بينما أنظار العالم تتجه إلى متابعة الغزو الإنجلو ـ أميركي للعراق، كان هناك حديث متكرر عن «خريطة الطريق»، اتفق عليها أربعة أطراف، وهي أميركا والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، وكانت هذه الأطراف قد اجتمعت في 20 ديسمبر/كانون الأول، واتفقت فيما بينها على «الخريطة».
ومنذ ذلك الحين رددت الأوساط السياسية عبارات عن «خريطة الطريق»، إلا ان أيا من تفاصيل تلك الخريطة لم يتم نشره بعد، بل ان هناك من يتحدث حاليا عن «خريطة طريق تمهيدية» لإعلان «خريطة الطريق».
كل ما هو معروف من هذا الاتفاق الرباعي لـ «حل» القضية الفلسطينية هو ان «الخريطة» تهدف إلى إعلان دولة فلسطينية في العام 2005، ولكن قبل ذلك فإن على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات تعيين رئيس وزراء فلسطيني لديه صلاحيات. وهكذا تم تعيين «أبومازن»، وهو بدوره طالب بمعرفة صلاحيته ومداها.
وفي لقاء مع مسئول بوزارة الخارجية الفرنسية قبل يومين في باريس أشار إلى أن فرنسا تحث على نشر تفاصيل خطة الطريق بأسرع ما يمكن، لأنها تتضمن أمورا كثيرة ومعقدة، وتتطلب «موافقة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني عبر استفتاء عام قبل إعلان الدولة الفلسطينية». وأشار إلى أن فرنسا تطالب بإقامة «دولة فلسطينية لها مقومات البقاء والاستمرار كدولة لها مؤسساتها وخدماتها».
وهذا يتطلب إعادة بناء الإدارة وإنشاء البنية التحتية والاتفاق على كل تلك التفاصيل من خلال مؤتمر دولي يجمع الأطراف المعنية. ولعل قمة ما يمكن الوصول إليه هو ما ورد في قراري الأمم المتحدة 242 و338 اللذين حددا مبدأ «وجود دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمان». غير أن ما سيتحقق ربما أقل بكثير مما ورد في القرارين القديمين، لأن فلسطين التي سيسمح بها ستظل مجزأة وستكون هناك مستوطنات، والقدس ربما تقسم إلى قدسين.
وفي اجتماع للأطراف الرباعية التي يطلق عليها «الكوارتيت» في بروكسل بتاريخ 3 ابريل/نيسان الماضي تم ربط نشر تفاصيل «خريطة الطريق» بحصول حكومة «أبومازن» على ثقة المجلس الوطني الفلسطيني.
إن البعض يعلق الآمال على خريطة الطريق وعلى المؤتمر الدولي الذي ربما ترفضه الدولة الصهيونية وتعرقل وجوده من الأساس. ولكن قبل ذلك فإن العدو الإسرائيلي يودّ حسم عدة أمور ومنع عدد منها بالتعاون مع الولايات المتحدة لفرض الأمر الواقع الذي يتفقان عليه لوحدهما.
وفي هذا الإطار يأتي التهديد الأميركي لسورية، وقبل أن يتم نشر خريطة الطريق لابد من «إزالة» العقبات، وفي رأية الصهاينة فإن وجود حركة مقاومة فلسطينية مدعومة من بعض الفصائل في العاصمة السورية، ووجود حزب الله بوصفه المنتصر في الجنوب يعتبر من «العراقيل»، ولذلك فإن الهجوم الدبلوماسي الأميركي على سورية وتهديدها بالحصار الاقتصادي وقطع النفط عنها وتوجه وزير الخارجية الأميركي كولن باول بنفسه إلى دمشق لتوجيه إنذارات مباشرة تهدف إلى إخماد الفصائل الداعمة للمقاومة الفلسطينية وإخماد حزب الله أو إبعاده عن الدور الذي يقوم به حاليا للدفاع عن الجنوب اللبناني ومناصرة الشعب الفلسطيني. والقوات العسكرية الأميركية التي تمثل العراق وتوجد في مناطق الشرق الأوسط المختلفة سيتم استخدامها للضغط على سورية للانصياع للمطالب الاسرائيلية بحيث لا يعود لدى سورية أي ورقة ضاغطة فلسطينية أو لبنانية، ولا يعود لسورية دور رئيسي بعد «تخويفها» وهزّ استقرارها.
هناك إذا «خريطة طريق» أميركية ـ إسرائيلية تسبق خريطة الطريق «الكوارتيت». وخطة الطريق المتفق عليها (الكوارتيت) لم يتم إعلانها، وربما لن نعرف تفاصيلها إلا بعد أن يتم تنفيذ خطة الطريق الأميركية ـ الإسرائيلية عبر القوة العسكرية الأميركية والقوة العسكرية الإسرائيلية. فأميركا ستستخدم كل وسائلها من جانب، والعدو الصهيوني ربما يلجأ إلى اعتداءات ضد حزب الله أو الجنوب اللبناني أو أي شيء يحلو له بعد أن سيطرت حامية (أميركا) على المنطقة بجيشها المحتشد في العراق وحول الشرق الأوسط من كل جانب.
وخريطة الطريق الإسرائيلية ـ الأميركية لن تكون معلنة، بل إنها ستطبق مباشرة، وهي تهدف إلى إعادة صوغ مفاهيم السياسة وتركيع الشعوب العربية وإلزام حكامها باستخدام المصطلحات السياسية التي يرددها الارهابي شارون، فالانتفاضة الفلسطينية يجب اعتبارها ارهابا، وحزب الله يجب اعتباره منظمة ارهابية، ومناهج التعليم يجب تغييرها لتمهيد التطبيع مع العدو الإسرائيلي، كما يجب عدم إطلاق عبارات «العدو» على «إسرائيل»، وفوق كل ذلك فإنه يجب فتح «سفارات إسرائيلية» في العواصم العربية بدءا من بغداد التي ستخضع للحكم الأميركي المباشر أو شبه المباشر.
وبينما تتحدث فرنسا وأطراف الكوارتيت عن طرفين (فلسطين و«إسرائيل»)، فإن الولايات المتحدة تتحدث عن طرف واحد («إسرائيل») ولا تعترف بوجود أي رأي يخالف رأي اللوبي الصهيوني المسيطر على واشنطن.
وعلى هذا الأساس فإن منطقتنا ستشهد تصعيدا أميركيا (نيابة عن «إسرائيل») ضد سورية كمرحلة تمهيدية، أو كما يطلق عليها البعض «خريطة طريق تمهيدية»، قبل إعلان «خريطة الطريق» المتفق عليها مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة. فخريطة الطريق الإسرائيلية ـ الأميركية هي الأساس وهي التي ستنفذ، بينما خريطة الطريق الأخرى التي لا نعلم تفاصيلها والتي قد لا تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني من الأساس، فإنها «مرفوضة، لأنها تعترف بوجود أطراف دولية أخرى غير الولايات المتحدة»
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 226 - السبت 19 أبريل 2003م الموافق 16 صفر 1424هـ