ما تصل إليّ من إيميلات مختلفة مناهضة ومؤازرة لمعركتنا في الصحافة تشعرني بمدى يقظة الشارع البحريني ومدى تحسسه للمصير المجهول الذي يراد به طبع الصحافة... الغريب في الأمر أن بعض الإيميلات حتى من دول عربية كانوا يتابعون صحافتنا عبر الموقع الإلكتروني... شكرت الله وقلت: نعم مازالت الدنيا بخير... فعلى رغم تفحّم بعض النخب وسكوت آخرين في مؤسسات مدنية ونواب ودس رؤوس كتاب في الرمال... فإن هناك أناسا مازال قلبهم على حرية الكلمة... بعضهم هزه اغتيال الحقيقة بقصف وقتل الصحافي الشهيد طارق أيوب فجاء هنا ليبكي على بقية «الأيوبيين»!
لقد دخلنا ـ كبحرينيين ـ عبر الصحافة في معارك وطنية كثيرة... كنا نسير على حقول من الألغام، فوراءنا البحر وأمامنا الجيش وويل لنا لو سقطت كلمة سهوا... وعلى رغم ذلك رحنا نوصل الصوت ـ باعتدال ـ مترافعين عن المواطن البحريني... أيا تكن طائفته أو انتماؤه السياسي... ونجحنا في الضغط السلمي وها نحن اليوم نجلد بقانون أمن الصحافة السيئ الصيت... نجحنا في تبني قضية المواطن سامي سمير وعائلته المخطوفة، ورحنا ندافع عن تهميش المجلس البلدي من قبل الجهاز التنفيذي فأوضحنا للناس ملابسات الأمر، ووضعنا النقاط على الحروف في قضية «شارع المعارض» وضغطنا ـ كصحافة تنشد الحقيقة ـ سلميا مراعاة لحقوق الإنسان في كلا القضيتين ـ والأرشيف شاهد على ذلك ـ ورحنا ندعم كل خطوات الإصلاح... في سبيل إيصال صيغة مشتركة... ولم نأل جهدا في الدفاع عن ثقافة السلم والاعتدال وترسيخ الوحدة الوطنية... ولما رأينا واقع البيئة في البحرين في خطر... تبنى الصحافيون والكتاب بتحقيقات ومقالات آلام المزارع والبساتين في البحرين... وكذلك هو الموقف مع البحر وكسبنا قضية شاطئ باربار وأيقظنا قضية بقية الشواطئ... فضلا عن القضايا التي ترافع عنها الصحافيون من قضايا البطالة والفقر والتجنيس... وأشياء كثيرة ليس في الوسع ذكرها. وكنا نعلم أن الدخول في المعارك الصحافية سيخلق لنا عداء ليس مع الوطنيين من المسئولين أو الناس وإنما مع من يرون في الحقيقة ضررا على مصالحهم من بعض الوزراء أو المديرين أو الوكلاء.
وللعلم، فإن ما طرح في الصحافة عن الفساد الإداري والمالي وبقية القضايا هي مخففة إلى 400 تحت الصفر... وليست هذه مبالغة، بل ذلك هو الواقع.
الصحافة مهنة المتاعب لأنها تفتح عين الكاتب والصحافي على تلك الشقوق والثقوب في جسد الوطن... فساد هنا ومرتشٍ هناك... ولعل قضايا المصارف فقط وحدها كافية لأن تشعل رأس المواطن شيبا وقروحا أيضا... وإلا من المحاسب عن ضياع 17 مليون دينار في البنك البحريني السعودي؟ كما ويبقى سؤال: لقد دفعت الدولة مشكورة 25 مليون دينار لوزارة العمل والشئون الاجتماعية في محاولاتها لاستيعاب البطالة... ذهبت الـ 25 مليون وبقيت البطالة... والصحافة لم ترد إلا دراسة تقييم وحساب حتى نتأكد أن المبلغ ذهب إلى المواقع الصحيحة لا أنه ذهب مع الريح! وغيرها كثير.
الدخول في هذه المتاهات ليس وراءها إلا «البلاوي»... ولكن على رغم ذلك تحملنا كل هذه المصاعب بما فيها غضب الجمهور أو بعض الجمهور إذا خالفناه في الرأي وبعد كل ذلك... بدلا من أن يحصل الصحافيون البحرينيون والكتاب ورؤساء التحرير على «رحمة الوالدين»... يجرجرون إلى حيث المحاكم أو إلى مناطق التأديب «جمعية الصحفيين البحرينية»، المرشحة لكي تكون «أبوغريب» لكل صحافي بحريني... ماذا يفعل الصحافي البحريني عندما يرى نخبا أو وزراء يريدون أن يكونوا أبطالا ولو على رماد؟... وأنا على يقين أن المثقف البحريني الوطني لا يمكن أن يقبل أن يكون بطلا على رماد... ويوم يشعر بأنه سيغش الناس بالكلمة والحرف سيلقي القلم ليبحث له عن رصيف آخر في الغربة
العدد 226 - السبت 19 أبريل 2003م الموافق 16 صفر 1424هـ