العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ

يُحكى أن بغداد ...

أحاسيس جامعية تدرس في العراق

يحكى قديما أن هناك بلدة من روائع هذه الدنيا تدعى ـ بغداد ـ زرتها قبل خمس سنين مضت... بلدة حيث الخير والشر... الغنى والفقر... الطيب والخبث... الجميل والقبيح...

بلدة ليست كباقي البلدان... بلدة جمعت كل أشلاء ما تبقى لنا نحن العرب... ضمت كل من ليس له مأوى على وجه الأرض... لم أتوقع يوما أن أنخرط فيها لأكون واحدة منهم... عشت معهم خمس سنين مضت كلمح البصر... وأحببتها.

وهل يكره بغداد من يشرب من ماء الفرات؟ أستيقظ صباحا، حيث الورود وعبيرها تحيط بي من كل جانب، أنتظرها من موسم إلى آخر...

آه يا عيد الربيع! كيف مررت بنا هذا العام؟ وهل نضجت ورود الحب لتزين أكاليل العشاق أم أكاليل الشهداء؟

كل يوم نتجول بين أزقتك لا نكل ولا نمل، نغرف من حضارتك، نتذوق الفن والثقافة منك لنرى الحضارة هنا، ونستنشق العراقة هناك. ونتساءل دوما: كيف صمدت كل هذه السنين لتكوني واحة خضراء لنا؟

(2)

والآن...

يدعونني لأبقى تحت اللحاف، متفرجة أمام التلفاز، أرقب كيف تدمر الغربان، جنة الخلد بغداد.

أوتريدونني أن أجلس كالجبناء؟ أتذكر الماضي البعيد... أرقب تطاير الذكريات مع شظايا القنابل العنقودية لتصيب كل صحبتي هناك... أم أرقب أزقة حي المنصور كيف تحولت إلى رمال... أم أضع يدي على خدي كالعاجزين، أستمع إلى عويل أم قد يكون فقدها زميل لي؟

أتريدونني أن أبقى لأشاهد هذه البناية أم تلك، أتعرَّف على ملامحها، علني زرتها يوما؟

لا وألف لا، فليتني أغط في سبات عميق حتى ينتهي هذا الكابوس الذي حوّل حياتنا إلى جحيم.

(3)

ترى...

هل سنرجع يوما لكِ لنراك كالسابق، عروسا تزهو بحلي الزمن الغابر؟!

هل سنعود لنغرف من علومكِ ما نشتهي؟

هل سنعود لنرى ماذا فعل بكِ الزمان؟

ولعمري... إني لأعود لكِ طيرا حنَّ إلى بلاده فلم يوقفه طول السماء ولا عرضها.

(4)

سأعود... لأرى ماذا فعلت بك دبابة معتدية لم تفقه معنى للحياة...

سأعود لأفتش عن بيتي هناك... عله تدارك القصف بسحابة من دخان... سأعود لأفتش عن بقايا ذكرياتي...

رسائل الحب والشوق...

قصائد الوطن...

مقالاتي منذ نعومة أظافري...

صور الذكرى...

دفاتر يومياتي...

كتبي وأقلامي...

سأعود لكِ لعلّي ألاقي صحبتي، لعلّي ألاقي صديقتي، هناك تسكن في «الدورة»، أو لعلّي ألاقي قبرها، أو قبر عائلتها، أو لعلي لا ألاقي إلا نسيم روحها الطاهرة.

سأعودك لكِ... علَّ الزمان يرأف لدموعنا... علّه يوقف كل هذا...

سأعود لكِ... لعلّي أجد مكانا في قاعة محاضراتي، أو علّي لا ألاقي كليتنا... لعلّي ألاقي تلك الطفلة اليتيمة عند باب بيتي، أو لعلّي أراها جثة مجهولة الهوية.

سأعود لكِ... لعلّي أجد فسحة في روضة الإمام علي (ع)، هناك في النجف الأشرف... لأقف بين المصلين... أتضرع إلى الله ليوقف كل هذا، وأصحو من كابوس مخيف، يفني بغداد.

(5)

لا تيأسوا يا صحبتي...

فلعلنا يوما نعود... نتذكر أيامنا هناك، حيث السعادة والشقاء، حيث الحب والعداء، حيث بنى كل منا عتبات حياته، وليت الغزاة يتركون لنا بعض الحجارة لنكمل هذه العتبات.

لا تيأسوا يا صحبتي...

فلعلنا يوما نعود إلى بغداد ولا نتذكر هذا الكابوس.

فلعلنا نعود!!

أمل خليل إبراهيم

طالبة في كلية الطب

بجامعة المستنصرية في بغداد

العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً