العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ

العراق وفلسطين... مسار قدرٍ ملتبس

طراد حمادة comments [at] alwasatnews.com

مسار العلاقة بين القضية الفلسطينية والنظام العراقي، مسار قدري ملتبس، كانت محطاته الكبرى شهادة صريحة على هذا القدر الملتبس؛ بين الفائدة والضرر، وتقديم العون والفرار منه إلى نقيضه، حتى يحار المراقب لبرهان هذا المسار، في إصدار الحكم على طبيعة هذه العلاقة وموقعها في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني، الذي له مع كل نظام عربي علاقة متفردة بخصائص نوعية، تجعل القراءة السياسية لخصائصها، مستفادة من التبادل المتحرك بين الطرفين يندرج فيها العام والخاص في وحدة علائقية مركبة.

وإذا كان النظام العراقي ذو نزعة ايديولوجية قوميّة معلنة، يفترض من الناحية النظرية أن تكون قضية فلسطين وتحريرها واحدة من أولى اهتماماته، فإن مسار العلاقة يفتح عين النقد السياسي على برهات تخالف هذا السياق النظري، لتجعل من فلسطين والعراق، مركزين يتبادلان الأدوار، في محورية الصراع على مدى نصف قرن.

ليس العراق من الناحية الجغرافية دولة مواجهة من دول الطوق العربي حول فلسطين، كما هو الحال مع مصر وسورية ولبنان والأردن، لكنه وفق الطاقات الكبرى الاستراتيجية والايديولوجية التي يتمتع بها، يمكنه أن يكون في قلب الصراع كدولة مواجهة، وهو الأمر الذي مارسه النظام العراقي نظريا وإعلاميا، من دون أن يتقدم خطوة فعلية، تمكنه من القفز خارج الحاجز الجغرافي. وعليه لم يشترك العراق فعليا في الحروب العربية - الإسرائيلية المتتابعة، بل بقي أسير وضعه الجغرافي، وحاول تعويض هذا النقص بالعمل على إيجاد مركز ثقل له، داخل الحركة الفلسطينية المسلحة، كانت تنشط من موقع المعارضة، للحركة الفلسطينية، على الصعيد العربي العام وداخل هذه الحركة نفسها. وعليه قاد النظام العراقي ما كان يعرف بجهة الرفض الفلسطينية، وأقام علاقات قوية مع تنظيمات فلسطينية معارضة، مقدما لها المال والسلاح والنظرية الايديولوجية وكذلك أسس لنفسه فصيلا خاصا، باسم جبهة التحرير العربية، لعبت دور المعارضة على الدوام، داخل الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني، على رغم أن قيادة هذه الحركة سعت إلى تسويات متتالية مع النظام العراقي، الذي كان ينظر إليها نظرة ملتبسة وفق برهات العلاقة، على قاعدة الرفض والتسوية، وكان يغلّب جانب الرفض فيما كانت القيادة الفلسطينية تغلّب جانب التسوية، معللة النفس بالاستفادة من طاقات العراق وقوته الاستراتيجية.

إن تاريخ العلاقة بين الجانبين الفلسطيني والعراقي يثبت أنه كلما تنامت قوة العراق ازدادت شهيته لتكون مشروعاته الخاصة في المنطقة محور الجذب العربي، بينما كانت رغبة الجانب الفلسطيني أن يكون نمو قوة العراق عامل دعم استراتيجي للحركة الفلسطينية.

وحتى تكون نظرتنا إلى هذه العلاقة التي ذهبنا إلى تسميتها «بالقدر الملتبس» موضوعية يلزم التوقف بإمعان عند برهاتها المتعاقبة الآتية:

- دراسة مرحلة قيادة النظام العراقي لجبهة الرفض الفلسطينية، والدور الذي لعبته التنظيمات المنضوية داخل هذه الجبهة في الساحة الفلسطينية، وتلك ناحية جديرة بالدراسة لكن نتائجها المعروفة، لا تمكن المراقب السياسي من إصدار حكم لصالحها، فهي لعب أدوارا سلبية عدة وعرّضت الوضع الفلسطيني لخلافات وصراعات جانبية عربية ودولية، كما أثبتت نتائج تجربتها معوقات عدة، أخذت من القضية الفلسطينية أكثر مما قدّمت لها. إنه حكم عام مستفاد من نتائج هذه التجربة، ويمكن تقديم أدلة كثيرة إذا ذهب الباحث في هذا الأمر، إلى دراسة تفاصيل تلك المرحلة وحقيقة الدور الذي لعبته داخل الساحة الفلسطينية.

