لا يمكن بأي حال لبلد صغير مثل البحرين أن تكون لديه شركة مثل «ايرباص» الأوروبية التي تتخذ من مدينة «تولوز» الفرنسية مقرا لها، فهي شركة عظمى تنافس الشركة الأميركية «بوينغ» في صناعة الطائرات المخصصة للركاب والشحن، ولم تستطع «ايرباص» منافسة الشركة الأميركية إلا بعد أن دخلت أربع دول أوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، اسبانيا) في المشروع الذي يعتبر من مفاخر التكنولوجيا الأوروبية.
في زيارتي لمصنع تجميع الطائرات يوم الجمعة الماضية لفت انتباهي وجود أعداد من تلاميذ المدارس يزورون المصنع أيضا. وعندما سألت مدير العلاقات العامة قال إن هناك شركة سياحية في المدينة تنظم رحلات يومية للمصنع، وهذه الشركة استطاعت تحويل هذه الزيارات إلى سياحة مربحة تدرّ عليها أكثر من مليون يورو سنويا، وأصبح لدى الشركة طاقم متكامل يوفر المعلومات والإرشادات، وينظم البرامج السياحية يوميا، وهناك الأعداد الهائلة من الناس الذين يودون رؤية الطائرات وهي في طور التصنيع والتجميع، لأنها رحلة تعليمية ترفيهية وتفتح مجالات الإبداع أمام الزائرين الذين تنمو أفكارهم برؤية هذه الإبداعات التكنولوجية.
والنقطة المهمة هنا هي أن الفرنسيين لم يغفلوا فرصة تطوير السياحة في مجال آخر من المجالات الكثيرة المتوافرة في صناعة السياحة.
في اليوم التالي كان لي لقاء مع عالمة الآثار الفرنسية مونيك كارفران التي عملت في البحرين طوال عقد الثمانينات وكتبت عن البحرين كثيرا، وهي من الذين وضعوا خطط إعادة ترميم قلعة البحرين. والدكتورة كارفران أستاذة في علم الآثار ويرجع إليها الفضل في إنجازات علمية كبرى في مجالها، ومنذ خروجها من البحرين وهي تتابع ما حدث لقلعة البحرين والمخاطر التي تهدد وجودها، وتسعى حاليا مع عدد من خبراء الآثار إلى مساعدة البحرين في تسجيل القلعة ضمن قائمة آثار اليونيسكو، وبذلك يمكن للبحرين ان تطور سياحة بيئية من الطراز الأول.
وتقول كارفران: «لو ان قلعة البحرين في مكان ما بفرنسا لأصبحت من أفضل ما يزوره الناس لأنها تمثل عمقا تراثيا إنسانيا لا يبدو ان البحرينيين واعون له».
وإذا كنا نحاول تطوير مجالات السياحة النظيفة في البحرين، فإن من واجبنا الحفاظ على الآثار التي تستقطب الدعم المالي الدولي وتستقطب السائحين وتستقطب الدارسين والمختصين، فالبلدان المجاورة تستطيع بناء مدينة ألعاب أفضل مما نستطيع نحن القيام به، ولكنهم لا يستطيعون امتلاك شيء مثل قلعة البحرين ومعبد باربار ومعبد الدراز وباقي آثار البحرين التي يتم إهمالها وتدميرها مع الزمن، ثم ان السياحة النظيفة إبداع في مجالات عدة. فيمكننا إحياء المواقع الأثرية والإخلاص للتراث، وبالتالي نحيي السياحة الأثرية. ويمكننا فسح المجال أمام رحلات سياحية للبتروكيماويات لمشاهدة المحمية الطبيعة التي أنشأتها الشركة، ويمكننا أن نحيي السواحل عبر فتحها وتنظيفها وإعدادها للجمهور. فالبحرين جزيرة، وعار علينا إذا قلنا إن أهل البحرين لا يستطيعون رؤية البحر لأنه تم استملاك السواحل من كل جانب، وحتى لو انها استملكت فواجب الدولة إعادة استملاكها، وإذا كان تمليكها بالمجان فتجب إعادة استملاكها بالمجان أيضا.
يمكننا فسح المجال أمام كل المواطنين والسائحين لزيارة جميع جزر البحرين، حتى تلك المملوكة بصورة شخصية. فالدولة تستطيع إصدار التشريعات الخاصة بتنشيط حركة السياحة من خلال فسح المجال لزيارة جميع الجزر الجميلة التي يسمع عنها المواطن وربما يراها من بعيد ولكنها محرمة عليه. ان فسح المجال للمواطنين وغير المواطنين لزيارة الجزر الجميلة يجب ألا يكون أغلى من زيارة مصنع «الايرباص» في فرنسا. فإذا كان أفضل مصنع لأفضل أنواع الطائرات يفتح أمام عامة الناس لزيارته فلماذا لا تفتح الأبواب لجميع الناس للاستمتاع بزيارة الجزر عبر وسائل تنظمها الدولة بصورة لائقة؟
ثم ان لدينا جنوب البحرين الذي لا يستطيع المواطن الوصول إليه ورؤيته. ورأس البر يقال إنه مملوء بالغزلان البحرينية، فلماذا لا نفتح مجال السياحة البيئية إلى هناك؟
وتبعا لذلك، فإن بإمكان الدولة مساندة مشروعات تنموية لمد المواصلات والاتصالات والخدمات العامة التي تناسب النشاط السياحي، وهذا بدوره سيحرك العجلة الاقتصادية بهذا الاتجاه.
السياحة الرياضية يمكن فتحها. فكثير من أصحاب الأعمال في أوروبا يبحثون عن مكان في أشهر يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط ومارس/آذار عندما يكون الجو معتدلا في البحرين للعب «الغولف» وغيرها، وهذه يمكن أيضا إدراجها ضمن برامج تشجيع السياحة النظيفة.
البحرين لديها أيضا سياحة دينية كإيران وسورية والعراق. ويمكن للدولة رعاية السياحة الدينية إلى جزيرة الشيخ وجزيرة النبيه صالح والأمير زيد والشيخ ميثم وعشرات الأماكن المهمة لعدد غير قليل من الناس. ويمكن إضافة مكتبات ومتاحف حول هذه الأماكن. فالشيخ ميثم يعتبر أكبر فيلسوف عرفه تاريخ البحرين فيمكن استعراض جميع كتبه وما كُتب عنه وأهميته في متحف صغير يلحق بالمسجد المدفون فيه بالماحوز.
لن تقدم الأفكار لتطوير أنواع مختلفة، قديمة وحديثة، للسياحة النظيفة. ولكن كل ذلك بحاجة إلى استراتيجية وطنية واضحة ومتفق عليها، والبرلمان يمكنه تحريك هذا المجال المهم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 227 - الأحد 20 أبريل 2003م الموافق 17 صفر 1424هـ