ثمة من يقول انه إذا كان من حق الإدارة الأميركية أن تستشعر خطرا مباشرا ممكنا من بغداد على أمنها القومي وهي البعيدة عنها آلاف الأميال فقط، وفقط لأن عراقا قويا ومقتدرا يمكن أن يهدد أمن حليفتها «إسرائيل»، وخصوصا إذا ما رافق هذا التقدير للموقف اتهام بغداد بحيازة أسلحة دمار شامل - حتى وإن لم يثبت حتى الآن على رغم انتهاء الحرب عليه! - فإن الأولى بطهران اليوم أن تستشعر خطرا أكبر على أمنها القومي وهي ترى نفسها قد أصبحت بين عشية وضحاها «جارة إجبارية» للدولة الصهيونية وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة بعد ان وضعتها أيديهما على مقدرات العراق حتى إشعار آخر. ويزداد الأمر خطورة إذا ما عرفنا بأن هذه «الجارة» الجديدة هي وحليفتها التي قادت الحرب والعدوان على العراق مدججتان بكل أنواع أسلحة الدمار الشامل، أليس كذلك؟.
فكيف سيصبح الأمر إذا ما علمنا بأن هاتين الدولتين المارقتين على القانون الدولي تسعيان حثيثا لإيجاد الفضاءات المناسبة لنقل المعركة الى خطوة أبعد من العراق - كما هي حال الخطة الأصلية - أي إعلان الحرب على سورية، الحليف الاستراتيجي لإيران؟ والخطير في الأمر أكثر، هو ان جزءا من الاتهامات المعلنة ضد سورية دعمها لما يسمى في عرف الدولتين المارقتين «الإرهاب الفلسطيني واللبناني» والمطلوب من دمشق أن توقف مثل هذا الدعم وتعمل على «إخراج» حزب الله من جنوب لبنان «وتوقف» تعاونها مع طهران!
لا يختلف اثنان على أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما هي عليه الآن من مواقف معلنة وسياسات وإعلان مبادئ معروفة، إنما اختارت لأن يمتد الحيز الاستراتيجي لأمنها القومي وصولا الى «مزارع شبعا» المحتلة.
كما لا يختلف اثنان على أن القاعدة الارتكازية الأساسية الأخرى - الى جانب طهران - لحزب الله لبنان وتاليا الانتفاضة الفلسطينية أو ما تبقى منها هي دمشق.
لذلك كله فإن ثمة من يقول أيضا إنه إذا كان مفهوما ومقبولا من طهران الوقوف على الحياد بين الإدارة الأميركية وحكومة الرئيس العراقي الماضية والمرحّلة بالعدوان على العراق، فإنه من الصعب أن يكون موقف طهران في حال اندلاع أية معركة أميركية إسرائيلية ضد دمشق، هو الحياد!
ولا يقول أصحاب هذا الرأي برأيهم هذا دفاعا عن دمشق، وهو مطلوب، بل انسجاما مع متطلبات المصالح القومية العليا لإيران الجمهورية الإسلامية. ويضيفون عليه أن أي موقف يشم منه موقف الحياد لن يكون غير مقبول وغير مفهوم فقط، بل انه سيكون بمثابة خطأ استراتيجي ترتكبه طهران بحق أمنها القومي.
ان أي مراقب حصيف يعرف تماما أنه من الحماقة بمكان أن تجر العدو لقتالك على أسوار عاصمتك في الوقت الذي تكون فيه قادرا على مقاتلته بعيدا عنها، وبالذات عندما تستطيع ان تقاتله في «عقر داره» وتردعه عن القيام بالتقدم نحوك.
وإذا ما أضفنا في هذه الحال أن الحرب، أو بالأحرى العدوان على العراق، قد بدأ في إطار خطة صهيونية أعلنت في وقتها وكان عنوانها ولايزال الإطاحة بنظام صدام حسين وتأديب كل من سورية وإيران، فإن الانتظار حتى تتبين نتائج معركة تأديب سورية - كما يقول العارفون بعلوم الحرب والاستراتيجيا - لإعداد خطة مواجهة معركة تأديب إيران، سيكون خطأ استراتيجيا قاتلا!
ثم إنه لا يخفى على طهران بالتأكيد وهي تواجه الى جانب حليفيها السوري واللبناني ذلك الحديث النبوي الشريف للرسول محمد (ص) إذ يقول: «والله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا».
لهذا ولغيره فإن ثمة من يقول إن الدفاع عن طهران بات اليوم مرتبطا بالدفاع عن أسوار دمشق، إن لم يكن بالدفاع عن أسوار «القدس» التي تعرف دمشق كما طهران بأنها المقصودة في الأساس، وأقصد هنا الانتفاضة الفلسطينية، أي إنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها.
وكل ما نسمعه من كولن باول وجاك سترو وغيرهما بخصوص أن العالم قد تغير بعد الحرب على العراق وأن على سورية ان تفهم بأن وضعا جديدا قد طرأ وعليها ان تتواءم مع هذه التغييرات، من خلال اتخاذ سياسات وممارسات جديدة! وهو أمر، بل طلب، موصول بالضرورة الى طهران وبإلحاح، إنما المقصود به صراحة: وقف الدعم للفلسطينيين ولحزب الله لبنان فورا ومن دون نقاش!
ثمة من يقول ان المطلوب أميركيا من دمشق اليوم هو ان تنضم الى محور أنقرة - بغداد - تل أبيب المرشح لأن يتحول الى حلف بغداد جديد من خلال انضمام متوقع لعواصم جديدة إليه.
كما ان المطلوب من طهران ان تتخلى عن أي «دور شرق أوسطي» وتكتفي بـ «دور خليجي» مناسب ومعقول! وإذا ما أصرت على زيادة حجم الدور الذي تريده فما عليها إلا أن تحذو حذو انقرة أو في أحسن الأحوال أن تنتظر دورا بالمرور عبر «كوريدور» آسيا الوسطى والقوقاز يربطها بـ «العالم الحر»! بعد الانتهاء من ترتيبات لم يأت أوانها بعد.
إنها تحديات تتطلب خيارات استراتيجية ودفاعات استراتيجية لا تتحمل انتظار وصول غبار المعركة إلى أسوار طهران
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 229 - الثلثاء 22 أبريل 2003م الموافق 19 صفر 1424هـ