العدد 224 - الخميس 17 أبريل 2003م الموافق 14 صفر 1424هـ

حملة عبرية مكثفة على سورية... وأحاديث عن «حلف بغداد»

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

كثفت «إسرائيل» حملتها على سورية ولبنان مستفيدة من الانهيار العراقي السريع، وفيما أوفد رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، أحد مستشاريه الأمنيين افرايم هليفي إلى واشنطن لتأليبها على إيران وسورية على خلفية «دعمهما الارهاب وجهودهما للحصول على أسلحة الدمار الشامل وإنتاجه». رأى عدد من المعلقين الإسرائيليين أن التحذيرات الاميركية لسورية بسبب مواقفها أثناء الحرب على العراق، قد لا تؤدي إلى تدخل عسكري مباشر وإنما هي بداية لحملة ضغط سياسي واقتصادي لن يكون في إمكان النظام السوري تحملها. ونقلت «يديعوت أحرونوت»، عن الناطق القومي الإسرائيلي عاموس جلعاد، قوله «ينبغي الآن حدوث تغيير في سورية بعدما ساعدت سورية العراق خلال الحرب وآوت لاجئين منه، يتوجب على الأميركيين التفكير الآن في الخطوات الواجب اتخاذها. الآن بات الأميركيون يفهمون ما سبق لنا أن فهمناه منذ مدة طويلة، وهو ان سورية تدعم منظمات إرهابية وتقدم لها الحماية وتهتم بنقل الأسلحة إلى منظمة حزب الله». وقال إن «انهيار صدام حسين ينطوي على أهمية عظيمة لإسرائيل. فهزيمته تؤدي إلى فقدان الظهير الاستراتيجي لأعداء إسرائيل، وعلى رأسهم سورية التي باتت معزولة من كل النواحي». وأضاف: «ينبغي ألا توافق إسرائيل على أن تحتفظ دولة معادية مثل إيران بسلاح نووي»، مؤكدا أن إيران تستثمر كثيرا من مواردها في ما سماه «مأسسة الارهاب ضد إسرائيل»، مشيرا إلى «دور إيران في عملية تفجيرية وقعت في حيفا قبل نحو شهرين وأدت إلى مقتل 23 شخصا». واعتبرت «معاريف»، ان الرئيس السوري بشار الأسد يتورط مرة أخرى. فبعدما تمكن من إغضاب الولايات المتحدة بمعارضته الحازمة للحرب على العراق وبعدما وفّر لصدام حسين الصواريخ المضادة للدبابات، منح الأسد ملجأ لعالمتين عراقيتين كبيرتين، كانتا تعملان على تطوير أسلحة الدمار الشامل من أجل الطاغية العراقي، لافتة إلى ان هذا ما تفيده «واشنطن تايمز»، التي كشفت ان العالمتين هما هدى عماش الملقبة بـ «سيدة انتراكس»، ورياب طه الملقبة بـ «دكتور جرثومة»، وكانتا مرتبطتين بمشروع الأسلحة البيولوجية العراقي وبقيادة حزب البعث الحاكم. وكشفت «معاريف»، ان تقارير خاصة وصلت أخيرا من واشنطن إلى مصادر سياسية في «إسرائيل» تفيد ان الإدارة الأميركية قطعت علاقاتها الاستخبارية مع سورية وانها تحاول تقليل الاتصالات الدبلوماسية معها. ونقلت عن مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى ان لديها من الأسباب ما يكفي لكي تقّدر ان الإدارة الأميركية ستطلب قريبا من سورية إجراء فحص للتأكد مما إذا كانت تخبئ سلاحا كيماويا من العراق. وكذلك نقلت عن مصادر إسرائيلية أمنية عليا ان الرئيس السوري بشار الأسد ارتكب خلال الحرب على العراق كل الأخطاء الممكن ارتكابها، ووضع نفسه في مرمى الأميركيين، وخصوصا انه أخطأ عندما أتاح للمتطوعين دخول العراق للمساعدة ضد الغزو الأميركي، وعندما نقل الى العراق صواريخ ضد دبابات استعملها ضد الأميركيين. وأضافت انه استنادا إلى رسائل معلنة وسرية تصل في الأيام الأخيرة إلى المستوى السياسي في «إسرائيل»، ثمة انطباع قوي أن الرئيس الأميركي جورج بوش ينوي معالجة نظامي الحكم في سورية وإيران أيضا بعد أن تضع الحرب على العراق أوزارها على رغم تصريحات وزير خارجيته كولن باول التي قال فيها ان الولايات المتحدة لا تنوي الهجوم على سورية وإيران.

وأعرب المعلقون الإسرائيليون عن دهشتهم للمواقف التي اتخذتها سورية أخيرا، فكتب زئيف شيف، إن المساعدة التي يقدمها الأسد للعراق في هزيمته مثيرة للدهشة، وتشير إلى صفات لدى الرئيس الشاب تدل على استعداده للتعرض لمخاطر شخصية وتعريض مصالح بلاده للخطر. فسورية تدفع منذ الآن ثمن الرهان الخاطئ والغريب للرئيس الأسد، وذلك بعدما أغلق الأميركيون مصفاة النفط التي كانت تنقل يوميا نحو 200 ألف برميل من منطقة كركوك إلى سورية حيث يجري تصديره. كما أن استمرار رهان الأسد ضد الأميركيين يثير الجدل داخل القيادة السورية. فالمجموعة القديمة من هذه القيادة التي كانت قريبة من حافظ الأسد تنتقد تصرفات الأسد الابن لأنه لم يتشاور معها قبل اتخاذه مواقفه المعادية للأميركيين. فيما تناول بن كسبيت في «معاريف»، التهديدات الاميركية لسورية، وإذ رجح ان الولايات المتحدة لا تنوي غزو سورية، رأى ان الأميركيين قادرون على إيلام النظام السوري واستنزافه بطريقة لن يكون في مقدوره تحملها. وفي الوضع الناشئ، ليس من باب الخيال أن نرى طواقم للوحدات الاميركية الخاصة تحط في سهل البقاع في لبنان وتخطف من هناك عماد مغنية مثلا، أو أن نرى مقاتلات كبيرة تدمر مجموعة مبان في دمشق يعيش فيها المسئولون الكبار في النظام العراقي السابق.

من ناحيته، رونين برغمان في «يديعوت أحرونوت»، لفت إلى ان المساعدة التي قدمتها سورية إلى العراق جعلت الولايات المتحدة تشير إليها باعتبارها الهدف المقبل للحرب. وفي إشارة إلى «قانون محاسبة سورية» قال برغمان، انه منذ أشهر عدة يجري العمل في مجلس النواب الأميركي على اشتراع قانون ينص على اتخاذ خطوات سياسية واقتصادية ضد سورية في إطار مطالبتها بوقف تأييدها للارهاب وإغلاق فروع المنظمات الفلسطينية القائمة في دمشق وجوارها. مشيرا إلى ان مسئولين أميركيين يسعون إلى أن يكون هذا القانون ساريا أيضا على لبنان الذي يحظى فيه حزب الله بنفوذ كبير، تماما مثلما كان تنظيم «القاعدة» قوة مركزية في أفغانستان. ولاحظ ان مواقف الادارة الأميركية حيال سورية ولبنان ازدادت تطرفا مع تكليف جون بولتون بالملف الاستخباري المتعلق بسورية. واكد ان بولتون الذي يشغل منصب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشئون مراقبة التسلح، هو من أشد المناصرين لـ «إسرائيل» في طاقم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) المناصر لـ «إسرائيل» أصلا.

لكن على رغم المحاولات الإسرائيلية للانتظام تحت الشعارات الأميركية في شرح أسباب ومبررات الحملات الحالية على سورية، فإن بعض المعلقين يوضحون المسار العام للتوجه الأميركي في المنطقة بشكل مباشر وواضح فـ «السعي إلى عقد حلف بغداد جديد يمر بالقدس أيضا، هو أكثر من ضروري» بحسب غاي باخور في «يديعوت أحرونوت»، الذي يطمئن بأن مشهد سقوط 17 مايو/أيار 1983 الذي هدف إلى فرض اتفاق سلام على لبنان برعاية دبابات الجيش الإسرائيلي لن يتكرر لأن الوضع في العراق يختلف تماما... فالآن بعد انهيار كل معاقل العراق بات العراق تحت حكم عسكري أميركي بقيادة الجنرال الموالي لإسرائيل جاي غارنر.

ويتساءل باخور عما إذا كان ينبغي لإسرائيل، أن تتبنى سياسة فاعلة في ما يتعلق بعلاقاتها مع العراق الجديد المؤيد لأميركا؟ معتبرا انه إذا كان الجواب بالإيجاب، فماذا ينبغي لنا أن نسعى إليه: علاقات سلام، علاقات تجارية أم علاقات هادئة فقط؟ ما الذي يمكن تحقيقه وما هو غير الواقعي؟ وإذ لفت إلى انه قبل عدة أيام بدت مثل هذه الأسئلة خيالية، رأى انه الآن بعد انهيار كل معاقل العراق منذ نشأ في بداية العشرينات، بعد أن اختفى نظام البعث، وعندما بات حكم عسكري أميركي بقيادة الجنرال الموالي لإسرائيل غارنر، يملأ بمضمون جديد تماما الفراغ الناشئ صارت هذه الأسئلة واقعية. وبدا له للوهلة الأولى اننا كنا في هذا المشهد، حين سعينا، في 17 مايو 1983، إلى فرض اتفاق سلام على لبنان برعاية دبابات الجيش الإسرائيلي، غير انه رأى ان الوضع في العراق، يختلف تماما. فحتى لو كان العراق الجديد يحتاج إلى الشرعية من العالم العربي، ولن تؤدي العلاقات مع «إسرائيل»، إلا إلى تخريب محاولات تحقيق هذه الشرعية، فلا يزال الحديث يدور عن حكم جديد تماما، بإدارة أميركية مباشرة، يفترض به أن يكون منقطعا عن التحريض العربي القومي التقليدي. معتبرا انه بالعكس، فإن مثل هذه العلاقات أو غيرها مع «إسرائيل»، إلى جانب الطابع التعددي والتسامحي، سيكون الاختبار الحقيقي للتغيير في العراق، وبدء إعادة انخراطه من جديد في التاريخ العالمي. لكن باخور، وللحقيقة، كما يقول، فإن عراق الماضي كان مرتبطا في حلف مع محافل غربية. في العام 1955، قبل عصر الأنظمة العسكرية، شارك العراق، في نطاق حلف بغداد في منظومة دفاع إقليمية ضمت ليس فقط تركيا وإيران المؤيدتين للغرب بل أيضا بريطانيا والولايات المتحدة بعظمتهما. ورأى انه حاليا يجدر السعي إلى عقد حلف بغداد جديد، يمر بالقدس أيضا، بحيث ان العلاقات مع «إسرائيل» تصف الشرق الأوسط، للمرة الأولى بشكل إيجابي لا بشكل سلبي فقط. ولاحظ باخور، ان العلاقات وإن كانت جزئية، بين العراق الجديد و«إسرائيل»، يمكنها أن تساعد العراق نفسه. فهذه الدولة الغنية ليس لها مخرج خاص بها إلى البحر الأبيض المتوسط، ومنذ العام 1948 وهي تضطر إلى الموانئ السورية. وكل ذي رأي يفهم بأن علاقات العراق المؤيد للغرب وسورية من المتوقع أن تحتدم، ومن هنا فإن الموانئ الإسرائيلية، والمرور عبر الأردن، الدولة الصديقة للطرفين، ستفيد بغداد جدا. هكذا أيضا بالنسبة إلى أنبوب النفط العراقي إلى البحر الأبيض المتوسط، الذي يمر اليوم عبر سورية، وبالنسبة إلى ترميم الأنبوب من كركوك إلى حيفا عبر الأردن. لافتا إلى انه يدور الحديث هنا عن مصلحة أردنية من الدرجة الأولى، ستجلب الفائدة والاستقرار للعراقيين. وفال باخور، ان الأردن والعراق و«إسرائيل»، هي ثلاث دول ذات تراث انتدابي بريطاني، مثلا في المجال القانوني، وإذا ما صار العراق تعدديا فإنه كفيل بأن يشكل قاعدة مؤيدة للغرب تحقق الاستقرار للشرق الأوسط برمته. ومن جهة أخرى، فإن الأردن و«إسرائيل»، كفيلان بأن يكونا الجبهة الداخلية الودودة الوحيدة للعراق المؤيد لأميركا، في منطقة تنظر إليه باشتباه وخشية. كما ان العراق، بوسعه أن يستعين بالقدرة الاقتصادية الإسرائيلية، ولا سيما إذا ما عملت «إسرائيل»، في هذا السياق بتواضع لا بغطرسة. وختم بالقول، ان نافذة فرص من ناحية إسرائيل فتحت هذه الأيام في بغداد، وهي بمثابة صدع في الخلفية التي تظهر في منطقتنا مرة كل نصف قرن. معتبرا ان من شأن هذه النافذة أن تغلق قريبا وبالتالي: خسارة ألا تستغل، ناهيك عن انه ليس لنا ما يمكن أن نخسره

العدد 224 - الخميس 17 أبريل 2003م الموافق 14 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً