العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ

مؤتمر الرياض

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مؤتمر وزراء خارجية دول الطوق (المجاورة للعراق) بمشاركة مصر والبحرين الذي عقد في الرياض وضع سقفا سياسيا للعدوان الأميركي على العراق. وعلى رغم أن المؤتمر كان يجب أن يعقد قبل العدوان نظرا إلى المخاطر الإقليمية التي ستنجم عنه بتحويل العراق وقواعده الى مهابط للطيران ضد دول الجوار العربية والإسلامية... إلا أن عقده ولو متأخرا أفضل بكثير من ألا يعقد إطلاقا.

أهمية المؤتمر في إشاراته السياسية، فهو يدل على نوع من الممانعة التي لابد من تثبيتها وتطويرها حتى تتحول إلى سدٍّ قوي يعطل إمكانات تسرب المياه من العراق الى محيطه. فالخطر الحقيقي على المنطقة هو في فترة «ما بعد العراق» ومحاولة الولايات المتحدة تحويل عدوانها العسكري الى انتصار سياسي وإعادة استثماره للضغط على المنطقة في ثلاثة ملفات: «الشرق الأوسط» وقضيته المركزية فلسطين، النفط واللعب بالأسعار والإنتاج، هز الاستقرار وإثارة القلاقل الأمنية في دول الجوار والمحيط العربي.

الملفات الثلاثة (فلسطين، النفط، والأمن) كانت حاضرة في نقاشات وقرارات وزراء خارجية الطوق في الرياض وجاءت التصريحات والبيان الختامي ليقطعا الطريق على محاولات واشنطن الاستئثار بالعراق ومحاولة استخدامه كقوة استثمار سياسية ضد الدول العربية والإسلامية.

إلى الملفات الثلاثة كانت هناك رسائل قوية من «مؤتمر الرياض» تتعلق برفض الاحتلال الأميركي للعراق، ومطالبة قوات الغزو بالانسحاب، وأخيرا ترك الشعب العراقي يختار حكومته وإدارته ويعيش بسلام.

ما حصل في العراق أمر فظيع فهو يخالف كل القرارات الدولية والأعراف والقوانين والمواثيق والاتفاقات السياسية والإنسانية... والأفظع أن يجنح العدوان في توظيف نجاحه العسكري بسلسة انتصارات سياسية تبدأ في العراق ثم تنتقل الى الدول المحيطة وتسقط دول الجوار العربي - الإسلامي «دولة بعد دولة».

وحتى يفشل العدوان في استثمار نجاحاته العسكرية في العراق لابد ان تقوم دول الجوار بسلسلة إجراءات تنسيقية تنقل التفاهمات السياسية التي وردت في البيان الختامي لـ «مؤتمر الرياض» من صيغة الكلام الى برنامج فاعل يحدد بالنقاط المصالح المشتركة التي تجمع دول الطوق على «بيان عمل» يتحرك بآليات يومية لا تنقطع ولا تكتفي بالاجتماع الدوري وتسجيل المواقف المستنكرة لهول وفظاعة ما حصل في بلاد الرافدين.

آلية العمل مهمة جدا لتحويل صيغة الكلام الى برنامج يومي فعّال وهذا يتطلب اختيار أو تعيين أو انتخاب «لجنة مشتركة» تكون على اتصال يومي بأعلى المسئولين العرب وفي العالم الإسلامي، ويكون من وظائف اللجنة المشتركة تحديد نقاط واقعية وعاقلة تحدد برنامج الحد الأدنى لدول الجوار وتربطها مصلحيا بمطالب الحد الأقصى للدول العربية والإسلامية.

وهذه الآلية لا قيمة عملية لها من دون بذل الجهد المشترك على مستويين:

الأول، الجبهة العراقية. على اللجنة المشتركة ألا تهمل الساحة العراقية وتتركها لقمة سائغة للسياسة الأميركية. فواشنطن عندها برنامجها وإدارتها وقواها السياسية الداخلية وهي عموما ضعيفة وغير قادرة على التأثير من دون غطاء أميركي بينما دول الجوار تتمتع بنفوذ وشرعية وصدقية في الشارع العراقي أفضل بكثير من تلك المعارضة «المرتزقة» التي أسقطت بالمظلات أو تسللت الى المدن برفقة الدبابات الغازية. إن دول الجوار لها من الفعالية وعندها من القوى السياسية أفضل بكثير من الولايات المتحدة.

وإذا أحسنت السعودية وسورية وإيران مثلا (مدعومة من مصر وتركيا والأردن) توظيف اتصالاتها وتنشيط أنصارها وتشجيعهم على التحرك والعمل على تشكيل «جبهة مقاومة مدنية» تحدد الأطر وتعين برنامج العراق المرحلي الوطني الحر والمستقل تكون بذلك أعطت صدقية لتحركها وعززته بروافد محلية تعطيه قوة ومنعة. فالنشاط العربي- الإسلامي المترافق مع تحرك دول الجوار يحتاج الى تغطية عراقية تستند الى رموز وطنية تتمتع بشعبية وصدقية وشرعية وعندها القدرة على منافسة رموز الولايات المتحدة داخليا وهزيمتها في حال حصلت انتخابات بلدية أو نيابية نزيهة وبإشراف الأمم المتحدة.

المستوى الثاني، الجبهة الدولية. إلى الغطاء العراقي تحتاج «دول الجوار» الى تغطية دولية تنطلق من تجديد الصلة وإعادة التفاهم مع الدول التي رفضت الحرب على العراق. والانطلاق من جبهة عالمية مضادة للحرب التي اندلعت على رغم أنف العالم وبالضد من الأمم المتحدة تبدأ بتكوين جبهة سياسية دولية تساعد على تعطيل استثمار العدوان وتحد من إمكانات توسيعه إلى دول الطوق وتمنع الولايات المتحدة من ابتزاز الدول العربية والإسلامية.

«مؤتمر الرياض» كان نقطة إيجابية مضيئة إلا أنه يحتاج الى آليات لاستثمار مواقفه المبدئية التي وضعت سقفا للعدوان. وهذه تحتاج بدورها الى بذل المزيد من الاهتمام على الجبهتين: العراقية الداخلية بتأسيس جبهة وطنية للمقاومة المدنية، والدولية بإعادة ربط الحد الأدنى من البرنامج العربي المضاف إليه قرارات البيان الختامي لمؤتمر الرياض بالمصالح العليا للدول الكبرى وتحديدا تلك التي اتخذت مواقف صائبة حين رفضت الموافقة على العدوان الأميركي على العراق.

كان على «مؤتمر الرياض» ان يعقد قبل العدوان إلا أنه لا يعني أن القطار فات بل هناك إمكانات مفتوحة على آفاق أخرى تنقذ مستقبل المنطقة (ودول الجوار تحديدا) من هجمة كبرى يقودها «أشرار البنتاغون» وهذا لا يتم من دون رؤية استراتيجية تعتمد على خطة عملية تبدأ بتعطيل النجاح العسكري ومنع واشنطن من الاستفادة منه حتى لايتسنى لها تسجيل انتصار سياسي ليس في العراق ولكن ضد كل المنطقة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً