العدد 226 - السبت 19 أبريل 2003م الموافق 16 صفر 1424هـ

ستالين - تروتسكي: قراءة مختلفة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت مراكز البحوث الأميركية بقراءة الأصول الثقافية (الأيديولوجية) لمصادر «كتلة الشر» الحاكمة في البنتاغون بقصد كشف الجوهر الفكري الذي يسيطر على هذه «الحفنة» من الأكاديميين ويطلق عليهم تسمية مجازية: «المحافظون الجدد».

قيل الكلام الكثير عن «المسيحية الإنجيلية» و«المسيحية المتصهينة» و«أبناء الهيكل» و«قوى الخير والشر»... إلا أن الجديد في الكلام هو ربط بعض مصادر هذه الكتلة الشريرة بأصول ماركسية ـ تروتسكية في محاولة للكشف عن معنى للتماسك الأيديولوجي وكراهية هذه الحفنة لما كان يسمى بـ «الاستبداد الشرقي».

بعض الدراسات والأبحاث أخذ يشير إلى وجود نكهة «تروتسكية» في خطابات الأكاديميين الأيديولوجية للقول إن تلك الأفكار ليست «أميركية» في جوهرها وإنما هي مدرسة كلامية استوردت إلى أميركا في القرن الماضي وأعيد إنتاجها في ضوء التحولات الدولية والصراع ضد الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي في فترة «الحرب الباردة».

الهدف من التحليل المذكور هو الإشارة إلى هذا النوع من التفكير الإرهابي الذي يسيطر على إرادة إدارة البيت الأبيض جاء من الخارج وأسقط على واقع أميركي يتقبل مثل هذه الأفكار ولكنه لا ينتجها. فالأفكار، بحسب هذه التحليلات الجديدة، مستوردة وليست مصنوعة في الولايات.

عموما هناك بعض التشابه الشكلي بين التروتسكية والأفكار التي تدين بها هذه «الحفنة الشريرة». والتشابه موجود في الألفاظ وليس في التكوين الاجتماعي ـ التاريخي لنهوض الفكر التروتسكي المضاد للستالينية. فالتروتسكية في معناها البعيد هي الوجه الآخر للستالينية. وهما نتاج فترة زمنية قهرية أسهمت في بلورة مجموعة مفاهيم في سياق الاضطراب الاجتماعي والتحول الاقتصادي ومرحلة الانتقال من فترة الاستبداد القيصري إلى فترة من الاستبداد الستاليني. وتروتسكي في هذا المعنى التاريخي هو أحد أهم المؤسسين للفترة الستالينية ثم انقلب عليها حين تغيرت الظروف برحيل مؤسس الدولة والثورة لينين. فالنقد التروتسكي للاستبداد الشرقي (الستاليني) جاء بعد أن نجح ستالين في السيطرة على السلطة والحزب وطرد التيار المضاد لبرنامجه السياسي.

الخلافات السياسية بدأت في موسكو ولكنها بعد هروب تروتسكي إلى مكسيكو تحولت إلى قراءات أيديولوجية تحاول تفسير الخلافات فلسفيا واجتماعيا وتاريخيا فتأسست مدرسة نقدية للمنهج الستاليني في بناء الدولة الاشتراكية. «أدلجة» الخلاف السياسي تحول مع الأيام إلى منهج عقائدي مضاد للاتحاد السوفياتي والأحزاب الشيوعية وحركات التحرر الوطني ونزعة الاستقلال عن الاستعمار (أوروبا آنذاك). وهذه الانتقادات سمحت بوجود نقاط التقاء وتقاطعات بين المجموعات التروتسكية الأوروبية والأميركية المضادة للشرق و«الاستبداد الشرقي» وبين الأجهزة السياسية الأميركية المضادة للحركات الوطنية والتحريرية في العالم الثالث وتحديدا في الدول الإفرو-آسيوية.

في العودة إلى فترة الصراع التروتسكي - الستاليني نجد الكثير من الإشارات التي تدل على وجود اختلاف أيديولوجي له صلة بتفاوت النظرة بين تيارات الحزب البلشفي ورؤيته للصراع الدولي. لينين مثلا، وبعده ستالين، أكد تحالف العمال (الصناعة) والفلاحين (الزراعة) في روسيا بينما رفض تروتسكي الفكرة مصرا على «ديكتاتورية البروليتارية العمالية». لينين مثلا، وبعده ستالين، كان يتوقع أن تهب البروليتاريا (الطبقة العاملة الأوروبية) الصناعية لنجدة طبقتها الضعيفة والمحاصرة في روسيا وعندما انتظر وخاب أمله نظر إلى «الشرق» ووجد في حركات الاستقلال الوطني قوة مستقبلية يمكن المراهنة عليها لكسر طوق الحصار. تروتسكي رفض هذا التوجه وأصر على «أوروبية» الثورة وقيادة الطبقة العمالية (الصناعية الأوروبية) لحركة التاريخ والتحولات العالمية. لينين، وبعده ستالين، كان ينظر باحترام إلى الحركات الشعبية وإمكانات تطويرها إلى حركات سياسية تتمتع بفكر متقدم على واقعها الاجتماعي المتخلف. تروتسكي كان يرفض المراهنة على مجموعات متخلفة في أصولها الفكرية والاجتماعية وكان يراهن على الجيش (الأحمر) باعتباره قوة تنظيمية تختصر المسافات والزمن من طريق الصراع الدائم والمواجهات المستمرة.

والأهم من كل هذه الخلافات أن ستالين بعد رحيل لينين استخدم اللينينية سلاحا أيديولوجيا ـ سياسيا لمحاربة تروتسكي محولا قائد الثورة والدولة إلى صنم يعبده الحزب وكل من يخالف اللينينية يتهم بالانحراف والتآمر على جماهير العمال والفلاحين. فاللينينية باعتبارها مبدأ صنميا هي من إنتاج ستالين إذ استخدمها في الصراع الداخلي وضد خصومه في الحزب والدولة.

إلا أن الجديد في الصراع بين ستالين وتروتسكي على مستوى الأيديولوجيا الماركسية تركز على مسألة مهمة وخطيرة وهي أن ستالين طرح فكرة «إقامة الاشتراكية في بلد واحد» وأنه ليس شرطا أن تنتظر روسيا (السوفياتية) نضوج الشروط الموضوعية العالمية لنجاح التجربة الاشتراكية في بلد واحد. تروتسكي رفض الفكرة وأصر على أوروبية الفكر الاشتراكي واستمر في المراهنة على الثورة العالمية باعتبارها شرطا لنجاح الاشتراكية. فالاشتراكية برأيه عالمية ويجب أن تحصل ثورات دائمة ومستمرة حتى تسيطر الطبقة العمالية مرحليا ثم تضمحل في المجتمع الاشتراكي الجديد. وإذا لم يحصل هذا الأمر (الشروط العالمية للثورة) فإن الاشتراكية في بلد واحد ستكون ناقصة ومحاصرة ومعزولة وبالتالي ستتحول إلى نوع من الاستبداد الفردي.

أسس الصراع على فكرة «الاشتراكية في بلد واحد» المدرسة الأيديولوجية التروتسكية المضادة لهذه المقولة الستالينية. وانطلاقا من هذا الصراع المحدد تبلورت سلسلة مفاهيم أيديولوجية متطرفة لا شك في أن هناك بعض الأكاديميين التقطها في القرن الماضي واشتغل على «أمركة» عناصرها وتحويلها إلى مفاهيم مختلفة ترى في أميركا قائدة التحول، والجيش هو مصدر القوة التي تحرق المراحل وتختصر الزمن، وان الرسالة الكونية الجديدة هي «الحروب الدائمة» ضد قوى الشر والاستبداد السياسي في الشرق. فالتروتسكية في طبعتها الأميركية (إذا جاز الكلام) هي الوجه الإرهابي الدولي لنزعة الاستبداد الستاليني في بلد واحد.

وهنا بالضبط تقع المشكلة حين تحارب «حفنة الأشرار» في البنتاغون الاستبداد السياسي (في الشرق) بهجوم إرهابي (من الغرب)

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 226 - السبت 19 أبريل 2003م الموافق 16 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً