أتذكر أني قبل سنوات - ويالحسن الصدف وتشابهها - قرأت تعليقا لمسئول كبير في احدى الدول العربية عندما قال بعد فضيحة كبرى لوزير في الحكومة قام بارتكاب حماقة كبرى عندما استغل منصبه ونفوذه الخاص في ضرب صحيفة لأنها فقط وفقط نافست حصته في السوق. بغباء مهلهل راح يعمل كل ما بوسعه للتضييق عليها... بجرجرة الصحافيين تارة وتارة وبأسلوب طفولي بإثارة الشائعات وبالنميمة السياسية، وتارة أخرى بحجب المعلومات عنها... كل هذا الفعل والتخبط احرج السلطة أمام الجمهور وكشف حجم ذلك الفساد الاداري واستغلال المنصب لضرب الناس من تحت الحزام.
راح هذا المسئول يعترف أمام شاشات التلفاز «ان اكبر خطأ ترتكبه أية سلطة عندما تتورط بوزير لا يمتلك ثقافة... فهو يتحرك وفق مشتهاه... وتارة يريد أن يخدم الوزارة - ولو ببرغماتية - فيضرها».
ختم هذا المسئول اللقاء بقوله: «مشكلتنا في العالم العربي اننا نختار وزراءنا بمعيارية الثقة لا معيارية الكفاءة».
هذا المشهد إن تكرر في اية دولة فإنه لابد أن يقود كل الوطن الى فضائح... ويكشف عن تفاهة تلك الثقافة المسطحة. ان اكبر خطأ يرتكب عندما ينافس الوزير المواطنين في تجارة معينة ويوظف كل ادواته والأجهزة التي بين يديه (التي هي اجهزة عامة ملك للشعب)، لضرب منافسيه... وتارة يستخدم حتى «القانون» الانتقائي لضرب هؤلاء. وهنا يصبح مثل هذا المسئول اضحوكة لدى الشارع العام، ويعكس مدى الصدقية لمثل هذه الديمقراطيات ولمثل تلك المواد الدستورية التي تزعم وتدعي - وهي كثيرة في العالم العربي - بحرمة وحظر انشغال الوزراء بالتجارة، في حين ان الناس لم يزدادوا فقرا الا عندما تحول الوزراء الى تجار وجعلوا من وزاراتهم مزارع خاصة توظف كل امكاناتها لصالح القضايا الشخصية. ومن يريد المزيد فما عليه الا أن يقرأ فضائح دولنا العربية العريقة في الديمقراطية منها مثلا فساد المحافظ ماهر الجندي في مصر وكيف استغل المحافظة لسرقة أموال الناس وقد تمت محاكمته في مصر. ما كتبته النائبة الجريئة توجان الفيصل فسبب اعتقالها... عندما نشرت ورقة عن استغلال الفساد في احدى دولنا «الديمقراطية»، اضافة الى الملف الذي كتبته المعارضة عن سميح البطيخي (مسئول مركز مخابرات احدى دولنا العربية)
وكذلك الفضيحة التي كتب عنها هيكل في كتابه «حرب الخليج اوهام النصر والقوة» عن خسارة رجل عربي على مائدة قمار في ليلة واحدة 12 مليون دولار.
وغيرها من الفضائح... ارجع الى كتاب «الهاربون بمليارات مصر» لعادل حمودة، والفضائح الكبرى لأسماء ومبالغ خيالية تعكس ظاهرة الفساد واستغلال النفوذ والمنصب لسرقة المال العام في دولنا الشرقية العريقة. والشارع الأردني مازال يتحدث في فضائح مصرفية حدثت في الأردن.
كل ذلك والفقراء يتضورون جوعا ويطالبون بضبط النفس وبشد الأحزمة ووضع احجار المجاعة على البطون... هذا الفساد لا يمكن أن يضعف أو يقل ما لم تكن هناك صحافة حرة تخيفه أو تفضحه... ولا يوجد عمل وطني مقدس أكبر من أن تحول القلم الى قلم ذهبي مصوغ بضمير الشعب... زخاته تحارب الفساد... وتفضح هذه الجرائم الاقتصادية.
ان استغلال الوزير - اي وزير - لمنصبه سواء كان استغلالا مالياَ أو اداريا هو خيانة في حق الوطن، لأن من لا يحافظ على مال وطنه لا يمكن أن يكون انسانا وطنيا يحب وطنه حتى وان ادعى ذلك الحب لأن عدم الحفاظ المال واستغلال النفوذ هي الوجه الآخر للخيانة
العدد 224 - الخميس 17 أبريل 2003م الموافق 14 صفر 1424هـ