ترافعت صحافتنا عن أكثر القضايا الوطنية وربحت من خلالها قطاعات واسعة في المجتمع وحتى في الدولة فيجب أن يرد الجميع بموقف مؤازر.
ويبقى السؤال: من المستفيد من هذه الحروب غير المقدسة التي يسيل فيها دم الصحافة والصحافيين معا؟... ان الصحافة رسالة... عمل من اعمال الطهارة و«على الذين يكرهون الاستحمام كل يوم ويرفضون ارتداء الملابس النظيفة كل يوم ان يعودوا إلى الغابة...».
الآن فهمت لماذا قال هيكل في كتابه (بين الصحافة والسياسة) وكيف كان يشعر «انه مجروح من مهنة الصحافة» ولماذا قال نزار ذات يوم: «لكن لا مفر من ان يواصل الكاتب معركته ضد القبح والفساد وانه يجب ان يؤمن برسالته ان يكون محشورا منذ ولادته في عربة الدرجة الثالثة من قطار الفقر والقهر حيث الخبز قليل... والماء قليل... والحظ قليل... والحرية توزع في آخر الشهر بالبطاقات على سائق القطار ومرافقيه» ويضيف نزار وكأنه يقرع بعض وزراء العالم الثالث: «اننا نحاول ان نقول الحقيقة في وطن يكره الحقيقة ويقف ضدها... ومن ثم لا يعرف الناس فيه الفرق بين من يدافع عن الوطن وبين من ينهش لحمه»... لذلك يجب ألا نسمح لأي مسئول ان يعبث بحرية اصبحت هي صمام الامان لكل الوطن... وهي التي صنعت هذا التوافق، فالوطن سينتصر بالحرية ويموت بمصادرتها. فهل يجتمع الشعب والدولة لايقاف مهازل بعض المسئولين؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 229 - الثلثاء 22 أبريل 2003م الموافق 19 صفر 1424هـ