- البرهة الثانية في هذه العلاقة تبدأ مع موقف النظام العراقي من الثورة الإسلامية في إيران، ومدار هذا الموقف يثبت حقيقة جلية مفادها أن النظام العراقي بإعلانه الحرب على إيران، أقام جبهة ثانية للصراع في المنطقة العربية، غير جبهة الصراع مع العدو الصهيوني، وتحوّلت هذه الجبهة إلى مركز استقطاب لجهود العالم العربي والإسلامي، ينافس مركز الاستقطاب، ويضعه من حيث الأهمية في المرتبة التالية، ولعلّ النظر التاريخي الموضوعي يثبت أن الخاسر الأكبر من الحروب العراقية - الإيرانية كان القضية الفلسطينية.

- البرهة الثالثة في هذه العلاقة هي تحرك العراق، الذي تحوّل بفعل تطورات الحرب مع إيران إلى قوة عسكرية إقليمية كبرى؛ إلى احتلال دولة الكويت، بدل أن يستفيد من قوته الجديدة لمواجهة العدو الصهيوني، وتثبت الحقائق التاريخية أن حركة العراق الخاطئة، أثرت بطريقة سلبية على القضية الفلسطينية وعلى الانتفاضة الأولى للشعب الفلسطيني كما كانت محاباة القيادة الفلسطينية للموقف العراقي، عامل خسارة كبرى لعلاقة القيادة الفلسطينية مع دولة الكويت والدول العربية الأخرى، وخرجت القيادة الفلسطينية خاسرة إلى جانب العراق، من حرب الخليج الثانية العام 1991، وذهبت من تلقاء نفسها إلى التسوية الدولية في مؤتمر مدريد، وإلى تسوية أوسلو وهي مثخنة بجروح الموقف العراقي الخاطئ في احتلال الكويت، وعليه تكون الخاسر الثاني بعد العراق، من حرب الخليج الثانية.

إن استعادة القيادة الفلسطينية الأنفاس بعد حرب الخليج الثانية يعود إلى طبيعة هذه القضية وإلى ديناميكيتها، لكن الأقدار السياسية الناتجة عن حرب الخليج الثالثة وضعت المنطقة العربية أمام محوري جذب رئيسين: القضية الفلسطينية، وقضية النظام العراقي.

- البرهة الرابعة في مسار العلاقة بين النظام العراقي والقضية الفلسطينية هي البرهة التي نعيشها الآن في محاولة الإدارة الأميركية الربط بين انهيار النظام العراقي، وبين تسويق تسوية للقضية الفلسطينية تعرف باسم «خريطة الطريق» التي كانت في قلب تصريحات الإدارة الأميركية، على مختلف مستوياتها من البيت الأبيض بلسان الرئيس جورج بوش إلى وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وبقيّة مؤسسات هذه الإدارة. وما تلقاه هذه الخطة من قبول عند الأنظمة العربية التي تجد في «خريطة الطريق» تعويضا عن نتائج الحرب على العراق. القدر الملتبس يضرب بقوة هذه المرة. فهل يؤدي الاحتلال الأميركي إلى قيام قضيتين أمام العرب هما: العراق وفلسطين، أم تؤدي إلى قطف ثمرة فلسطينية من شجرة نتائج الحرب على العراق؟

لا تتغيّر الأقدار، لكنه يتغيّر اللاعبون، والأمر يتوقف على قدرة اللاعبين الجدد في المنطقة العربية على الاستفادة من مسار هذه العلاقة القدرية الملتبسة

العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً