العدد 226 - السبت 19 أبريل 2003م الموافق 16 صفر 1424هـ

ملاحقة مجرمي الحرب

راشد محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

كان على منظمات ومؤسسات المجتمع المدني العربية بدء العمل الدؤوب من أجل توثيق الجرائم في حق الشعب العراقي من منطلق عدم شرعية وأخلاقية الحرب التي شنت عليه.

وكان سفك الدماء البريئة وإلحاق الدمار الشديد بالبنية التحتية من جراء القصف المركز على الأحياء المدنية في المدن العراقية أولى جرائم الحرب التي قامت على استراتيجية بث «الصدمة والرعب» في نفوس وقلوب العراقيين.

وقد تطورت هذه الجرائم بتطور سير العمليات الحربية إذ قصفت مخازن المواد الغذائية، وأطلقت جماعات اللصوص المسلحة في حملة سلب ونهب للمؤسسات العامة والخاصة بما فيها المستشفيات والمدارس بتشجيع وتأييد صامت من «قوات تحرير العراق». ولم تخل مشاهد العدوان من تعمد إهانة الأسرى العراقيين بالصوت والصورة.

كما كان الرصاص هو الرد على أصوات الذين احتجوا في الموصل على الهجمات الإثنية، وذلك في تناقض واضح لخطط المعتدين «للفوز بعقول وقلوب العراقيين». ورأينا كيف تم الإجهاز على ما تبقى من الاقتصاد العراقي من خلال تشجيع نهب المصارف ووقف الأعمال وتمزيق العملة المحلية وإبدالها بالدولار. واكتملت سلسلة جرائم الحرب عندما وقفوا يتفرجون على أعمال سرقة وتدمير الآثار داخل المتحف الوطني قبل حرقة، وهي التي تم جمعها على مدى عقود كشاهد حقيقي على حضارة العراق وشعبه، وتغاضوا عن أعمال نهب وحرق الكتب والمجلدات الفريدة داخل المكتبة الوطنية، التي كانت حتى الأمس شاهدا على تاريخ وثقافة وتراث وذاكرة العراق على مر العصور.

وفي هذا السياق نرجع بالذاكرة إلى أعمال تفجير وهدم الآثار البوذية في أفغانستان على يدي «طالبان» ما دفع الغرب إلى إدانة «الثقافة الإسلامية القائمة على التعصب الديني والعنف»، ثم نقارن تلك الحوادث بهذا المشهد الموغل في البربرية والعنصرية لجريمة نهب وحرق وتدمير حضارة وتراث العراق أمام احتجاج خجول لدى بعض ذوي الضمير.

إن توثيق جرائم الحرب في العراق بكل صورها الدموية والتدميرية والعنصرية سيؤسس لإخراج المستندات الثبوتية الداعمة لتحرك قانوني عربي أمام المحكمة الدولية الخاصة بنظر الدعاوى المتعلقة بجرائم الحرب، على أن تشمل الوثائق التسجيل الكامل لكل المبررات التي ساقوها لخوض الحرب ومن ثم تقييم مدى شرعيتها تحت بنود القانون الدولي.

كما يجب التوثيق المنهجي لأقوال ومشاهدات شهود العيان من داخل وخارج العراق بالإضافة إلى حصر دقيق للقتلى والجرحى من المدنيين، كما الأضرار التي وقعت على الممتلكات العامة والخاصة بما فيها المستشفيات والمدارس والمتاحف والمكتبات والمساجد.

وتبقى ضرورة التسريع في أية ملاحقة قانونية للقيادات السياسية والعسكرية في دول العدوان قبل أن تعلن هذه نصرها النهائي لتبدأ عملية تقسيم غنائم الحرب، واستثمار نتائجها للفوز بالأصوات الانتخابية في الداخل، وتغيير الخريطة السياسية للمنطقة العربية لفرض السلام الإسرائيلي على العرب، ما سيوفر لتلك القيادات وضعا أقوى وأشمل في حربها على الإنسانية.

وأخيرا، حبذا لو قامت الجامعة العربية بالتنسيق والإشراف على هذه المهمة الصعبة في محاولة أخيرة منها لاسترجاع صدقيتها أمام المواطن العربي القابع في عين الهزائم، والمثخن حتى الموت بجروح الإحساس بالظلم، والغضب، والمهانة، والخيبة، والمرارة، والإحباط القاتل

العدد 226 - السبت 19 أبريل 2003م الموافق 16 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً